استشهاد مصطفى أبو عرة.. قيادي حماس الذي قاوم الاحتلال "حتى آخر رمق"

26 يوليو 2024
الشيخ الشهيد مصطفى أبو عرة (إكس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **تدهور الحالة الصحية واستشهاد الشيخ مصطفى أبو عرة**: عانى الشيخ من أمراض مزمنة وتعرض للإهمال الطبي في السجون الإسرائيلية، مما أدى إلى استشهاده. العائلة لم تكن تعلم بتدهور حالته حتى تلقت اتصالاً من أسير مفرج عنه حديثاً.

- **تاريخ نضالي طويل ومعاناة مستمرة**: تعرض للاعتقال تسع مرات وأُبعد إلى لبنان عام 1992. استمر في العمل الدعوي والدفاع عن المقاومة، وأكد على ضرورة إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية.

- **مكانة مرموقة وشبكة علاقات واسعة**: وُصف بأنه "رجل المرحلة" بفضل تواضعه وعلاقاته الواسعة. كان من أبرز قياديي حماس في الضفة الغربية، وانتخب رئيساً لمجلس شورى الحركة في جنين ورئيساً لبلدية عقابا.

حتى أسبوع مضى، لم تكن عائلة القيادي في حركة حماس، الأسير الشيخ مصطفى أبو عرة (63 عاماً)، تعلم الكثير عن التدهور الكبير في وضعه الصحي، فهو يعاني قبل اعتقاله من أمراض عدة، وكان يخضع للعلاج ويتناول الدواء بانتظام، حتى جاءها اتصال هاتفي من أسير أفرج عنه حديثاً من سجن ريمون يبلغهم فيه بأن الشيخ نقل إلى أحد مستشفيات الاحتلال الإسرائيلي في حالة حرجة، ثم جاء الخبر اليقين والإعلان عن استشهاده فجر اليوم الجمعة، إثر الإهمال الطبي الذي تعرض له وتدهور حالته الصحية.

تقول زوجته نزهة أبو عرة، لـ"العربي الجديد": "قلب اتصال الأسير المفرج عنه حياتنا. استشعرنا لأول مرة بوجود خطورة على حياة الشيخ، تواصلنا مع هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية ونادي الأسير الفلسطيني، فكانت المعلومات عنه شحيحة، ذهب محام لزيارته في مستشفى الرملة فلم يجد له اسماً، حتى علمنا أنه في مستشفى (سوروكا)، ويعاني التهابات حادة في الدماغ".

لم تجد العائلة وسيلة لتفعيل ملف الشيخ الذي يقطن بلدة عَقّابَا إلى الشمال الغربي لمدينة طوباس شمال شرق الضفة الغربية المحتلة، إلا بإطلاق "مناشدات عاجلة" إلى الهيئات القانونية والحقوقية والصحية الخاصة بالأسرى الفلسطينيين وبحقوق الإنسان كلها، لمعرفة وضعه الصحي في سجون الاحتلال.

تضيف الزوجة المكلومة: "قبل اعتقاله في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2023، كان مقرراً له جولة علاجية لأمراض في الدم والجلد، إضافة لكونه يعاني أمراضاً مزمنة في القلب والغضروف وتضخماً في الطحال، وهذا جعله يتردد كثيراً على الأطباء والمستشفيات، لكنه عندما اعتقل تعرض كما الأسرى كافة لممارسات وانتهاكات فظيعة، منها الضرب والإهانة من دون الالتفات إلى سنه ومرضه".

وتقول زوجته: "كل هذا كان ضمن مشروع مخطط ومدروس من الاحتلال لاغتيال الشيخ، فلم نكن نعلم عنه شيئاً، سواء عن مكان احتجازه في أي سجن، أو عن وضعه الصحي لأكثر من شهرين بعد اعتقاله، وكانت كل المعلومات تصل إلينا من أسرى محررين رافقوه المعاناة والمكابدة، وكلهم كانوا يعلموننا أن وضعه الصحي في تراجع، وأن إدارة السجون لا تهتم له ولا لغيره".

ومع كل إعلان عن استشهاد أسير في السجون، كانت العائلة تعيش حالة نفسية صعبة، كما تؤكد زوجته أم عبادة، التي ارتبطت به قبل أكثر من أربعين عاماً وانجبت منه ثمانية من الأبناء (ستة ذكور وبنتان).

صدمة كبيرة باستشهاد رفيقه المقرب

يقول نجله الصحافي زيد أبو عرة لـ"العربي الجديد": "عاش والدي صدمة كبيرة يوم إعلان استشهاد رفيقه وصديقه المقرب الشيخ عمر دراغمة في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وخرج ليلتها رغم مرضه الشديد إلى بيته ووقف مع عائلته وتقدم المسيرة الضخمة التي خرجت تنديداً باستشهاده، لكن لم يمض إلا أسبوع واحد فقط، حتى جرى اعتقاله، واليوم يلاقي المصير ذاته".

