السلاح والكافيار.. أيّة علاقة؟

18 يوليو 2017
+ الخط -
قد يستغرب القارئ للوهلة الأولى، من السؤال المطروح: هل هناك علاقة بين تجارة السلاح وتجارة الكافيار فعلا في الاقتصاد العالمي؟ الحقيقة نعم.
توجد علاقة قديمة ووطيدة تشكل شبه قاعدة أو قانون اقتصادي يربط ما بين مبيع الطائرات النفاثة والمدافع والدبابات من جهة، وما بين الكماليات الباذخة من جهة أخرى. لكن المثير للاستغراب ليس وجود العلاقة، بل اختلاف طبيعتها في ظل النظام العالمي الاقتصادي الذي يحكم التجارة الدولية في عالم اليوم.
سابقا كانت هناك علاقة عكسية يدركها خبراء الاقتصاد، تربط بين تجارة الأسلحة وتجارة كماليات الرفاهية. فعندما يرتفع مؤشر مبيعات الأسلحة والطائرات والصواريخ بسبب حالات الحروب والأزمات التي استدعت زيادة الطلب على السلاح، فإن مؤشر الصناعات الاستهلاكية ينخفض بشكل تلقائي، وخاصة صناعات بضائع الرفاهية والكماليات الباذخة، فيعاني الاقتصاد من حالة ركود ويتوقف النمو وتتعطل الحركة التجارية كنتائج طبيعية للعنف وعدم الاستقرار الناجم عن الحروب. وبالعكس، عند ارتفاع مؤشر مبيع البضائع الاستهلاكية والكماليات ينتعش الاقتصاد ويبدأ النمو وتنحسر مبيعات السلاح دليلا على الاستقرار وعدم وجود الأزمات. هكذا كانت تسير أمور الاقتصاد العالمي في القرن الماضي، أي قبل النظام العالمي الجديد، وقبل الولوج في عهد العولمة. أي ارتفاع على مؤشرات مبيعات السلاح يعني مباشرة أن أزمة اقتصادية كبيرة تعصف بالاقتصاد الوطني وأنّ حفنة فقط من تجار السلاح والحروب تجني الفوائد، فيما باقي المجتمع في حالة تأزم وركود.
اليوم، في النظام العالمي الجديد طرأ تغيير جذري على هذه المعادلة. لقد صار مؤشري السلاح والكافيار يسيران معا! الحقيقة أنّ حروب الولايات المتحدة الأميركية، في بداية الألفية الجديدة، صنعت معادلة جديدة في هذا الإطار، إذ صار الابتعاد عن الاستقرار والحروب عموما مصدرا هائلا للأرباح، وازدهار الاقتصاد عموما، خصوصا بعد التضخم الرهيب الذي حصل على قطاع صناعة الأسلحة في الولايات المتحدة والعالم، إثر حربي أفغانستان والعراق. لم تكن هذه الحروب مصدر أرباح فقط لتجار السلاح، بل لقطاعات عديدة متنوعة من شركات الطاقة والبترول وشركات إعادة الإعمار والشركات الأمنية والصحية، لتكون هذه الحروب سببا في تحريك الاقتصاد كلّه وسببا لأرباح طائلة لقطاعات استثمارية واسعة.
تؤدي الأزمات والحروب والكوارث التي تصيب دول العالم الثالث إلى ازدهار ونمو في اقتصادات الغرب ودول العالم الأول. إنها تفتح أفاقا وفرص للاستثمار ولنمو الصناعات ولتطور مجمل اقتصاداتها وإخراجها من حالات الركود. مؤشر مبيع السلاح في الاقتصاد العالمي اليوم يسير جنباً إلى جنب مع مؤشر مبيع الكافيار، وكلاهما في حالة تناسب طردي، خلافاً لما كان عليه الواقع الاقتصادي سابقا. ثروات طائلة وأرباح فاحشة تجنى تحديدا في أوقات الأزمات والحروب، وتخلق محدثي نعمة وأمراء حرب يحتاجون للكماليات والرفاهيات.
إنها واقعة عجيبة يخلقها النظام العالمي اليوم. فالحروب ترفع الطلب على الكافيار! وعندما تزداد مؤشرات مبيع أدوات القتل والإبادة تزداد معها وبخطواتٍ مرافقةٍ ومتواترة مؤشرات مبيع الكماليات الفخمة والفارهة. لعله مجرد إثبات لحكمة قديمة "فمصائب قوم عند قوم فوائد". وتأكيد على أن "الأزمات ليست ديموقراطية"، فهي في عالم اليوم "أزمات" عند قوم وعند قوم آخرين "فرص استثمار وربح". من الجدير ذكره، أنّ مبيعات السلاح العالمية في 2003 قد ازدادت بمقدار 70% مقارنة بالفترة ما بين 1998 و2002، علما أن الاقتصاد العالمي نما بمعدل 4% في 2003 مقارنة بنسبة لم تتجاوز2% في العام 2002، أي بزيادة في النمو مقدارها الضعف تقريبا. إنها معادلة السلاح كافيار الجديدة للقرن الواحد والعشرين. الحرب صارت مصدر غنى والكوارث مصدرا للأرباح خلافا لكل ما عهدته الإنسانية سابقا، فهذه هي العولمة وهذا هو النظام العالمي الجديد.
B486562D-4D18-4EB3-9BF9-98B8DAD70FEF
B486562D-4D18-4EB3-9BF9-98B8DAD70FEF
يزن زريق
كاتب سوري
يزن زريق