العزيز روحاني: ركوب الجمل لا يكون سرّاً

25 يونيو 2014

روحاني: لا خلاف بين الشيعة والسنّة(أنقرة/يونيو 2014/فرانس برس)

+ الخط -

"لا يوجد هناك أي خلاف بين الشيعة والسنة في العالم الإسلامي، فهم جميعاً إخوة، عاشوا بألفة ومحبة، جنباً إلى جنب على مرّ القرون". "اليوم هو يوم حزن المسلمين، وفرح الصهاينة الذين تمكنوا من إثارة الخلاف والشقاق في العالم الإسلامي".

على وقع صراع طائفيّ دمويّ، تأتي تصريحات الرئيس الإيراني، حسن روحاني هذه، كمن "يرش على الموت سكّراً". وكعادة المسؤولين الإيرانيين، ألقى باللوم بعيداً عن ساحة بلاده، وبرّأها من وزر كراهية عمياء، ساهمت في صنعها وإذكاء نارها، تماماً كما فعلت دول سنية رأت في دماء الناس وأرواحهم وقوداً مناسباً لصراعٍ، سياسي في حقيقته، وإن أعطي لبوساً مذهبياً طائفياً.

من يتكلم عن "الأخوة والمحبة"، ويلقي باللوم على "الصهاينة"، ليس مفكراً رومانسياً قد نغفر له إغراقه في التفاؤل، بل هو رجل كان طيلة السنوات الماضية قريباً، بل ومشاركاً في رسم السياسة الأمنية لبلاده وصياغتها وصناعتها. يعرف روحاني، صاحب الحنكة الدبلوماسية والتجربة الطويلة في التفاوض والصراع مع الخصم، أن سياسة بلاده لعبت دوراً كبيراً في بناء أرضية خصبة لكل هذه الكراهية، والمسألة سابقة على الموقف من سورية، ودعم بشار الأسد في لعبة دراماتيكية، منحته صفة "المستضعف" الذي يجب على دولة "حماية المستضعفين" أن تهب لنجدته، ولو جاء ذلك على أجساد آلاف من الشيوخ والأطفال الأبرياء. في العام 2003 ومع احتلال العراق، سجلت الجمهورية الإسلامية انحيازها الواضح للطائفية، وأعلنت، صراحةً، أن "المنجز" الذي يجب الحفاظ عليه أن "العراق لم تعد دولة سنيَّة". ومن أجل المصالح والنفوذ، غضَّت طهران الطرف عن إرث العداء مع أميركا، ودخلت في عمليات تنسيق وتعاون مع المحتل، تحت عنوان "مصلحة الشعب العراقي"، وكررت ذلك بشأن أفغانستان، وكان العنوان، أيضاً "مصلحة الشعب الأفغاني".

يعرف روحاني، وكذلك النخبة السياسية ورجال الدين، أن علاقة السنة والشيعة، اليوم، في أسوأ حالاتها، وأن أفق العلاقة كان، في ثلاثينيات القرن العشرين وأربعينياته، أفضل وأكثر نضجاً مما هو عليه الآن، وهو وعي قاد إلى تبني الأزهر فكرة التقريب بين المذاهب الإسلامية، وتشكيل "دار التقريب بين المذاهب الإسلامية"، بمساهمة من عدد من كبار علماء الدين السنة والشيعة.
وشكل شعار "الوحدة الإسلامية" عنواناً للتقارب بين الطرفين، وهو ما عمل عليه بإخلاص مؤسس حركة الإخوان المسلمين، الإمام حسن البنا، حتى قبل دعوة الأزهر إلى التقريب بين المذاهب الإسلامية. ومعروف أن كثيرين من أئمة الشيعة في إيران كانوا يحلون ضيوفاً على الجماعة في مصر، ومنهم السيد القمي ونواب صفوي. وكان البنا مؤمناً بأن "الخلاف الفقهي في الفروع لا يكون سبباً للتفرقة في الدين، ولا يؤدي إلى خصومة ولا بغضاء". وعلى الجانب الشيعي، كان لأفكار ومواقف رجالٍ، مثل محمد قمي وآية الله كاشاني ونواب صفوي، دور كبير أيضاً في تجاوز تلك الحساسيات المذهبية.

وترك اللقاء الذي جمع الإمام البنا والمرجع الشيعي آية الله كاشاني، في موسم الحج عام 1948، أثراً إيجابياً على مسار العلاقة بين النخب الدينية والسياسية السنية والشيعية. في العام 1954 زار نواب صفوي القاهرة، عقب مشاركته في مؤتمر لنصرة القدس في عمان، ولاقت زيارته ترحيباً شعبياً واسعاً، لا يمكن أن يحظى به أي زعيم إيراني يزور دولة عربية اليوم.

كانت القضية الفلسطينية، على الدوام، عنواناً يجمع، ولا يفرق بين العرب وإيران، لكنه اضمحل، هو الآخر، أمام موجة عارمة من البغضاء، وأصبح وجوده محاطاً بظلالٍ من الشك والاتهام على أحسن الأحوال. قبل سنوات قليلة، كان السيد خامنئي يرى أنه نجح في مد جسور مع العالم العربي، وأن حزب الله، وأمينه العام السيد حسن نصر الله، خير سفراء لذلك، فهل مازالت إيران قادرة على أن تواصل هذا الادعاء، بعد أن زجّت الحزب في معركةٍ لن يخرج منها كما دخلها؟

يطيب لإيران، اليوم، وفي تصريحات مسؤوليها وتحليلات مفكريها، أن تهاجم "الفكر الداعشي" المتطرف الذي يحاول إعادة الناس إلى العصر الحجري، وتقدم نفسها دولةً، ستحمل على عاتقها التصدي لهذا الفكر، وإنقاذ الناس منه. وفي غمرة ذلك، تغرق القيادة الإيرانية في رسم خارطة طريقٍ، تدل أوباما على شجرة الصداقة الذي طلب أن يرشدوه إليها، عندما خاطب الإيرانيين، في عيد النوروز الماضي، مقتبساً شعراً لسعدي الشيرازي: دلّني على شجرة الصداقة، إذ تفرِح ثمارها القلب، واقتلعْ غرسة الكراهية التي لا تورث إلاَّ الألم.

مستميتاً، يحاول روحاني أن يرسم لبلاده صورة "النموذج الحضاري المستنير"، لكنه يعرف في قرارة نفسه أن "الداعشية" منظومة قيمية، قبل أن تكون عصابات من المقاتلين، وهي منظومةٌ تقوم على إقصاء الآخر، وتحتكر الحقيقة والحق. وربما يكون هذا التعريف المدخل الذي جعل نشطاء إيرانيين يعقدون مقارنةً، مدعومة بالصورة بين "داعش" ودولتهم، ليعلنوا أن حكومتهم "داعشية" أيضاً.

للسيد روحاني أن يقول ما يريد، لكنه يدرك جيداً المقولة الإيرانية الشائعة كثيراً في الأوساط السياسية، للدلالة على "عمق الكذب السياسي"، وتقول: "شتر سواری دولا دولا نمی‌شه"، ركوب الجمل لا يكون في السر!

D33FFFA6-99D5-41B4-8A40-51AF778ACB34
فاطمة الصمادي

باحثة مختصة بالشأن الإيراني في مركز الجزيرة للدراسات، حاصلة على الدكتوراه من إيران عن رسالتها حول المضامين النسوية في سينما المرأة الإيرانية. لديها كتب وأبحاث من أبرزها "التيارات السياسية في إيران".