تحاول عائلة الشيخ مصطفى أبو عرة أن تتماسك وهي تتلقى التعازي باستشهاده، بعد أن سرقت سجون الاحتلال منه سنين طويلة، إثر تسعة اعتقالات على مدار العقود الثلاثة الماضية، وفي إحداها جرى إبعاده إلى مرج الزهور في الجنوب اللبناني برفقة 415 من قيادات حركتي حماس والجهاد الاسلامي عام 1992. 

يقول زيد: "رحلة الاعتقالات بدأت عام 1990، ثم الإبعاد إلى مرج الزهور، وتتالت بعدها الأحداث، حيث اعتقل مرات عديدة، وللأسف اعتقل مرات عدة أيضاً في سجون السلطة الفلسطينية، آخرها في مثل هذه الأيام من العام الماضي، لدى جهاز الأمن الوقائي، ولم يفرج عنه إلا بعد نقله إلى المستشفى". ويتابع: "حورب والدي في رزقه وعمله وجرى التضييق عليه كثيراً، لكن ذلك كله لم يثنه عن العمل الدعوي وعن الجهر بآرائه الوحدوية ودفاعه عن نهج المقاومة وتمسكه به حتى مات على ما هو عليه".

موقف ثابت

وفي آخر مقابلة صحافية له قبل اعتقاله على يد الاحتلال، قال الراحل مصطفى أبو عرة: "إن القضية الفلسطينية تمر بحالة صعبة ومنعطف خطير، ولكن استناداً إلى التجارب التاريخية نجد أن هذه المرحلة قد تكون مقدمة لإرهاصات حالة تغيير مقبلة، خصوصاً أن الضغط يولد انفجاراً شعبياً".

أمَّا بخصوص اتفاق أوسلو، فيرى بأنه "ولد ميتاً، وهو ولم يعط للفلسطينيين أي شيء، وثبت فشله، لكن للأسف حتى الآن لا توجد جرأة من القيادة الفلسطينية لإعلان التخلي الفعلي عنه". ويعتقد مصطفى أبو عرة أن الانقسام كان محطة للفرز في مسيرة القضية الفلسطينية بين منهجين ومدرستين، الأولى تؤمن بالتفاوض، والثانية تؤمن بالمقاومة.

ويشير الراحل أبو عرة إلى أن "تاريخ فلسطين يؤكد أنَّه لم يكن التحرير والنصر ليأتيا من دون أن يكون هناك محطة للفرز. ورغم ما تبع هذا الفرز من مآسي وآلام، إلا أنها مرحلة مفيدة للقضية الفلسطينية، أما الشراكة السياسية في الساحة الفلسطينية فهي ضرورة، لكن الاحتلال نفسه لن يسمح بها، وكذلك بعض القوى العربية التي تريد للحالة الفلسطينية أن تبقى على ضعفها وانقسامها".

ويدعو الشيخ الراحل مصطفى أبو عرة إلى إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية ودخول القوى الإسلامية فيها لتصحيح مسارها، وحتى لا يبقى هناك تفرد بها. أمَّا المقاومة فهي برأيه "الدرع الحامي للقضية الفلسطينية بكل أشكالها وفي مقدمتها المقاومة المسلحة".

مصطفى أبو عرة.. "رجل المرحلة"

القيادي في حركة حماس نصوح الراميني يصف الشهيد أبو عرة بأنه كان "رجل المرحلة"، إذ "كنت تجده في الأوقات الحرجة يصدح بالحق في الوقت الذي يخاف فيه أو يخشى كثيرون فعل ذلك".

ويضيف الراميني لـ"العربي الجديد": "عرفته منذ طفولته، حيث كان أحد طلابي في المرحلة الابتدائية في مدرسة قريته عقابا، وكان ذكياً ولماحاً وكنت اتنبأ له بمستقبل واعد، وبالفعل مع الأيام تحول من طالب إلى رفيق في العمل الدعوي والحركي، بل فاق أستاذه في الهمة والنشاط". 

ووفق الراميني، فإن "الشهيد كان مشهوداً له منذ شبابه، ومنذ أول مرة صعد فيها إلى المنبر، بفصاحة لسانه وبخطابه الملتزم والوحدوي، حتى في أشد المراحل حلكة. فقد كان يؤمن بأن العدو الأوحد للشعب الفلسطيني هو الاحتلال الإسرائيلي، وأن ما يجمع الفلسطينيين أكبر بكثير مما يفرقهم".

