العلاقة الأوروبية الروسية... بين التصعيد العسكري والحوار

برلين

شادي عاكوم

avata
شادي عاكوم
08 يوليو 2016
F297A390-F42F-456A-9AEE-80CDB3067ED3
+ الخط -
تتراوح العلاقة الأوروبية-الروسية بين التصعيد العسكري ومحاولات تبريد التوتر من خلال الحوار، فمع زيادة موسكو من انتشارها العسكري على حدودها مع بولندا، بدأت دول حلف شمال الأطلسي تبذل جهوداً لزيادة استعداداتها العسكرية ومواجهة التهديدات الروسية، مع تأكيد وزير الخارجية البولندي فيتولد فاشيكوفسكي أن "الحل الوحيد يكمن بنشر قوات الأطلسي على الحدود الشرقية، لإظهار الحزم والدفاع عن الحدود"، إضافة إلى تشديد الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ، على "أننا نواجه أخطاراً وتحديات معقدة وروسيا على استعداد لاستخدام القوة لتغيير الحدود". وأتى ذلك بعدما اتهمت الحكومة الروسية أخيراً الحلف بإثارة ما وصفته بـ"الهيستيريا المعادية" لها، معلنة أنها ستتخذ الخطوات اللازمة للمواجهة.
كما حمّلت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، روسيا مسؤولية التوتر، معلنة أن تعزيز دفاع حلف الأطلسي في الشرق الذي يُفترض أن يتقرر خلال قمة وارسو، مبرر بسلوك روسيا في أوكرانيا الذي "أفقدها ثقة" الحلف. وقالت ميركل أمام مجلس النواب الألماني أمس الخميس، إن "سلوك روسيا في الأزمة الأوكرانية زعزع حلفاءنا في الشرق إلى حد كبير، عندما يتم التشكيك بحرمة الحدود وسيادة القانون من خلال الأقوال والأفعال، فإن الثقة تتراجع".
لكن هذا التصعيد يقابله حراك لتبريد الأجواء، مع الإعلان عن جولة حوار جديدة في 13 الحالي في بروكسل بين روسيا وحلف الأطلسي. وأعلن ستولتنبرغ أن هذا الاجتماع سيُعقد على مستوى السفراء، مشيراً إلى أن "مجلس الأطلسي-روسيا يمكنه أن يؤدي دوراً مهماً بوصفه منتدى حوار وتبادل معلومات بهدف تقليص التوتر". وأوضح ستولتنبرغ أن "مباحثاتنا ستتركز على الأزمة في أوكرانيا وحولها، وعلى ضرورة التنفيذ الكامل لاتفاقات مينسك" الهادفة إلى إنهاء النزاع. وأضاف: "سنبحث أيضاً الأنشطة العسكرية للحلفاء وروسيا عبر التركيز خصوصاً على الشفافية والحد من الأخطار".
وبدأت العلاقات بين الطرفين تتوتر بشكل كبير منذ بداية الأزمة الأوكرانية وضم روسيا لشبه جزيرة القرم، وهو الأمر الذي شكّل مدعاة قلق خصوصاً لحلفاء الأطلسي مثل بولندا ودول البلطيق التي تشعر دائماً بأنها مهددة من موسكو. أمام هذا الواقع، يشير مسؤولون في الحلف الأطلسي إلى أنه يعتزم الإعلان عن بدء العمل بالدرع الصاروخية خلال القمة المقررة نهاية هذا الأسبوع في وارسو، والتي يشارك فيها قادة دول الحلف الـ28، إضافة إلى تبني خطة تقضي بنشر أربع كتائب في بولندا ودول البلطيق، تتكوّن كل منها من ألف جندي بينهم كتيبة ألمانية، وفق ما أعلنت عنه وزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون دير لاين أخيراً، لافتة إلى أن الأمر ما زال قيد المناقشة حول التفاصيل ومنها المكان وتركيبة التشكيل، وذلك من أجل منح المزيد من الأمن للدول الحليفة في شمال شرق أوروبا. علماً أن الجيش الأميركي افتتح أخيراً موقعاً للصواريخ الاعتراضية في رومانيا، بعد أن سبق ونشر نظام رادار في تركيا، إضافة إلى تواجد أربع سفن حربية في إسبانيا.


