وأثارت حادثة إطلاق النار بين النائب كاظم الصيادي عن كتلة نائب رئيس الجمهورية العراقي، نوري المالكي، وشريكه بليغ أبو كلل، المتحدث باسم "كتلة المواطن" بزعامة وريث أسرة الحكيم، مؤسس التحالف الأول، عمار الحكيم، قبل أيام، تساؤلات عدة عن هذا التحالف وإمكانية استمراره بعد بدء الخلافات والشتائم لتنتقل إلى اللكمات الحرّة داخل البرلمان، وتنتهي بإطلاق النار داخل استديو محطة فضائية عراقية تبثّ من بغداد، ما استدعى تدخُّل السفير الإيراني في بغداد، حسن دنائي فر، لحلّ الإشكال وإجبار الشركاء الأعداء على الجلوس للتفاهم والصلح بعدما لوّحت عشيرتَا أبو كلل وعشيرة الصيادي بما وصفوه، "حِرابة عشائرية لا تبقي ولا تَذَر".
ويمثّل تدخُّل السفير الإيراني ومن قبله العشائر، مدى عجز قادة "التحالف الوطني" على حلّ تلك المشاكل الكبيرة التي يلقي أغلب القادة فيها اللوم على المالكي وكتلته والذي وصفه أحد أعضاء التحالف البارزين بـ"جرثومة التحالف". وفشل السفير الإيراني، الخميس الماضي، في عقد اللقاء الأوّل بين القادة الخمسة للكتلة المنضوية تحت "التحالف الوطني" بحجة انشغالهم بمراسم أربعينية الإمام الحسين، إلّا أنّ معلومات خاصة تؤكّد لـ"العربي الجديد"، أنّ أياً من زعماء التحالف لم يغادر بغداد باستثناء المالكي الموجود حالياً في إيران، وفقاً لبيان رسمي صدر عن مكتب الأخير، الجمعة الماضي.
مشهد إطلاق النار يشكل محطة مفصلية في شكل الحوار بين أطراف التحالف الواحد، وهو صار حواراً حربياً، يتوقع كثيرون أن فصوله ستطول نظراً لحجم الخلافات التي بات يصعب حلها بالكلام أو حتى بالاشتباك بالأيدي.
يتألف "التحالف الوطني"، الذي أُسّس بفتوى من المرجع الديني العراقي، علي السيستاني، من خمس كتل رئيسية، هي: "المواطن" بزعامة عمار الحكيم، و"الأحرار" بزعامة مقتدى الصدر، و"دولة القانون" بزعامة المالكي، و"الفضيلة" بزعامة رجل الدين محمد اليعقوبي، و"الإصلاح" بزعامة إبراهيم الجعفري، فضلاً عن أحزاب شيعية صغيرة يتزعمها حسين الشهرستاني، وموفّق الربيعي، وهادي العامري، وآخرون.
وتتركز أبرز الخلافات الحالية بين كتل "التحالف الوطني" على الانشقاق الديني في الولاء للمرجعية، إذ خرجت كتلتَا "بدر" و"دولة القانون" من المدرسة النجفيّة الدينية بزعامة السيستاني لتدخل في كنف ورعاية مرجعية المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي. كما انتقلت كتلة "الفضيلة" إلى تقليد المرجع الشيعي العراقي، محمد اليعقوبي، من مدينة قم الإيرانية، بينما ظلّت الكتل الأخرى مقسّمة بين مرجعيتَي الصدر والسيستاني.
سياسياً، تكمن أبرز الخلافات في توزيع المناصب السيادية بين الكتل واستئثار حزب "الدعوة" بمنصب رئيس الوزراء، وكتلة الحكيم بمنصب وزارة النفط، وكتلة الصدر بالمناصب الخدماتية. وظهرت إلى العلن، أخيراً، خلافات التدخل الأميركي وإصرار رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، على توسيعه مقابل رفضه التدخل الروسي وأوراق الإصلاح السياسي التي اتُّهم فيها العبادي بأنّه يُجامل الأكراد والسنّة والمسيحيين على حساب مصلحة الطائفة الشيعية وأحقيّتها بالحكم، بحسب نسبة السكان المُقَرّة دستورياً، إضافة إلى خلافات داخلية أخرى لا تُعدّ.
يقول عضو في "التحالف الوطني" لـ"العربي الجديد"، إنّ "قيادات كتلة المواطن التي يتزعمها عمار الحكيم لوّحت بالانسحاب من التحالف، إذا لم تتم معاقبة الصيادي الذي أطلق النار على أبو كلل وحاول قتله"، مؤكداً أنهم طلبوا من كتلة دولة القانون، بزعامة المالكي، تأييد الدعوى القضائية التي أقامها المتحدث باسم ائتلاف المواطن ودعم الجهود لرفع الحصانة عن الصيادي، "تمهيداً لمحاكمته بتهمة الشروع بالقتل".
