الغبن الطبقي والفقر يتحالفان مع دونالد ترامب

2CA83E7B-EE56-4367-A7F1-2798831341F6
موسى مهدي
صحافي بريطاني من أصل سوداني؛ محرّر في قسم الاقتصاد في "العربي الجديد".
15 سبتمبر 2016
F3E10533-6C61-4FB8-A66C-D2DE441491E9
+ الخط -
في الثمانينيات من القرن الماضي، عشت في أميركا لمدة ثلاث سنوات في نيويورك وشيكاغو وزرت العديد من الولايات الأميركية.
وقتها كان المجتمع الأميركي ينعم بنوع من الرخاء النسبي وكانت الحياة سهلة والعيش رغيدا وكل شيء رخيصا، مقارنة بالدخول حتى المتدنية منها، ولكن رغم كل ذلك كان المجتمع الأميركي منقسما عنصرياً وطبقياً بشكل حاد يصعب معه التصالح. 
في نيويورك مثلاً، كان السود يعيشون في أحياء منعزلة، هارلم مثلاً، غابة سوداء مشبعة بروح "مالكوم أكس"، لا تستطيع الشرطة البيضاء دخولها، وكذلك الحال في منطقة "فلات بوش" في حي بروكلين، حيث ولد وعاش الملاكم المشهور مايك تايسون.
وفي حي "كينغز هاي واي" في بروكلين، يعيش البيض، فهو حي مقصور السكن فيه على الإيطاليين وبعض الجنسيات الأوروبية، وحي برونكس مقصور السكن فيه على حاملي الجنسية الإسبانية.
قال لي مرة أحد الأصدقاء من الأميركيين إن "أميركا ليست دولة طبيعية بمفهوم الدول التي تكونها قومية، وإنما هي دولة قامت على موجات من الهجرة البيضاء التي أبادت أهلها الأصليين، ثم تملكت الأرض بالقوة واستعبدت السود لبناء الثروة دون كلف تذكر، وهي لا تزال دولة إقطاعية تعتمد في خلق الثروة على تملك الأرض واستغلال العمالة الرخيصة من المهاجرين الذين يعملون ما بين 12 إلى 14 ساعة من أجل أجر قليل".

اليوم ومع تزايد الفوارق الطبقية والاجتماعية وتزايد نسبة الفقر في أعقاب أزمة المال التي ضربت أميركا في العام 2007، يتحول الغبن الاجتماعي من السكون والهدوء النسبي تدريجياً، إلى صراع دام في الشارع الأميركي بين البيض والسود وبين الفقراء والأغنياء.
ويفتح المرشح الجمهوري دونالد ترامب كل هذه الجراح المتقيحة ويحولها إلى جيش جرار من الأنصار لحملته الانتخابية القائمة على نبذ المهاجرين ووأد الاتفاقات التجارية ومعاقبة البضائع الصينية من أجل توفير الوظائف للعمال في أميركا.
ورغم أن هذه الدعوة ينظر لها في جوهرها دعوة سلبية ومتناقضة، ولكنها تستجيب للعديد من الفقراء وذوي الدخل المحدود في أميركا.




وتشير البيانات التي نشرتها منظمة "بوفرتي يوإس أيه"، وهي منظمة خيرية تُعنى بشؤون الفقراء، إلى أن هنالك حوالى نصف مليون في أميركا بدون مأوى، يعيشون حياة التشرد ويسكنون في خيام أو بيوت متنقلة في الغابات والحدائق. وهذا الرقم لا يشمل الشباب فقط، ولكنه يشمل كذلك العائلات.

كما تشير أرقام المنظمة الخيرية إلى أن هنالك حوالى 1.6 مليون طفل مشرد، ينامون في العراء أو في الطرقات.

كما تشير البيانات الأميركية إلى أن كمية الأموال التي دفعتها شركات "وول ستريت"، كحوافز لموظفيها في العام الماضي تعادل ضعف قيمة الأجور التي حصل عليها جميع العمال من ذوي الدخل المنخفض في ذلك العام.

وفي أميركا، تحصل نسبة 0.1% من عدد السكان على 6.0% من الدخل الأميركي، أي ما يعادل 23 مليون دولار، فيما لا يفوق متوسط الدخل لحوالى 90% من السكان 39 ألف دولار في العام. ومتوسط الدخل للمواطن الأميركي يضعه في الترتيب 27 عالمياً. وذلك رغم الثروة المتراكمة في أميركا.

دونالد ترامب يوظف هذه المتناقضات لصالحه، في وقت يتم فيه تسويق هيلاري كلينتون على أساس أنها مرشحة "وول ستريت".
ومع تزايد الفقر، تزداد النقمة الشعبية ضد العولمة وهيمنة الشركات الكبرى على الاقتصاد، ويوظف المرشح دونالد ترامب هذه النقمة في هذه الحملة الانتخابية. وحتى أنصار حركة "احتلوا وول ستريت"، التي تهدد الحركة التجارية في سوق المال الأميركية، تخدم دونالد ترامب الذي يواصل مهاجمة شركات سوق المال الأميركية.

فالحركة تتهم الأداء الاقتصادي والسياسي في أميركا بأنه يتناقض مع المبادئ الديمقراطية والرأسمالية.
وفي هذا الصدد يرى العالِم الأميركي هاري براون، أحد كبار المناصرين للحركة، إن أميركا ليست دولة ديمقراطية، ولكنها جمهورية تحكم سرياً من قبل مجموعة من أصحاب المصالح.
ويقول في تصريحات نقلتها أجهزة الإعلام الأميركية حول تصرف الكونغرس حيال أزمة الدين العام التي تمر بها أميركا: "في الديمقراطية الحقيقية يأمر الشعب الكونغرس بإلغاء الإعفاءات الضريبية على الأثرياء وإلغاء خطط إنقاذ البنوك بدلاً من رفع سقف الدين".

وهنالك غضب شعبي من أداء الإدارات الأميركية المتعاقبة على البيت الأبيض، وينظر الفقراء وذوو الدخل المنخفض إلى المرشحة هيلاري كيلنتون كامتداد لها.
والتقييم العام من قبل الشارع الأميركي، أن الإدارة الأميركية تنفق المال العام بسخاء لإنقاذ شركات "وول ستريت"، خلافا لمبدأ السوق الحرة، وتقول للمواطنين العاطلين من العمل: اذهبوا وابحثوا عن عمل في السوق الحرة، لأن مبدأنا قائم على أن الدولة لا توفر الوظائف للمواطن، وإنما الشركات هي التي توفر الوظائف.
وهي بهذا المنطق تطبق المبدأ الرأسمالي على الشعب، حيث تطالبه بالذهاب للسوق، وهو ما لم تفعله مع الشركات، حينما تعرضت للإفلاس، حيث دفعت لها مئات المليارات.

وسط هذا الواقع يتسابق كل من المرشح الجمهوري دونالد ترامب والمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون على البيت الأبيض في الانتخابات التي ستجرى في نوفمبر/ تشرين الثاني لتحدد مصير الرئاسة الأميركية للسنوات الأربع المقبلة.
ورغم أن هيلاري كلنتون لديها فرص أوسع للفوز بهذه الانتخابات ولكن هنالك مخاوف حقيقية من أن دونالد ترامب سيكسب، وخاصة أنه في آخر استفتاء تقلص الفارق بين دونالد ترامب وكلينتون إلى 3 نقاط من 7 نقاط في الأسبوع الماضي.



المساهمون