ويكمن الخطر بالنسبة للدول الأوروبية، في أن روسيا ضاعفت من قدراتها العسكرية على حدودها مع أوروبا، ومنها استونيا ولاتفيا وايسلندا أربع مرات، وهو ما اعتبره البعض عودة لأساليب الحرب الباردة إضافة إلى التهديدات النووية، بحيث تتمركز عناصر من قوات النخبة الروسية بكامل عتادها العسكري، وتُجري من وقت إلى آخر تدريبات ومناورات، وسط تخوف استونيا من هجوم محتمل على غرار ما حصل في شبه جزيرة القرم في العام 2014.
ويرى خبراء عسكريون أن الخوف يبقى من تجنيد مواطنين من إثنيات روسية، وهو ما قد يشكل خطراً على دول البلطيق ومن إعادة السيناريو في جزيرة القرم، مع التأكيد على أهمية التنبّه مما يحاك ضد أوروبا، والخطر من تصعيد الوضع، إضافة إلى الجنوح نحو استعراض العضلات العسكرية، وارتفاع مخاطر سوء التقدير، والتي كان آخرها التعرض لطراد من البحرية الأميركية في البحر المتوسط.
في المقابل، يجد خبراء ودبلوماسيون أوروبيون ضرورة لاتخاذ خطوات لحل الأزمة الحالية، والتوجّه للبحث عن فرص التعاون والمصالح المشتركة لتفادي الوقوع في فخ ودوامة من التصعيد انطلاقاً من أن أوروبا تحتاج روسيا كشريك، وعليها العودة إلى النظام الأمني الأوروبي لا سيما أن موسكو تعاني اقتصادياً، وهناك انكماش في الاقتصاد الروسي بنسبة 4 في المائة العام الماضي. ويبقى المطلوب بحسب الخبراء "الصبر الاستراتيجي"، وهذه الوصفة الوحيدة للسياسة الحكيمة نحو موسكو.
وكان وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير، رد على سؤال عن مناورة "اناكوندا" التي جرت في بولندا أخيراً، وهي الأكبر للحلف الأطلسي منذ العام 1989، قائلاً: "ليس المطلوب الاستمرار في تأجيج الصراع عبر قعقعة السيوف وصرخات الحرب، ومن يعتقد أنه بعروض عسكرية رمزية على الحدود الشرقية، يمكن أن يضمن الأمن، فهو مخطئ". وهو الأمر الذي أدى إلى إثارة بلبلة في الائتلاف الحاكم في ألمانيا، كون هناك مشاركة للجيش الألماني بشكل جزئي في قوات الردع ضد روسيا، إلا أن شتاينماير عاد وبرر تحذيره هذا قبيل اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين في لوكسمبورغ أخيراً بقوله، إن ملاحظاته أتت من خبراته، وسياسة الردع لا يمكن أن تكون كافية إذا لم تترافق مع الحوار وتبادل الآراء، وهو الأسلوب المعتمد من قبل حلف شمال الأطلسي. ولم ترق هذه التصريحات لأعضاء من الحزب المسيحي الديمقراطي الذي تتزعمه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، إذ عبّروا عن امتعاضهم وعدم تفهمهم لموقف شتاينماير. وقال نائب رئيس الحزب فولكر بوفير: "لا أتفهم موقف شتاينماير، كان الاتفاق دائماً على حماية منطقة شمال الأطلسي، وهو أمر مهم بالنسبة لدول البلطيق وبولندا". فيما لم يستبعد أعضاء آخرون من أن تؤدي تصريحات شتاينماير إلى سوء فهم داخل الحلف الأطلسي أو خبث في موسكو.
فيما عبّر مسؤولون آخرون عن تفهمهم لموقف رئيس الدبلوماسية الألمانية الذي ينتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، واعتبروها بمثابة تكتيك انتخابي، وربما قد تمهد لتحالف مع حزب اليسار، ويبقى الحذر من أن تكون مناورات الحلف الأخيرة بداية لجدال سياسي جديد بين الائتلاف الحاكم في برلين.

ذات صلة

الصورة
ترامب يلتقي زيلينسكي في نيويورك / 27 سبتمبر 2024 (Getty)

سياسة

تبدو أوروبا اليوم متعايشة مع احتمالية عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، لكنها تنظر للأمر من باب أنه "سيتعين" على القارة العجوز "أن تكون حقاً بمفردها".
الصورة
آثار قصف روسي على إدلب، 23 أغسطس 2023 (Getty)

سياسة

شنت الطائرات الحربية الروسية، بعد عصر اليوم الأربعاء، غارات جديدة على مناطق متفرقة من محافظة إدلب شمال غربيّ سورية، ما أوقع قتلى وجرحى بين المدنيين.
الصورة
قوات روسية في درعا البلد، 2021 (سام حريري/فرانس برس)

سياسة

لا حلّ للأزمة السورية بعد تسع سنوات من عمر التدخل الروسي في سورية الذي بدأ في 2015، وقد تكون نقطة الضعف الأكبر لموسكو في هذا البلد.
الصورة
بايدن وهاريس  يستقبلان السجناء بقاعدة أندرو العسكرية، 2 أغسطس 2024 (العربي الجديد)

سياسة

استقبل الرئيس الأميركي جو بايدن ونائبته كامالا هاريس في قاعدة أندروز الجوية، قرب واشنطن، 3 سجناء أفرجت عنهم روسيا بموجب صفقة تبادل سجناء مع الغرب.