اقرأ أيضاً: موازنة غير مسبوقة لـ"الحشد" تؤجج الأزمة السياسية في العراق
ويشير عضو "التحالف الوطني" إلى إجراء السفارة الإيرانية في العراق اتصالات مكثّفة مع مختلف أقطاب "التحالف" لاحتواء الانشقاق الذي سبّبته الحادثة، مبيّناً أنّ مسؤولي السفارة الإيرانية أبلغوا الأطراف المتصارعة أنّ خلافاتهم ستقوّي معارضيهم من السنّة والأكراد وتضعف موقف القوات العراقية ومليشيا "الحشد الشعبي" التي تقاتل تنظيم "الدولة الإسلامية (داعش)، وطالبوا الأطراف التي افتعلت الحادثة بالاعتذار الفوري قبل وصول المسألة إلى القضاء.
وقد يؤدي إطلاق النار بشكل مباشر باتجاه أبو كلل، إلى رفع الحصانة عن الصيادي، بحسب الخبير القانوني باسم الكناني، الذي يؤكد لـ"العربي الجديد"، أن القوانين العراقية تمنح أعضاء البرلمان حصانة كاملة تحميهم من التهم القضائية والجنائية، إلّا في حالة ارتكاب أحدهم جرماً مشهوداً، حينها تُرفع الحصانة عنه بعد الاستماع لإفادات الشهود، كما حدث مع عضو البرلمان العراقي السابق، أحمد العلواني، الذي رُفعت عنه الحصانة بعد اتهامه بقتل أحد الجنود.
ويضيف الكناني أنّه "إذا صحّت روايات الشروع بقتل أبو كلل ومحاولة اختطافه، فإنّ العقوبة بحق الصيادي ستكون مشدّدة بعد رفع الحصانة عنه"، مستبعداً أن يتم التوافق حول الحادثة وحلّها بشكل سلمي بسبب النتائج السلبية الكبيرة التي خلّفتها وتبعاتها القانونية والقبلية.
ويتهم عضو "التحالف الوطني" عن التيار الصدري، حسين البصري، المالكي وكتلته الذين وصفهم بـ"جرثومة التحالف"، بالتسبب بالخلافات الحالية. ويقول البصري لـ"العربي الجديد"، إنّ "الخلافات الحالية (داخل التحالف)، في حال استمرت لأشهر قليلة، فإنّ التفكك هو مصيره، وخصوصاً أن كل كتلة لديها مليشيا مسلّحة تستقوي بها". ويوضح البصري أنّ "الخلافات توسّعت بشكل كبير، ولم يعد ينفع التكتم عنها أو المجاملة. الشارع الشيعي بات يكرهنا أكثر من أي وقت مضى، وهذه حقيقة يجب الاعتراف بها، وخصوصاً أنّ الشعب طالب في التظاهرات الأخيرة، بتغيير مفوضية الانتخابات كونها خاضعة لإملاءات وأهواء الكتل السياسية".
ويتوقّع المحلل السياسي، أركان الشيخلي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تؤثر خلافات "التحالف الوطني" على الجهود التي يبذلها العبادي للمصالحة مع المعارضين السنّة، مؤكداً أنّ حادثة إطلاق النار ستضعف ثقة القيادات السنيّة والمعارضة بالتحالف العاجز عن حلّ خلافاته الداخلية. ويشير الشيخلي إلى وجود أطراف داخل "التحالف الوطني"، تحاول إثارة المشاكل بشكل متكرر لتحقيق مكاسب سياسية، مرجّحاً ازدياد حدّة الخلافات مع حلول العام المقبل واقتراب موعد انتخابات مجالس المحافظات.
ويتهم عضو "ائتلاف المواطن"، محمد المياحي، الصيادي بمحاولة اغتيال واختطاف أبو كلل إلى جهة مجهولة خلال حضور الجانبين لقاءات تلفزيونية، موضحاً في بيان له، أنّ هذا الاعتداء لا يقلّ عن الأعمال الإرهابية. وأعلنت الشرطة العراقية في بغداد، أن إطلاق نار وقع داخل قناة "دجلة" الفضائية وسط بغداد، بين الصيادي وأبو كلل، ما أدى إلى خسائر مادية من دون إصابات.
ويروي أحد موظفي قناة دجلة، لـ"العربي الجديد"، تفاصيل الحادثة، مبيّناً أن الصيادي كان في استديو القناة الواقع في الطابق الثاني، وأبو كلل في الطابق الأول. وعند انتهاء البرنامج، وأثناء مغادرة الأوّل، حدثت مشادة كلامية مع أبو كلل، تطوّرت إلى تبادل الاتهامات والشتائم، أخرج على أثرها الصيادي سلاحه الشخصي وأطلق النار باتجاه الثاني الذي أُدخل إلى الاستديو من قبل موظفي وحماية القناة"، مشيراً إلى أنّ تدخُّل حماية قناة دجلة وموظفيها وتشكيلهم درعاً للثاني، منع الصيادي من الاعتداء عليه وإقناعه بالمغادرة، لتدارك الموقف.
وينتمي الصيادي لكتلة "دولة القانون" المؤيدة للمالكي، وغالباً ما يتهجّم على كتلة "المواطن" البرلمانية، بسبب تأييدها للعبادي، فيما وضع أبو كلل مسؤولية ما يجري في العراق، في مقابلته التلفزيونية، على المالكي، الذي يتّهمه بالتفرّد والدكتاتورية.
اقرأ أيضاً: 3 زيارات إيرانية للمالكي بـ18 يوماً تُقلق العبادي وواشنطن