العراق يختتم حربه "الكلاسيكية" ضد "داعش": بداية معركة الاستخبارات

17 نوفمبر 2017
الجيش العراقي في معارك راوة (معاذ الدليمي/فرانس برس)
+ الخط -

طوت بغداد واحدة من أكثر صفحات عراق ما بعد الاحتلال الأميركي دموية بعد إعلانها تحرير آخر المدن التي يسيطر عليها تنظيم "داعش" بالعراق، بعد معارك طاحنة استمرت لأكثر من ثلاث سنوات شمال وغرب ووسط وشرق وفي أجزاء من جنوبي البلاد، راح ضحيتها أكثر من 200 ألف مدني بين قتيل وجريح، وتهجّر بسببها أكثر من ستة ملايين مدني، من بينهم نحو مليون ونصف المليون خارج العراق، وفقدان واختطاف الآلاف. كما تكبّدت الدولة العراقية بسببها خسائر بلغت نحو 100 مليار دولار، فضلاً عن حصول تغيير ديموغرافي مرعب ضرب مدناً وبلدات عراقية عدة.

فعلياً باتت المدن العراقية تحت سيطرة القوات العراقية بشكل كامل، إذ تم تحرير 86 مدينة و156 ناحية وأكثر من 4600 قرية وقصبة، موزّعة على محافظات بغداد والأنبار ونينوى وديالى وصلاح الدين وبابل وكركوك، شمال وغرب وشرق ووسط العراق وجنوبه، على مدى 43 شهراً من القتال. وبلغ مجموع ما تمّ تحريره نحو 211 ألف كيلومتر مربّع، أي نحو 49 في المائة من مساحة العراق، بدعم دولي وغربي واسع.
في هذا السياق، أفاد بيان للسلطات العسكرية العراقية بأنه "تمّ تحرير مدينة راوة بشكل كامل من سيطرة تنظيم داعش، ورفع العلم العراقي فوق مباني المدينة بما فيها المجمع الحكومي للمدينة". واستغرق تحرير آخر معاقل تنظيم "داعش" بالعراق نحو أسبوعين من الحصار المطبق، قبل اقتحام المدينة، فجر الجمعة، وخوض معارك متقطعة مع أعداد قليلة من عناصر التنظيم انتهت بمقتلهم والسيطرة على جميع أجزاء المدينة بما فيها جانبي نهر الفرات.

وكشفت مصادر عسكرية في المدينة أن "عناصر داعش من الجنسية العراقية، تمكنوا من التسلل من المدينة وتركوا خلفهم الأجانب والعرب الذين قاتلوا حتى النهاية، وفجّر بعضهم نفسه، والآخرون تمّ قتلهم خلال الاشتباكات التي تحولت لحرب شوارع في الساعات قبل الأخيرة لتحرير المدينة، الواقعة على بعد نحو 200 كيلومتر غرب الرمادي، عاصمة محافظة الأنبار، غربي العراق".

واعتبر وزير الداخلية العراقي قاسم الأعرجي، في بيان مقتضب أمس الجمعة، أن "تنظيم داعش انتهى عسكرياً في العراق بعد تحرير راوة بمحافظة الأنبار". وأكدت خلية الإعلام الحربي في بيان مماثل، تحرير المدينة، مؤكدة أن "الجهة المقبلة هي الحدود السورية العراقية للسيطرة عليها بالكامل".

بدوره، أفاد رئيس لجنة الأمن والدفاع العراقية في البرلمان، حاكم الزاملي، لـ"العربي الجديد"، بأن "يوم الجمعة سجّل نهاية تنظيم داعش كهيكل موجود بالعراق ويسيطر على مدن داخله. وحالياً نعتبر أن الخطوة المقبلة هي تنظيف خلاياه وعناصره التي تبعثرت بعد فرارها من المدن. وهذا يحتاج إلى عمل استخباري وتعقب وتعاون من قبل السكان قبل كل شيء مع قوات الأمن". وبيّن أن "القوات العراقية ستتجه إلى الصحراء والوديان الآن لملاحقته وتعقب آثاره".



من جهته، أوضح مسؤول العمليات اللوجستية في قاطع عمليات الأنبار، العقيد الركن محمد المشهداني، لـ"العربي الجديد"، أن "المعركة فعلياً انتهت مع داعش. وحالياً يأتي دور الجهد الاستخباري الذي نعتبره لا يقل خطراً عن المرحلة التي انقضت اليوم". وأضاف أنه "أمامنا عملية كبرى باقية في الصحراء لنقوم بمسحها وتفتيش الوديان والهضاب والمناطق الوعرة فيها وصولاً إلى الحدود مع سورية لإغلاقها، والتحالف الدولي سيوفر طائرات مراقبة ورصد مع الجيش العراقي فضلاً عن المقاتلات الحربية".

وأسفرت المعارك الأخيرة للقوات العراقية والتحالف الدولي في راوة، عن مقتل نحو 100 مدني وجرح عشرات آخرين، وفقاً لمصادر محلية وطبية عراقية، أكدت أن غالبيتهم قضوا بالقصف الجوي الذي طاول المدينة، وليس بالمعارك. إلا أن المدينة فقدت من سكانها أضعاف هذا العدد على امتداد احتلال التنظيم لها بفعل القصف المتكرر الجوي والصاروخي.

في هذا الصدد، أكد عضو اللجنة الأمنية في مجلس محافظة الأنبار، راجع بركات، أمس، أن "عناصر داعش تركوا مواقعهم في راوة، وفرّوا إلى جهة مجهولة"، مبيناً خلال تصريح صحافي، أن "مقاومة التنظيم في البلدة كانت ضعيفة".

ومع تحرير آخر المدن العراقية، كشف مسؤول عراقي عن أن "العدد المتوقع لعناصر داعش الذين نجحوا في الإفلات من المدن المحررة بالأنبار والموصل وغيرها بضعة آلاف، ذاب معظمهم داخل المدن المحررة أو بين السكان النازحين بالخيام. وتوجّه آخرون إلى الصحراء والمناطق النائية، ضمن ما قد تكون خطة للتنظيم لإدارة مرحلة جديدة من العنف والإرهاب بعد انكساره وخسارته المدن التي يسيطر عليها".
وقال مسؤول في ديوان بمديرية شؤون الاستخبارات العسكرية بوزارة الدفاع لـ"العربي الجديد"، إن "هناك ما لا يقل عن 4 آلاف إرهابي بالعراق من عناصر داعش أحرار، ولم يتم قتلهم أو اعتقالهم، واتخذوا أشكالاً جديدة وصفات مختلفة وبعضهم يختبئ بمناطق آمنة".

ولفت إلى أن "الخطة الاستخبارية التي جرى إعدادها للتعامل مع مرحلة فلول داعش، تعتمد بالدرجة الأولى على المواطنين المحليين في تزويدهم للأمن بالمعلومات عنهم، كون أغلبهم معروف لهم، لذا سيتم إطلاق مكافآت مالية وامتيازات لقاء هذه المعلومات قريباً". وأشار المسؤول إلى أن "معركة إغلاق الحدود مع سورية قد تستغرق بين 10 إلى 20 أسبوعاً، ومثلها فترة لبناء أبراج المراقبة وترسيم الحدود مجدداً، بعد أن تم محو غالبيتها من قبل داعش".