العامل السوري في لبنان

27 مايو 2017
+ الخط -
توضح دراسة أجرتها هيئة مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بالاشتراك مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العام 2016 أنّه في مقابل كلّ دولار ينفق على الاستجابة الإنسانية في لبنان يضاف تقديرياً حوالي نصف دولار آخر إلى الاقتصاد المحلي، من خلال الآثار المضاعفة. وعلى هذا النحو، يؤدي إنفاق حوالي 800 مليون دولار سنوياً على اللاجئين السوريين في لبنان إلى تأثير إيجابي في مجمل الاقتصاد اللبناني، قدره حوالي 1,2 مليار دولار. وتضيف المساعدات الإنسانية حوالي 1,3% إلى الناتج الإجمالي اللبناني سنوياً.
بناءً على هذه الأرقام، يظهر لنا سخف المرثيات التي يطلع بها الإعلام اللبناني، وبعض سياسييه الذين يندبون ثقل النزوح واللجوء السوري وتأثيراته على الاقتصاد والدخل وحول ما تسبّبه القوة العاملة السورية في لبنان من مآسٍ وآلامٍ تتحمّلها الحكومة والطبقة الحاكمة اللبنانية بصبر وكظم غيظ لدوافع إنسانية محضة.
الحقيقة أنّ العامل السوري في لبنان، خصوصا بعد الأزمة السورية، أكبر مساهم في مراكمة الثروات الفاحشة للطبقات الغنية في لبنان، وإنّ موجات النزوح لليد العاملة التي هي غالباً كفؤة وذات خبرات ومجازة، إلى جانب أنها شديدة الرخص وعرضة للاستغلال.. هذه الموجات حرّكت الاقتصاد اللبناني كله، وساهمت في إنعاش التجارة وزيادة الناتج المحلي خلال السنوات السبع السابقة، كما لم يحدث من قبل.
تاريخ وجود اليد العاملة وإسهامها في الاقتصاد اللبناني قديم، ويعود في قوة زخمه الأول إلى أيام إنجاز اتفاقية الطائف، والبدء بعملية إعادة الإعمار البنائية والزراعية والصناعية، لترميم ما هدّمته الحرب الأهلية، فكان العامل السوري العنصر الأول في تلك العملية. منذ تلك المرحلة، ساهمت القوة العاملة السورية في تمكين الاقتصاد اللبناني، عبر تقديم اليد العاملة الرخيصة والكفؤة، تحديداً في مجالات الزراعة والصناعات البدائية وقطاعات البناء والإعمار.
اليوم دور العامل السوري في تمكين الاقتصاد اللبناني أكبر، فزيادات كبيرة في المؤشرات الاستهلاكية والتجارية طرأت في الاقتصاد اللبناني، خصوصا بعد العام 2014 مردّها إلى أنّ القوة العاملة السورية في لبنان باتت في أغلبها مقيمة ولا تقوم بتحويل مداخيلها إلى العائلات في الخارج، بل هم مقيمون معهم في مخيمات اللجوء أو المساكن المستأجرة في الداخل اللبناني.
يضاف إلى ذلك أنّ اليد العاملة التي كانت رخيصة بالأساس، وتشتغل بظروف عمالة بائسة صارت إثر الأزمة أرخص ومستغلّة بشكل أكبر، إذ يفيد تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في بيروت بأنّ العامل السوري هو الحلقة الأضعف في عملية العمل في لبنان.
الاعتداءات المنظمة، والتي وصفها التقرير بالعنصرية والممارسات العنيفة من استقواء واستزلام ضد العمال السوريين صارت من دون رادع، وتحوّلت، مع الوقت، إلى واقع يومي. العامل السوري الملاحق من الحكومة، عبر متطلبات أوراق الإقامة وتجديدات الكفالة، والمحاصر من قوى الأمن والدرك، يجد نفسه بالتأكيد فريسة سهلة أمام رب العمل الذي يجري صفقة رابحة هي على حسابه دوماً.
العمالة السورية في لبنان، والتي تتجاوز نسبتها الـ 90% من العمالة الكلية بحسب تقديرات نقابة المقاولين اللبنانيين، تخضع لأقسى شروط العمل والمعيشة، محرومة من الحد الأدنى للأجور، ومن أيّ شكل من التأمينات.
هذا العامل السوري الذي يعيش مع عائلته وأولاده في المباني قيد الإنشاء وغير مكتملة البناء ويعمل "بالفاعل" بأجرة يومية كي يطعم عائلته وأطفاله الذين يفترشون أرض الأبنية المغبرة والمرتعب على مدار الساعة من فكرة الطرد أو الملاحقة، أو انتهاء الإقامة وملحقات السلطات. هذا العامل بوضعه الحالي مصدّر أرباح هائلة للمقاول اللبناني الذي لو أراد إنجاز مشروعه باستخدام العمالة اللبنانية، لوجد تكاليفه مضروبة بثلاثة أضعاف أو أكثر. يأخذ هذا العامل دور "المحسود" في الإعلام اللبناني! الذي يبلع الأخضر واليابس، ويغاصب اللبنانيين على لقمتهم، علماً أنّ ذلك الإعلام ليس سوى منصات لأولئك المقاولين أنفسهم.
B486562D-4D18-4EB3-9BF9-98B8DAD70FEF
B486562D-4D18-4EB3-9BF9-98B8DAD70FEF
يزن زريق
كاتب سوري
يزن زريق