في واحدة من أسرع معارك التحرير للمدن العراقية من تنظيم "داعش" أنهت القوات العراقية المشتركة مهمة بسط نفوذها على مدينة تلعفر بعد أسبوع واحد فقط من انطلاق الحملة العسكرية لتحرير المدينة، والتي أطلقت عليها بغداد اسم "قادمون يا تلعفر" بأقل الخسائر سواء في صفوف القوات المهاجمة أو المدنيين، وكذلك الخسائر المادية في المدينة من ناحية البنى التحتية والمنازل والمجمعات التجارية والصناعية، لتكون أول مدينة عراقية تحظى بأقل نسبة خسائر في العراق خلال عمليات التحرير بالعامين الماضيين.
في هذا السياق، أعلن رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي، أمس الأحد، تحرير ثلاثة أرباع بلدة تلعفر، مؤكداً أنّه "تمّ القضاء على جميع الشبهات". وأضاف خلال مؤتمر صحافي، عقده مع نظيره التشيكي، بوهوسلاف سوبوتكا، الذي يزور بغداد حالياً، أنّه "تم تحرير الغالبية العظمى من بلدة تلعفر، بمشاركة جميع القوات العسكرية والأمنية التي تعمل ضمن إطار الدولة"، مؤكداً "نجاح التنسيق بين مختلف صنوف القوات المشاركة في المعركة". وكشف عن "وجود برنامج مهم في محافظة نينوى لإعادة النازحين".
وتلعفر هي المدينة الـ23 التي يتم تحريرها من قبل القوات العراقية، المدعومة بقوات التحالف الدولي وفصائل مليشيات "الحشد الشعبي" وقوات العشائر العربية في العامين الماضيين، لتتقلص مساحة سيطرة تنظيم "داعش" إلى أقل من 3 في المائة فقط، تحديداً في الحويجة والقائم وعنة وراوة.
الحملة العسكرية التي أطلقتها الحكومة العراقية لتحرير مدينة تلعفر آخر مدن محافظة نينوى، لم تستغرق أكثر من ثمانية أيام، وحققت نجاحاً قياسياً على مستوى وقت المعركة والخسائر المتوقعة. إلا أن التقارير العسكرية العراقية تؤكد انسحاب مقاتلي تنظيم "داعش" من المدينة عبر أنفاق تحت الأرض ومن خلال طرق صحراوية أو عبر النازحين الفارين من مناطق القتال ومن ثم تفرّقهم وترك ما يقرب من 200 مقاتل، غالبيتهم من العرب والأجانب لكسب الوقت واستنزاف المهاجمين. ما يعيد إلى السطح مجدداً الخوف من الخطوة المقبلة لتنظيم "داعش" والمكان الذي انتقل إليه أفراده، إلا أنه بالوقت نفسه يبث التفاؤل في نفوس سكان المدن المتبقية تحت سيطرته بإمكانية تحرير مدنهم بخسائر أقل أسوة بما جرى في تلعفر.
ووفقاً لمسؤول عسكري عراقي فإن "الحملة العسكرية لتحرير تلعفر والتي جهّزت لها بغداد نحو 50 ألف جندي وعنصر قتالي غير نظامي (مليشيات الحشد والعشائر العربية والتركمانية العراقية) لم يشارك منهم أكثر من 9 آلاف جندي وعنصر مليشيا، لأن القتال جرى بشكل متفرق ولاقى مقاومة ضعيفة من قبل داعش، وكان الهدف منها هو المشاغلة وبالنهاية فجر أغلب من تمت محاصرته نفسه".
وأضاف المقدم أحمد عبد الستار الطائي من قيادة عمليات الجيش، أن "داعش ترك بضع عشرات من المقاتلين العرب والأجانب وجميعهم انتحاريون، فضلاً عن قيادات عراقية معروفة وصورهم موزعة في كل مناطق العراق، بينما غادر الباقون من المسلحين ويتراوح عددهم بين 1200 و1400 مقاتل".
وبيّن أن "وجهة فرار مقاتلي داعش غير معلومة، لكن بالتأكيد هذا يعد مؤشرا على تغيير داعش تكتيكه الحالي، بعد معركة الموصل، التي خسر فيها الآلاف من مقاتليه ودُمّرت المدينة، ولم يستطع البقاء فيها بعد تسعة أشهر قتال ونتوقع أن يكرر هذه الخطوة في مدن أخرى". وأثار انسحاب "داعش" من تلعفر وترك بضع عشرات من المقاتلين العرب، علامات استفهام حول مكان توجه أفراد التنظيم وكيفية خروجهم، وما إذا كانوا سيكررّون الأمر في الحويجة وبلدات أعالي الفرات الثلاث في الأنبار.
