تلاقي حملة رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، لتطهير المؤسّسة الأمنيّة والتي بدأها بوزارة الدفاع، ترحيباً في الشارع العراقي الذي يدرك مدى فساد هذه المؤسسّة، وأثره السلبي على الواقع الأمني العراقي. ويبدو أنّ حملة العبادي المرتقبة على وزارة الداخلية، والتي "يُحذّر" منها، تقابلها إيران بالرفض، الأمر الذي قد يعرقل خطوات العبادي، علماً أنّ اتهامات تُوجّه لإيران ببناء هذه الوزارة بعد عام 2003.
ويقول مصدر سياسي مطلع لـ"العربي الجديد"، إنّ "السفير الإيراني في بغداد، حسن دانائي فر، أبلغ العبادي رسالةً بالتريّث في إجراء تعديلات وتغييرات في وزارة الداخليّة". مبيّناً أنّ "السبب هو أنّ إيران قد بنت هذه الوزارة بيدها بعد عام 2003، وأنّه من غير الممكن أن يُهدم بناؤها من دون أن تتدخّل". ويشير إلى أنّ "طهران تسعى إلى تغيير عملائها في الوزارة بدل عملائها القدامى، لتحافظ على قوّتها وأجندتها في العراق". موضحاً أنّ "إيران بدأت في تشكيل لوبي جديد في العراق، وسيكون له فرع أساسي في وزارة الداخليّة، لذا طالبت العبادي بالتريث في إجراءاته".
وكان مصدر في التحالف الوطني العراقي قد كشف لـ"العربي الجديد"، في وقت سابق، أنّ "إيران وجّهت دعوات إلى شخصيات عراقية من خارج التحالف الوطني من التيارات الإسلامية والليبرالية المستقلة، في مسعى منها إلى تشكيل لوبي جديد داخل العراق".
ويقول المصدر، إنّ "وزير الداخلية العراقي الحالي، محمد سالم الغبان، مرتبط بإيران بشكل كبير، وتتمّ تحرّكاته وتحرّكات مليشياته (بدر)، وفقاً لرؤية إيرانيّة لا يستطيع أن يحيد عنها، وهذا الأمر سيسهّل على إيران خطواتها". ويشير إلى أنّ العبادي لم يرد على الطلب الإيراني حتى الآن، لكنّه سيدرسه بالتأكيد، لأنّه لا يستطيع إغفاله، وخصوصاً أنّه متخوف أساساً من تداعيات تطهير الوزارة".
ويعرب المحلل السياسي، محمد عبد الخالق، عن اعتقاده بأنّ "العبادي لا يستطيع أن يتجاهل طلب إيران، ولن يستطيع أنّ يتمرد عليها"، موضحاً لـ"العربي الجديد"، أنّ "الارتباطات العراقيّة ــ الإيرانيّة، وسيطرة إيران على أغلب المفاصل الحيويّة في العراق ليست سهلة. ويذهب إلى حدّ القول، إنّ "أي شخص يحكم العراق في هذه الفترة، مجبر على طاعة إيران، لأنّها ما زالت اللاعب الأقوى على الساحة العراقية".
ويتوقّع عبد الخالق أنّه "بما أنّ الولايات المتحدة لديها أجندتها الخاصة في العراق، وهي تساند العبادي، فإنّه سيفاوض إيران على مطالبها وعلى الأشخاص الذين تريد زرعهم في وزارة الداخلية، وبالنتيجة سيجري تغييراً في الوزارة، لكنّه لن يكون في المستوى المطلوب، لا سيّما وأنّ تطهير الوزارة يحتاج إلى سنين طويلة".
وكان العبادي اتخذ قراره بتطهير الداخلية من العناصر كافة "المشبوهة والفاسدة" وتلك التي "تدين بالولاء" لسلفه رئيس الحكومة الأسبق، نوري المالكي. ومن المتوقّع أن تشمل التغييرات المرتقبة وكلاء الوزارة والمستشارين على أن تحصل على مراحل عدة، "حرصاً من العبادي على عدم إثارة ضجة وتأليب المُقالين من وزارتي الداخلية والدفاع ضده، بدعم من المالكي"، وفق مصادر "العربي الجديد"، التي تؤكّد أنّ "حملة العبادي ستشمل جهاز الاستخبارات الوطني، ووكالة الاستخبارات الاتحادية".
وتُعدّ وزارة الداخليّة، المرتبطة بإيران، من أكثر المؤسسّات العراقيّة تعقيداً، لما تحويه من دهاليز ومافيات وملفات سريّة خطيرة قد تكشف تورّط شخصيات كبيرة في ملفات فساد، وتمويل المليشيات التي ظلّت مرتبطة بوزارة الداخلية طيلة الفترة الماضية، عدا عن ملفات خطيرة تتعلق بمؤامرات وقتل على الهويّة والتعذيب، ما يعني أن قرار تطهيرها لن يكون بالسهولة المتوقّعة.
يُذكر أن وزارة الداخلية، بقيت، خلال الدورة البرلمانيّة الأخيرة، تُدار بالوكالة من المالكي، ويُشرف عليها المقرّب منه، وكيلها الأقدم، عدنان الأسدي، وأصبحت في فترة قصيرة محل خوف وعدم ثقة لدى الكثير من العراقيين، وهي التي منحت غطاءً رسميّاً للمليشيات التي ارتبطت بها، وتولّى أشخاص من داخلها عملية تنظيم هذه المليشيات وتحريكها وتمويلها.