العرب بين القدس وأبو ديس

13 ديسمبر 2017
+ الخط -
ما الذي تراه في تداعيات خطوة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، فلسطينياً وعربياً؟.
"أنت تعرف أنني لم أكن يوماً في وارد الإيمان بنظرية المؤامرة، إلا أنني أشعر أن ثمّة مخاطر تحيط بفلسطين والمنطقة ككل، ثمّة خيوط تتشابك، لتلتقي في منعطف أقل ما يمكن أن أصفه بأنه قد يفضي إلى هاويةٍ لا قرار لها، وهذه الخيوط تستهدفنا جميعاً، نحن العرب، واللاعبون يستخدمون أكثر من ورقة، لكن أولوياتهم أصبحت واضحةً. وهكذا، وفي ضوء خلفيات هذه الخطوة، فإن ما أستشفه هو أكبر وأخطر من تداعياتها القريبة، الإسرائيليون أنفسهم غير مستعجلين على قطف ثمارها سريعاً، وأصدقاء أميركا من العرب، في المقابل، يتمنون لو أن ترامب أخّر خطوته إلى حين إنضاج وضع عربي يسمح بإطلاقها، من دون أن تسجل نقطة لصالح طهران، إلا أن ترامب أرادها، على ما يبدو، مكسباً شخصياً له، خصوصاً في ظل مواجهاته مع خصومه، والشروخ التي حصلت في إدارته، وقد أطلع بعض أصدقائه العرب على قراره، قبل إعلانه بأربع وعشرين ساعة، كما هو معروف، لفت انتباههم من أجل تفادي ردود الأفعال المحتملة عند شعوبهم واحتوائها، أكثر من ذلك ربما حصل منهم على ضوء أخضر، وهو ما ألمح إليه وزير الطاقة الإسرائيلي، يوفال شتاينتز، ولو وضعوا أمامه خطاً أحمر صارماً لما مضى في خطته.. ترامب أيضاً، وفي المقابل، طلب من أصدقائه الإسرائيليين عدم إظهار ابتهاجهم بخطوته على نحو قد يستفز العرب، وينعكس على ردود أفعال حكامهم الذين يخشون غضبة شعوبهم".
كيف تقرأ، إذن، المشهد الماثل؟
"ما يمكن الركون إليه في قراءة تداعيات خطوة ترامب هذه هو في نظرة الأطراف إليها، 
ترامب رأى فيها مقاربة جديدة، تعود إلى فرضيات دينية وتاريخية مزعومة، في حين أن أصدقاء أميركا من العرب يريدونها خطوةً في سياق صفقة سياسية يسمونها "صفقة القرن"، تعطي جزءاً صغيراً من الكعكة إلى الفلسطينيين، لضمان صمتهم، "كانتوناً" خرباً محاطاً بالأعداء من جهاته الأربع، تحت مسمى دولة أو شبه دولة، عاصمتها أبو ديس، القرية النائمة على خاصرة القدس، والتي عزلها الإسرائيليون بجدار إسمنتي من جهة ارتباطها بالمسجد الأقصى، وأنشأوا على مشارفها مستوطناتٍ تكبرها في المساحة. اللافت أن عاصمة خليجية عرضت الصفقة على محمود عباس نيابة عن واشنطن، طالبة منه أن ينسى القدس، قيل له إن أبو ديس ستكون عاصمتك، لكن يمكنك أن تسميها القدس أو ما تشاء!".
وما كان رد عباس؟
"للتاريخ، أنقل إليك ما عرفته من مصادري الخاصة أن عباس رفض العرض، وأنه خرج ممتعضاً.. لقد شعر أنه خذل. كان يعرف أن هناك صفقة أميركية- إسرائيلية مريبة، لكنه لم يكن يتوقع أن يعرضها عليه طرف عربي، وأن يطلب منه القبول بها!".
وما الذي على العرب أن يفعلوه الآن؟
"اسمع.. إذا كان التاريخ يتبخر من الذاكرة، كما يقول ميلان كونديرا فسوف أروي لك واقعةً حدثت في بداية عقد الثمانينات من القرن الراحل، وتبدو لنا اليوم كما لو مر عليها ألف عام، في حينها أعربت دول غربية عن نيتها نقل سفاراتها إلى القدس. عندها طار صدام حسين إلى الرياض، والتقى العاهل السعودي الملك خالد، وتباحثا في الأمر، وشقّ عليهما أن يحصل ما تريد تلك الدول فعله، وقرّرا قطع العلاقات الدبلوماسية مع أي دولة تنقل سفارتها إلى القدس، وإيقاف إمدادات النفط عنها، وقطع العلاقات التجارية معها، وسحب كل الودائع المالية من مصارفها.. هل تتذكّر ما الذي حدث بعد الإعلان؟. ثم هل تتذكّر القرار العربي بفرض حظرٍ نفطي على الدول الغربية المساندة لإسرائيل في سبعينيات القرن. وقبل ذلك الحظر النفطي على الغرب في أعقاب حرب حزيران عام 67؟".
هل تتوقع أن يعيد التاريخ نفسه؟.
"لا أظن"
إذن، هل يمكن أن نتوقع ما هو أدنى من ذلك، لنسمِّه أضعف الإيمان، كأن يقرّر العرب الانسحاب من اتفاقيتي أوسلو ووادي عربة، وتخفيض درجة التعامل الدبلوماسي مع الولايات المتحدة، واستدعاء السفراء العرب إلى بلدانهم وطرد سفراء الولايات المتحدة من العواصم العربية، وتقليص التعامل التجاري ومقاطعة المنتجات الأميركية؟.
"هذا أيضاً لن يحدث".
إذا كان هذا كله غير ممكن كيف ترى المستقبل؟
مرت لحظات صمت، قبل أن يقول: "نكمل حديثنا في وقت آخر". وأغلق الهاتف.
583FA63D-7FE6-4F72-ACDD-59AE85C682EB
عبد اللطيف السعدون

كاتب عراقي، ماجستير علاقات دولية من جامعة كالجري – كندا، شغل وظائف إعلامية ودبلوماسية. رأس تحرير مجلة "المثقف العربي" وعمل مدرسا في كلية الاعلام، وشارك في مؤتمرات عربية ودولية. صدر من ترجمته كتاب "مذكرات أمريكيتين في مضارب شمر"