وقال رئيس لجنة الأمن والدفاع العراقية في البرلمان حاكم الزاملي لـ"العربي الجديد"، إن "الحرب المقبلة مع داعش ستكون استخبارية اكثر من كونها مواجهة مباشرة، فهو بدأ يتجنب المواجهة كما كان. ونتوقع أن يلجأ إلى الهجمات الإرهابية الخاطفة وعمليات استنزاف".
وأعلن قائد الحملة العسكرية العراقية لتحرير تلعفر، الفريق الركن عبد الأمير رشيد يار الله أمس الأحد، عن "الانتهاء من تحرير كافة أحياء مدينة تلعفر ورفع العلم العراقي فوق مبانيها"، مؤكداً "اندحار تنظيم داعش الإرهابي، فيما تنفذ القوات العراقية عمليات تمشيط وتطهير في المناطق المحررة".
وقال يار الله، في بيان صحافي، مقتضب إنّ "القوات العراقية حررت أحياء العسكري والصناعة والمعارض وبوابة تلعفر وقرية الرحمة وبذلك تكون قد تحررت كافة أحياء تلعفر". وأضاف أنه "لم يتبقّ من ساحة العمليات العسكرية سوى بلدة العياضية والقرى المحيطة بها، وتقوم حالياً قطعات من الفرقتين 15 و16 بالتقدم في اتجاهها". في هذه الأثناء، أفاد العقيد الركن مخلص حسين الأعرجي من قيادة عمليات الجيش "العربي الجديد"، بأن "المهمة أنجزت داخل المدينة، ولا خسائر كبيرة في صفوف قواتنا كما أنه لا خسائر كبيرة في صفوف المدنيين وكثير من الأحياء تم دخولها من غير قتال".
وأشار إلى أنه "تم اعتقال عدد من عناصر التنظيم قاموا بحلق لحاهم والخروج مع المدنيين على أنهم نازحون لوجود معلومات مسبقة عنهم". ولفت إلى "وجود مخاوف حقيقية من أن تسرب مقاتلي التنظيم يأتي ضمن خطة لتجمعهم مرة أخرى لمهاجمة بلدات جديدة محررة حديثاً، أو أنهم يعتمدون خطة وأسلوبا جديدا في عملياتهم الإرهابية بالعراق".
وكشف عن "قرب فتح خطوط مجانية للعراقيين عبر الهاتف تحفظ سرية هوية المتصل بهدف الإبلاغ عن أي معلومات يمتلكونها عن نشاطات التنظيم وأفراده، وتخصيص مكافآت مالية تصل إلى 100 ألف دولار لقاء تلك المعلومات".
وبلغت خسائر القوات العراقية المشتركة أقل من 250 قتيلاً وجريحاً بما فيها خسائر مليشيات "الحشد الشعبي" وفقاً لمصادر في وحدة الطبابة العسكرية العراقية بالجيش، في الوقت الذي بلغت خسائر المدنيين فيها نحو 400 قتيل وجريح. سقط معظمهم بسبب القصف الجوي والصاروخي، لا المواجهات المباشرة في أحياء المدينة.
وعلى مستوى الخسائر المادية، أفاد عضو مجلس مدينة تلعفر حكيم أوغلو "العربي الجديد"، بأن "الخسائر لا تتجاوز 20 في المائة في المدينة على مستوى البنى التحتية والأملاك العامة، ومثلها بالنسبة للمنازل وممتلكات المواطنين. فالمدينة تتعرض للقصف اليومي من قبل التحالف والطيران العراقي منذ احتلالها في يونيو/حزيران 2014، وهناك دمار واضح لكن مقارنة بباقي المدن فإن المدينة أفضل بكثير".
وحول عودة المدنيين قال محافظ نينوى نوفل العاكوب لـ"العربي الجديد"، إن هناك "برنامجاً وخطة عمل متكاملة لعودة سكان المدينة كما هو الحال لمدينة الموصل"، مبيّناً أن "سكان تلعفر يعودون إلى منازلهم بلا أي تغيير، ونترك ملف من تعاون مع داعش للقضاء ولا مجال لأي صفقات سياسية بالموضوع".