العرب والأشهر الحرم

27 يونيو 2017
لا تبدو الأزمة الخليجية في طريقها لحل سريع(العربي الجديد)
+ الخط -
حتى في تلك الفترة الموسومة بالجاهلية، كانت العرب تغمد السيوف وتنتهي عن الصراع والنزاع والهجاء احتراماً للأشهر الحرم، وخلال هذه الأشهر لم يكن عربي في مكة واليمن وشبه الجزيرة العربية ليجرأ على سل سيف أو رمي رمح أو مقاطعة قبيلة أو الإغارة على بئر أو مرعى والهجوم على قافلة تجارة. لكن عرب القرن الواحد والعشرين انتهوا من خصلة عرب الجاهلية في احترام الشهر الحرم، بل واختارته بعض دول الخليج شهراً لاستدعاء الأزمة والخصومة وقطع العلاقات والأرحام وتقطيع أوصال أمة عربية ممزقة أصلاً بالخلافات ومطحونة بالنزاعات والحروب.

وحتى في تلك الفترة الموسومة بالجاهلية، كان الشعراء الذين كانوا يمثّلون لسان القبيلة وضميرها المتكلم، ينتهون في الأشهر الحرم عن الهجاء والتحريض، ويلغون لفترة العصبية والتعصّب للقبيلة. لكن شعراء البلاط وعلماء السلاطين في دول عرب القرن الواحد والعشرين، اشتغلت ألسنتهم وفتاويهم في الشهر الحرم ورمضان للتحريض على شقيق عربي، وطوّعوا النص والمقدس لتفسير موقف مقاطعة دولة عربية، وانتصر الانتماء القُطري فيهم على انتماءات الأمة، وانكسر فيهم الرأي الحق وسطوة العلم والدين لصالح ضمير القصر ومتكلم السلطة.

وفي تلك الفترة التي سبقت الإسلام أيضاً، كان التسامح سائداً عند القبائل العربية، فلا تسل سيوفها على ضعيف، وكان كبار القوم يكظمون الغيظ والغضب كما يروي عمر بن كلثوم في قصائده. حتى طبع الغضب الذي يبدأ كبيراً ويذهب مع مرور الوقت إلى نهايته، تغيّر شكله ومساره عند عرب الراهن، إذ يبدأ كبيراً ويكبر أكثر مع مرور الوقت. فبعد شهر من بداية القطيعة بين قطر، ودول السعودية والإمارات والبحرين ودول تتبع المحور نفسه، كان من المؤمل أن تصل الأزمة الراهنة في الخليج العربي إلى نهايتها مع عيد الفطر، لكن الأزمة لا تبدو كذلك في شكلها ومسارها وتداعياتها أيضاً.

لم تعد مطالب وأمنيات قطاع واسع من العرب البسطاء في المجتمعات العربية والإسلامية، أن تحترم الدول العربية الأشهر الحرم (ذو القعدة، ذو الحجة، محرم، رجب) وقيم الدين الإسلامي حين يحث على قيم التكافل والتضامن في شهر رمضان، وصلة الرحم في أول شهر شوال، بل بات غاية المنى لبسطاء العرب، أن يتمثل ساسة دولهم وكبارها ببعض قيم قريش الخَيّرة في الجاهلية، وأن يَتَلبسوا بعضاً من شيم معاوية، وتعفّف عنترة بن شداد، وحلم عمر بن كلثوم.
المساهمون