العالم السري للمتفجرات[3/7]..اليمن: عبوات القاعدة والحوثي تتطابق في مكوناتها

30 ديسمبر 2015
المبيدات والألعاب النارية تستخدم في تصنيع المتفجرات باليمن(فرانس برس)
+ الخط -
مع نهاية الأسبوع الأول من شهر ديسمبر/كانون أول، فجر تنظيم "داعش"، سيارة مفخخة في موكب محافظ عدن، جنوبي اليمن، ما أدى إلى وفاته وعدد من مرافقيه. سبق تلك الحادثة بأسابيع قليلة، في ذات المدينة، تعرض مقر الحكومة اليمنية، ومكتب القيادة المركزية لقوات التحالف العربي، لتفجيرات إرهابية استخدم فيها الفرع اليمني لتنظيم الدولة الإسلامية، أربع سيارات مفخخة.

السلاح الفتاك للإرهاب

في اليمن يستخدم الإرهابيون سلاح المتفجرات بمختلف أنواعها، ضد خصومهم عبر السيارات المفخخة؛ تليها في الاستخدام العبوات المتفجرة؛ ثم الأحزمة الناسفة. "إنها أقوى أسلحتهم الفتاكة" يقول ضابط الأمن اليمني أنور محمود، المطلع على تحقيقات متعلقة بالعمليات الإرهابية بحكم عمله.

من جهته، أوضح الضابط عبدالسلام خالد (اسم مستعار)، خريج قسم الهندسة العسكرية، أن بعض المواد الأولية المستخدمة في صناعة المتفجرات يمكن الحصول عليها من بعض الأدوية ومستحضرات التجميل، إلى جانب بعض أنواع "الأسمدة والمبيدات الزراعية والحشرية".

ويكشف الضابط الذي يعمل حاليا ضمن تشكيلات المجلس العسكري للمقاومة بمحافظة تعز، لـ"العربي الجديد": أنه بين عامي 2013 – 2014، شهدت اليمن طفرة كبيرة في تهريب "الأسمدة والمبيدات الزراعية والحشرية، والألعاب النارية". ويلفت عبدالسلام، إلى أن طول الشريط الساحلي اليمني الممتد على طول 2500 كم "ساعد وسهل من عمليات التهريب بشكل كبير".

اقرأ أيضا: بالوثائق.. الحوثيون وأتباع صالح ينهبون شركة صافر النفطية



تهريب الأسمدة والألعاب النارية

عبر تتبع بيانات الأجهزة الأمنية، وثق "العربي الجديد"، وقوع 24 عملية تهريب، تم خلالها ضبط أكثر من عشرة آلاف صندوق، 80% منها، أسمدة ومبيدات زراعية وحشرية.
في عام 2013، أحبطت الأجهزة العسكرية والأمنية نحو عشر عمليات تهريب، ضبطت فيها نحو أربعة آلاف صندوق مبيدات زراعية وحشرية وأسمدة، خمس حالات منها، لم تحدد فيها الكميات المضبوطة، ما يرفع الرقم السابق إلى الضعف تقريبا، بحسب خبراء. فيما بلغت كمية الألعاب النارية المحرزة حوالي 700 صندوق. وكشفت وزارة الزراعة اليمنية في وقت سابق أن 36000 كغم/لتر من المبيدات والسموم والأسمدة المهربة والممنوع تداولها في اليمن والمحرمة دولياً، ضبطت خلال شهري أغسطس/آب وسبتمبر/ أيلول 2013.

وخلال عام 2014، تم إحباط نحو 14 عملية تهريب، شملت18 زورقا وقاربا وشاحنة واحدة، ضبط خلالها أكثر من 4500 صندوق من المبيدات والأسمدة الزراعية؛ وعشرة أطنان من المبيدات الكبريتية، وقرابة 2600 صندوق من الألعاب النارية. وخلال الربع الأول من العام الحالي، تم ضبط 2500 صندوق من المبيدات السامة والألعاب النارية والأدوية المحظورة، بحسب إحصائية حكومية رسمية.

وجاءت محافظة تعز، "باب المندب"، وميناء المخا، في المرتبة الأولى من حيث عمليات التهريب والضبط. بينما جاءت قوات خفر السواحل اليمنية، قطاع خليج عدن، في المرتبة الأولى لكشف عمليات التهريب، يليها اللواء 17 بمديرية "ذوباب"؛ ثم اللواء 35 بمديرية "المخا"، محافظة تعز. وبحسب البيانات فإن معظم الزوارق أو القوارب المهربة كانت بدرجة رئيسية قادمة من القرن الأفريقي.

