العرب واللعبة الأميركية الإيرانية

07 نوفمبر 2018
+ الخط -
كما لو أنه موعد خلاصهم، كان تاريخ الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني يبدو، في نظر العرب القاعدين، انتظاراً لحربٍ تشنها الولايات المتحدة الأميركية على إيران، من أجل سواد عيونهم، أو قل من أجل دولاراتهم المتدفقة بالمليارات على إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
"لن تسمح طهران بتصدير برميل نفط من الخليج، إذا غامرت واشنطن بفرض الحزمة الثانية من العقوبات عليها، ومنعتها من تصدير نفطها"، قال المسؤولون الإيرانيون، مهدّدين، مراراً وتكراراً، قبل نحو ثلاثة أشهر، ثم عملوا على إلحاق تهديداتهم برسائل عملية، كان أهمها إقدام حلفائهم الحوثيين على قصف قطع بحرية سعودية، ما أدى آنذاك إلى اتخاذ الرياض قراراً بتعليق صادراتها البترولية بضعة أيام.
وإذ أثار ذلك تحليلاتٍ وتكهناتٍ متشعبةً حول احتمالات التصعيد المرتقب، فإن أحداً من العارفين بحدود اللعبة الأميركية الإيرانية وهوامشها لم يتوقع رداً عملياً من طهران، يزيد في أعلى حالاته تشدداً على تحريك مليشيات يديرها الحرس الثوري في بعض بلدان الجوار العربي، لإزعاج واشنطن أو حلفائها، وطبعاً من دون أن تضع "الجمهورية الإسلامية" يدها مباشرةً في ما قد يسمّى أعمالاً إرهابية.
لكن الواهمين بأنهم اشتروا الرئيس ترامب، وبأنه سيفعل بإيران ما لم يفعله الأوائل، ليريحهم من شرّها، لم يكفّوا، حتى مطلع الأسبوع الجاري، عن الحلم البائس بيومٍ تتهيّأ فيه الظروف أمام ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ليدخل طهران فاتحاً، على غرار ما فعل في الفيلم الكرتوني الخيالي الشهير الذي أنتجته "قوة الردع السعودية" قبل نحو عام، وأظهر قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، أسيراً يرتجف، وشعبه يحتفي باستقبال هؤلاء الذين جاءوا لتحريره من نظام الولي الفقيه.
ستتبدّد الأحلام، كالمعتاد، عند لحظة الحقيقة، وسيصحو العالم في اليوم الموعود على واقعٍ لا يبشّر بقرب وقوع الحرب المنتظرة؛ فالولايات المتحدة بدأت بالفعل تنفيذ عقوباتها، مع منح ثماني دول استثناءاتٍ تجيز لها استيراد النفط الإيراني مؤقتاً، بينما اختفت، في المقابل، لغة التهديد والوعيد التي طالما تعالت من طهران، لتحل محلها لغةٌ أخرى مختلفة، تطمئن الأمة، بلسان المرشد الأعلى، علي خامنئي، إلى أن ما يحدث قد أثبت فشل أميركا وهزيمتها.
لا أميركا جرّبت، والحال هذه، إيصال الصراع إلى الانفجار، ولا إيران وجدت حرجاً في لعق تهديداتها، بيد أنهما أقدمتا معاً على ما يكفي، لإبقاء جذوة التوتر على اشتعالها، وكل له حساباته: فالعقوبات بالنسبة لإدارة ترامب تحقّق هدف استئناف الضغط الاقتصادي، لإعاقة البرنامج النووي الإيراني الذي يقضّ مضاجع إسرائيل، وهي بالنسبة لنظام الولي الفقيه، يمكن تَحَمُل أعبائها، طالما أنها لا تستهدف، حتى الآن، مشروعها الآخر الذي لا يقل خطراً، أي توسيع هيمنته السياسية والعسكرية على بعض بلدان جواره العربي، تحت شعاراتٍ مذهبية، ولا تخفى فيها الأحلام الإمبراطورية الفارسية.
ماذا للعرب في هذه اللعبة، إذن، سوى أن بلادهم باتت إحدى ساحاتها تتساءل، وما من حاجةٍ بك إلى جواب، وأنت ترى يومياً ما ينفي احتمال وقوعهم بسذاجةٍ في خداع أنفسهم، ليرجح احتمال قبولهم عن طيب خاطر بأن يكونوا مجرّد أدواتٍ في خدمة عدوٍّ لحساب عدوٍّ آخر؛ إنهم الآن، أو بعضهم على الأقل، يتجاوزون فكرة التطبيع، ليقفزوا دفعةً واحدةً نحو التحالف مع إسرائيل، بذريعة مواجهة إيران، وما من أحدٍ فيهم يمكنه أن يفسّر لك مثلاً علاقة حروبهم المفترضة بانخراطهم المعلن في إنشاء خطٍّ للسكة الحديد، يصل تل أبيب بعواصم الخليج، غير أنك ستعثر ببساطةٍ على لب الحكاية، حين يتدخل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وجماعات الضغط اليهودية في أميركا، لإنقاذ محمد بن سلمان من الغرق في دماء جمال خاشقجي، باعتباره معقد رهانهم لتحقيق حلم ابتلاع المنطقة، إن ساعدوه على حلم الوصول إلى كرسي الحكم.
EA99C928-BF02-4C77-80D6-9BE56F332FDE
ماجد عبد الهادي

صحفي وكاتب فلسطيني