العراق: المناهج في زمن الـ PDF

09 نوفمبر 2016
(في بغداد، تصوير: أكرم صالح)
+ الخط -

في مدارس الدول المتقدمة استغنى الطلبة عن الكتب الورقية والشكل النمطي للحقيبة الثقيلة، وأصبحت المناهج تقرأ على أجهزة لوحية توزع للطلبة كل عام، مُحمّلةً بكل ما يحتاجه الطالب على ذاكرتها.

لكن في العراق الأمر مختلف بعض الشيء، المناهج رفعت بنسخ إلكترونية على موقع الوزارة بلا أجهزة لوحية، بل لكي يستنسخها الطلبة في المكتبات، لعدم توفر الكتب المنهجية؛ الأمر الذي أثار غضب أهالي الطلبة، لتحملهم كلفة إضافية تثقل كاهلهم في ظل الوضع الاقتصادي المتأزم.

ريام عيسى، طالبة في التاسع من مدينة تكريت المحررة أخيراً من سيطرة "داعش"، تقول في حديث إلى "جيل": "نحن نتقاسم كلفة الاستنساخ مع المدرسة".

وتضيف: "بعض المناهج متوفرة بعدد أقل من الحاجة، أما كتاب اللغة الإنكليزية غير متوفر تمامًا، فاضطررنا إلى استنساخ كتاب المنهج على نفقتنا، بينما تم استنساخ كتاب التمارين على نفقة المدرسة". تتابع: "إحدى المدرّسات سألت المشرف عن موعد تسليم الكتب، فأخبرها أنه سيتأخر كثيرًا، لذا علينا التصرف لأجل السير في المنهج".

وعزا وزير التربية محمد إقبال ذلك النقص بالكتب المنهجية إلى الأزمة الاقتصادية التي تعصف في البلاد، قائلاً في تصريح له إن "وزارة التربية والتعليم العالي يخصص لها اليوم 7% من موازنة البلد، وهذا أمر لن يحقق إنجازًا".


وزير الـ pdf
أمّا على مواقع التواصل الاجتماعي، فأطلق ناشطون على وسائل وسم "وزير الـ pdf"، نسبة إلى توزيع المناهج على شكل كتب إلكترونية من نوع pdf، ودعوا إلى تظاهرة خرجت يوم أمس للاحتجاج على غياب المناهج الدراسية.

في حديثٍ مع منسق اللجنة التحشيدية للتظاهرة، علاء ستار، قال حول استدعاء الوزير إلى البرلمان: "مسؤولية المشكلة لا تنحصر في البرلمان إطلاقًا، ولا تحل بسؤال الوزير، الوزير يقول إن قلة التخصيصات هي السبب في نقص المناهج، واليوم طالب بتخصيص عشرة مليارات لهذا الغرض، نحن نطالبه بالاستقالة إذا لم يستطع إدارة الوزارة".

ووصف ستار البرلمان بالـ "بائس"، مضيفًا أن "أقصى ما سيفعله استجواب الوزير ولربما إقالته، نحن نطالب بتوفير مناهج دراسية للطلاب قبل أن يتحول الأمر إلى صراع سياسي كما هو متوقع".


مشكلة قديمة
يعتقد الفنان التشكيلي والمدرّس جابر حجاب أن هذه المشكلة قديمة. ويروي قصة حدثت معه قبل: "كانت عندنا أزمة في توفر كتاب التاريخ للسادس الأدبي الذي تم تبديله ولم يتوفر إلا بعد نصف السنة، إذ يقول طالب اشترى مجموعة من النسخ له وللطلاب بسعر 15 ألفاً للكتاب الواحد (قرابة 12 دولارًا)، حيث وضّح له البائع أنه مستعد أن يوفر له كل الكمية التي تحتاجها المدرسة! إذن ما هي إمكانية هذا البائع ومن أين يستطيع الحصول على هذه الكتب؟".

يشدد حجاب على وجود "فساد عند أصحاب المخازن، حتى وإن كانت الكميات المطبوعة قليلة، بإمكانهم أن يزودوا الباعة بكميات مناسبة".

ويشير إلى عدم تمكّن جميع الأسر من شراء الكتب من السوق: "بعضهم استنسخ الكتاب وبعضهم استطاع شراءه، يوم أمس شاهدت عند أحد طلاب الصف السادس كتابين جديدين، سألته عنهما وعن المصدر، قال: اشتريت الواحدة بخمسة وعشرين ألف دينار (قرابة 20 دولارًا). تخيل أن هذا المبلغ يستقطع من دخل العائلة، وأعرف العديد من الطلاب لا يستطيعون استنساخ كتاب واحد".

وختم جابر حديثه بوصف تبعات هذه المشكلة: "هذا التأخر في توزيع الكتب أدى إلى التأخير في إتمام المادة، لكن لتجاوز هذه الأزمة وعدم التأخير، قام العديد من المدرسين بإملاء وتلقين المنهج، أو تحديد المهم منه للطلاب بدفتر خاص للمادة، ما أثّر سلبًا على الجدول الزمني الخاص بالمحاضرات وعلى جودة المحاضرة".

همسة مهدي، أم لطالبة في الصف الثالث الابتدائي، تقول: "ابنتي في مدرسة أهلية، ولديها نقص في مادتي الإسلامية والقراءة (الإملاء)، سألت إدارة مدرستها عن موعد التسليم قالوا إن كتاب القراءة سيتم تسليمه بعد الانتهاء من توزيع الكتب إلى المدارس الحكومية، لكن التربية الإسلامية سيتأخر بسبب تغيير المنهج".

وبينت مهدي أن المعلمات يواصلن السير بالمنهج رغم انعدام الكتب، ما دفعها إلى استنساخ الكتاب على نفقتها الخاصة بكلفة 12 ألف دينار (10 دولارات).

واستجابة للغضب الشعبي، عبرت لجنة التربية والتعليم في البرلمان العراقي عن رغبتها في استجواب وزير التربية محمد إقبال عن خروقات وتجاوزات مالية في طبع المناهج الدراسية، قائلة إنها "قدمت مجموعة ملفات إلى رئاسة البرلمان خلال جلسة أول أمس، الإثنين؛ مرفقة بطلب استجواب وزير التربية حسب السياقات القانونية والدستورية".

المساهمون