اقرأ أيضا: صائدو القرش في عُمان.. مواجهة مع الموت

تهريب أكثر من المعلن رسمياً

الضابط سلطان محمد، خدم سابقا في باب المندب، التابعة لمحافظة تعز، يعتبر أن الأرقام المعلنة لعمليات التهريب، "لا تعكس سوى نسبة صغيرة من الحقيقة على أرض الواقع"، موضحا لـ"العربي الجديد"، أن النسبة المذكورة "قد تصل إلى النصف تقريبا" من البلاغات المرفوعة إلى الجهات المعنية بخصوص عمليات التهريب.

وفي تقرير صادر عن وزارة الزراعة والري اليمنية، عام 2013، أوضحت الوزارة أن المبيدات المهربة التي تتدفق إلى اليمن "ليست كميات بسيطة أو محدودة، إذ تقدر بعشرات الأطنان ويتم إدخال شحناتها من عدة بلدان بطريقة غير شرعية، عبر الحدود البرية والبحرية وبالذات من مديرية المخا في محافظة تعز، ويتم نقلها وإيصالها إلى مخازن التجار".

وفي تقرير لاحق، عام 2014، كشفت الوزارة أن الاحتياج السنوي لليمن من المبيدات الزراعية يتراوح ما بين 2500- 3000 طن، وأن ما يتم استيراده "بطريقة رسمية" لا يتجاوز ربع ذلك الاحتياج. ما يعني أن الباقي يتم إدخاله بطرق غير رسمية. فيما نقل تقرير (نشرته صحيفة الثورة الحكومية، مارس/آذار 2014)، على لسان من وصفهم بـ "خبراء الزراعة في اليمن": إن أربعة آلاف طن من المبيدات الزراعية تدخل الأسواق اليمنية، وأن نسبة 10% فقط من هذه المبيدات تدخل عبر الطرق الرسمية، و90% عبر التهريب.

اقرأ أيضا: 1200 محتجز قسراً في سجون اليمن.. الموت طريق الخلاص

الحوثيون والقاعدة

يؤكد الضابط المهندس عبدالسلام خالد، أن الجماعات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم القاعدة وجماعة الحوثي في اليمن، تستخدم الأسمدة والألعاب النارية، لتصنيع متفجرات خاصة بالأفراد؛ ومتفجرات خاصة بالسيارات العادية؛ ومتفجرات تستخدم ضد السيارات المدرعة.

ويكشف المزيد من التفاصيل، عن استخدام الإرهابيين لـ"بطاريات الدراجات البخارية الصينية، وأجهزة التحكم عند بعد لمفاتيح السيارات" في تفجير العبوات عن بعد، قائلا لـ"العربي الجديد" :"اختفت تلك البطاريات وأجهزة التحكم في السيارات أخيرا من السوق اليمنية بشكل ملفت"، مؤكدا بالقول "سحبت من السوق، من قبل الجماعات التي تستخدمها لأغراض تفجيرية، بعد أن ارتفعت أسعارها أخيرا ثلاثة أضعاف تقريبا: من ألفي ريال يمني (أقل من عشرة دولارات)، إلى سبعة آلاف ريال يمني (أقل من 35 دولارا) لجهاز التحكم في السيارات".

وأشار إلى أن بعض المواد المستخدمة في صناعة معظم المتفجرات، يمكن الحصول عليها من بعض الأسمدة والمبيدات والألعاب النارية، أهمها وأخطرها: مادتي "نترات الأمونيوم"، و"نترات البوتاسيوم"، إلى جانب "برمنغنات البوتاسيوم"، مع أنها أقل أهمية وخطورة من سابقاتها.

المختص الكيميائي، محمد الصلوي، رئيس المعامل بكلية التربية في جامعة صنعاء، أكد لـ"العربي الجديد"، سهولة الحصول على المواد المستخدمة في صنع العبوات الناسفة، قائلاً "من السهل أن تحصل عليها، لكن يصعب على أي شخص أن يستفيد من تلك المواد، فالعملية تحتاج إلى خبرة كبيرة في تصنيع العبوات الناسفة، متمثلة بكميات الإضافة للمواد، قوة المواد، معرفة الأسماء المحلية المتوفرة في السوق المحلية، فمثلا (نترات الأمونيوم)، لا يمكن أن توجد في سوق الأسمدة والمبيدات الزراعية، باسمها العلمي، وإنما باسم آخر محلي أو تجاري مرتبط بالمبيدات الزراعية أو الأسمدة".