ويرى الراميني أن السر في المكانة المرموقة التي وصل إليها الشهيد أبو عرة يكمن في تواضعه أولا وفي شبكة العلاقات الاجتماعية التي استطاع نسجها، ويقول: "له معارف ومحبون من أقصى الخليل جنوباً إلى أعلى نقطة في جنين شمالاً، وكذلك في قطاع غزّة، وعدد من الأقطار العربية، وخاصة من المشايخ وكبار الدعاة في الأردن، حيث درس مرحلته الجامعية هناك".

قيادي كبير 

وبرز اسم الشيخ مصطفى أبو عرة خلال العقدين الأخيرين بصفته أحد أبرز قياديي حركة حماس في الضفة الغربية المحتلة، وقد كان أحد الناطقين باسمها، خاصة في شمال الضفة الغربية، وكان من المتصدرين دوماً في جنازات الشهداء ومسيرات الأسرى.

وبدأ أبو عرة حياته متديناً، وانتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين أثناء دراسته الجامعية، وشارك في نشاطاتها الطلابية التوعوية والدعوية، وبعد عودته إلى فلسطين عام 1985 مارس العمل الدعوي والتربوي والاجتماعي مع الجماعة، وهذا ما جعله من أوائل المنتمين إلى حركة حماس فور تأسيسها، ليشارك في تأسيس فرعها في منطقته وبلدته عقابا تحديداً.

ونظراً لقربها من مدينة جنين، فقد كان حاضراً وبقوة في إعداد وتنفيذ العديد من فعالياتها هناك، وكان عضواً في لجنة طوارئ شكلتها الحركة لمتابعة العمل الدعوي والحركي فيها بين عامي (1996-1998)، كما أنَّه انخرط في العمل المؤسساتي؛ فكان رئيساً للجمعية العلمية الثقافية في عقابا في تسعينيات القرن الماضي، وعضواً في جمعية البر والإحسان في جنين ورئيساً لمكتبها بين عامي (2000-2007)، ومديراً لمكتب رابطة علماء فلسطين في محافظة جنين لعدة سنوات.

وانتخب أبو عرة رئيساً لمجلس شورى حركة حماس في محافظة جنين لدورتين متتابعتين (1998-2007)، كما انتخب عضواً في بلدية عقابا عن قائمة الإصلاح والتغيير المحسوبة على حركة حماس في انتخابات عام 2005، وأصبح رئيساً للبلدية عام 2007.

سيرة حافلة

والشهيد من مواليد 28 من إبريل/نيسان عام 1961، درس المرحلة الأساسية في مدرسة عقابا، والثانوية في مدرسة طوباس الثانوية، حيث حصل منها على الثانوية العامة في الفرع العلمي عام 1981، ونال درجة البكالوريوس في أصول الدين والدعوة من الجامعة الأردنية عام 1984.

عمل أبو عرة إماماً وخطيباً بحي المدينة الرياضية في عمان بين عامي (1982-1984)، وإماماً وخطيباً لمسجد تابع لـ"عرب الشبلي" في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1986، وإماماً وخطيباً في أحد مساجد جنين لسنوات، ثمَّ عُيِّن واعظاً وخطيباً في محافظة جنين بعقد من رابطة العالم الإسلامي بين عامي (1992-1996)، وانتقل بعدها للعمل مديراً لمكتب زكاة جنين، وكان مدرساً للتربية الإسلامية في وزارة التربية والتعليم، كما عمل مأذوناً شرعياً بين عامي (1999-2018).

عانى أبو عرة أثناء مسيرته النضالية؛ فقد منعه الاحتلال من السفر ومن دخول الأراضي المحتلة عام 1948 منذ الثمانينيات، واستدعته مخابراته عدة مرات، واغتالت شقيقه علان (من كوادر كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس) عام 1996 بالقرب من بلدة الجلمة شمال جنين شمالي الضفة الغربية.

وباستشهاد الأسير الشيخ أبو عرة، فإنّ عدد الأسرى والمعتقلين الذين استشهدوا بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي يرتفع إلى 19، وهم الشهداء الذين أعلن عن هوياتهم فقط، فيما يواصل الاحتلال إخفاء هويات العشرات من معتقلي غزّة الذين استشهدوا في سجونه ومعسكراته، ليشكل عدد شهداء الحركة الأسيرة المعلومة هوياتهم 256 منذ عام 1967، إلى جانب العشرات من الشهداء من معتقلي غزّة، ومن أُعدموا ميدانياً خلال حرب الإبادة، علماً أنه منذ حرب الإبادة سُجل أعلى عدد لشهداء الحركة الأسيرة تاريخياً منذ عام 1967، حسب التوثيقات المتوفرة لدى المؤسسات المعنية بحقوق الأسرى.

المساهمون