العبث لن يستمر يا صديقي

13 يونيو 2014
+ الخط -
تَذكُر يا صديقي، حين كنا نَرْقُبُ المباراةَ من المدرج، لم يكن جُلُّ حديثنا عن اللاعبين ومهاراتهم، بقدْر ما كان عن أداء الحكم وقراراته. كان تصورنا مبنيًّا على أنه يقف بين اللاعبين ونحن من أعلى نراقب، بين النظرتين فروق، لعلنا إن تقابلنا معه وتبادلنا وجهات النظر؛ لن يعتب أحد منا على الآخر. كنا أحيانًا ندرك هوى بعض الحكام لفريق دون آخر، قد يتغاضى عن مخالفة أو يبالغ قليلاً في احتسابها، حسب الهوى، لكنه في النهاية يكون منضبطاً بالشكل والصورة والأمور البينة، إنها السُّمْعَة يا صديقي، شرف الرجال.
تصور يا صديقي، الآن تغير كل شيء، الحكام الآن يخطئون في البديهيات، عفواً إنهم لا يخطئون بل يتعمَّدون، الحكَم الآن يأتي أحيانا قبل موعد المباراة وحضور المتنافسين، وينزل أرض الملعب، يقف في منتصفه، ينظر يمنة ويسرة على بعض الجماهير التي تنتظر الموعد المعلن، ويطلق صفيره، ثم ينظر جهة الإعلاميين الذين يستظلون بظل المقصورة، ويقرر احتساب النتيجة وفق قرار الراعي.
في أحيان أخرى، يوكل اتحاد الكرة لبعض الحكام تنظيم لقاءات متنافسين كثيرين، في حين يوكل آخرين عددًا أقل، كان عجيبا هذا القرار، لكنا بعد فترة تبينَّا أن من يحصل على متنافسين كثر تنتهي لقاءاتهم سريعًا، أحدهم التقى بأكثر من خمسمائة دفعة واحدة، وفي أثناء الإحماء أطلق صافرة النهاية، وأعلن هبوطهم جميعًا لدوري المظاليم. بعدها، التقى بنحو سبعمائة، لكنه كان أكثر كرماً معهم؛ إذ بعد الإحماء، وحين كانوا يغيرون ملابسهم لبدء المباراة، قرر هبوطهم أيضًا. يقول بعض رواة الحي إن الراعي الرسمي للفرق والمباريات، قرر أن يقلص الإنفاق على المباريات والحكام، وينفقها على النتائج وتحليلها، تخيل.
تسأل عن "القانون" في بلادنا، يا صديقي أنت شخص نقيٌّ حقا، هل نسيت أن من يملك القانون في أوطاننا يملك حق عزفه، حين كنا نذهب إلى الملاعب، ونستمع إلى المعلقين خلف الشاشات وعبر المذياع، كنا نعتقد أن هذا القانون مشترك بيننا جميعًا، وكنا نظن أننا نملكه جميعا أيضًا. صحيح أن القانون لم يتغير، فهو نافذ بيني وبينك، حين نلتقي بعد شهور، ونلعب أسفل المنزل، لا تضحك، أعرف أنك كنت تعتقد أننا لا نلتزم به، حين كنا نلعب في الصغر، ولكن، صدقني، قواعد لعبنا هي الأقرب للقانون، بل والعدالة أيضاً.
أما هم فأصدروا قانونًا جديدًا بدل هذا القديم، لم يصدروه رسميا، لكن هذه أمور شكلية كما تعرف، لم تعد تهم، الأمر الواقع هو المهم الآن، ثم إنهم قرروا، كما ذكرت لك، أن يجعلوا الإنفاق على النتائج وتحليلها، لا على اللاعبين، هذا أكثر ربحاً. أدرك أنك لا تستوعب ما أشرحه لك، أنا نفسي أجد صعوبة في استيعاب اقتناعهم بأفعالهم، ولكن، هذا هو الواقع الذي وعيت عليه منذ شهور، قد تعتبره جنوناً، لكنه في الحقيقة بالنسبة لرئيس الاتحاد عين الخطة، وبالنسبة لجمهور كثيرين عين الحكمة، لا تسأل كيف، الموضوع أصلا غير قابل للتعليل.
إنه الجمهور الذي كان يحب هدف مارادونا بيده في مرمى الإنجليز صيف 1986، ويضرب حكم مباراة زيمبابوي، ليحرم فريقهم من الذهاب إلى المونديال، ويتوقع الفوز على غانا في مباراة العودة والذهاب إلى كأس العالم، بعد أن منيت شباك فريقهم في مباراة الذهاب بنصف دستة أهداف، ببركة ذوي الجاه والسلطان، هل كان هذا قابلاً للتعليل، يا صديقي، حتى تعلل ما ذكرته لك. المؤسف أن الأمر استفحل، أعني في عقولهم، لا في أعدادهم، تشعر أن بذرة هدف مارادونا اجتمعت مع براعة هدف مجدي عبد الغني وفرادته، فخرج نبت غريب، ظل ينمو، حتى وصلوا إلى هذا الحال.
لقد توقفت مثلك عن التفاعل مع هذه المباريات، منذ قرر الاتحاد أن يفعِّل قانونه غير المنشور هذا، واكتفيت بمشاهدة وتشجيع بعض الرفاق، أشجعهم، ولا أعتني بالحكَم كما كنا نفعل في الصغر، إنه نمط جديد نتأقلم عليه في بلادنا، للاتحاد مبارياته، ولنا مبارياتنا، ونحن على يقين أن مباريات الاتحاد لن تستمر. العبث لا يستمر يا صديقي، لا تكترث بما يصنعون..
أحمد خلف (مصر)
أحمد خلف (مصر)