اقرأ أيضا: أثرياء الحرب.. يمنيون يستغلون عاصفة الحزم لجني مكاسب اقتصادية

مليشيات الحوثي وصناعة المتفجرات

تمكنت جماعة الحوثي، من الاستفادة بشكل كبير من المبيدات الزراعية المهربة في صناعة المتفجرات، كما يوضح الأكاديمي، في جامعة صنعاء، إبراهيم الرضي (اسم مستعار). يقول الرضي في تصريح لـ"العربي الجديد": "الحوثي استخدم المواد المتوفرة في السوق المحلية في صناعة المواد المتفجرة، الجميع يعرف أن القاعدة تستخدمها منذ وقت طويل، وكذلك الحوثي قبل أن يستولي على إمكانات الجيش، وما زلنا نتذكر فضيحة الأسمدة والمبيدات الزراعية والتي كانت مدفونة في العاصمة صنعاء، بكميات كبيرة في أرض خالية، وسط حي سكني، والتي اتضح في الأخير أنها تعود لتاجر محسوب على الحوثيين".

فيما يعتقد الضابط، عبدالسلام، أن مليشيات الحوثي، ونتيجة تحالفها مع قوات الرئيس المخلوع صالح، استخدمت إمكانات الدولة العسكرية، بما في ذلك "أنواع المتفجرات الجاهزة والمصنعة خارجيا"، في حروبها الداخلية ضد الجيش الوطني والمقاومة الشعبية منذ أكثر من ثمانية أشهر. وأضاف "بل اكتشفنا أيضا عبوات متفجرة من صناعة "حزب الله" اللبناني، وجدت في بعض المواقع التي استعادتها أخيرا المقاومة الشعبية بمدينة تعز، معظمها تندرج ضمن "عبوات الأفراد"، وتسمى "العبوات التلفزيونية" ولم تكن تلك العبوات موجودة في اليمن قبل الحرب الأخيرة.
يؤكد عبدالسلام، أن خبراء الجيش الوطني بتعز فككوا أيضا بعض أنواع المتفجرات البدائية المصنعة يدويا، التي غالبا ما اشتهرت المليشيات باستخدامها في تفجير منازل خصومها، وأخرى استخدمتها أخيرا في تفخيخ الطرقات والمناطق التي فرت منها.

ويوضح أن تلك المتفجرات المصنعة يدويا، تتشابه كثيرا، في معظمها، مع متفجرات تنظيم القاعدة، من حيث إنها تتكون بدرجة رئيسية من: الـ(T.N.T) المخلوط بمادة (C4)، مع إضافة الديزل و"نترات البوتاسيوم، والأمونيوم" للحصول على قوة تدميرية كبيرة. إلى جانب عبوات ناسفة أخرى "ضد الأفراد"، تجهز يدويا لصناعة الألغام، من خلال وضعها داخل أنابيب من الحديد أو البلاستيك القوي (عرض 6 إنش، وطول 80 – 100سم)، واكتشفت كميات كبيرة منها في قرى بجبل صبر بمحافظة تعز، بعد دحر الميليشيات منها.

قبل ثلاثة أشهر تم تعيين اللواء جعفر محمد سعد، ذي الخبرة العسكرية الكبيرة، محافظا لـ"عدن"، وأواخر الشهر الماضي زار اللواء سعد مخازن ميناء عدن التي تحوي كميات كبيرة من المبيدات والأسمدة المحرزة في أوقات سابقة، ووجه مباشرة بإتلافها، خوفا من استعمالها في صناعة المتفجرات. لم يمض أكثر من أسبوع على ذلك، حتى كان سعد ضحية "سيارة مفخخة" انفجرت في موكبه. ربما كانت تلك المتفجرات التي اغتالته صنعت من مواد مشابهة لتلك التي أمر قبل أيام بإتلافها.

-------
اقرأ أيضا:
يمنيون مختفون قسرياً.. الحوثيون يكررون جرائم صالح بحق معارضيهم