وسط الحديث عن آمال وتطلعات المستقبل التي تشغل بال العديد من الشباب، بين خطط ورؤى لمستقبل جديد حافل بالإنجازات التي يعيش الشخص من أجل تحقيقها، عن طريق الحق في التعليم، يعيش الملايين من المُهجرين بين لاجئ ونازح حياتهم الاعتيادية في أجواءٍ لا تدع مجالاً للتفكير سوى في الساعات المقبلة، بل الدقائق، وقد يكون منتهى أملهم في إيجاد لقمة العيش ليومهم دون الالتفات للغد المرير بواقع الحال.
في خضم صراعات الأطراف المتنازعة في سورية والعراق واليمن وليبيا وغيرهم، اضطرت مئات الآلاف من الأسر من النزوح داخليا داخل البلاد هرباً من مناطق الصراع نحو أماكن أخرى أكثر أماناً، للتحصن بها ريثما يسدل النزاع أستاره عن المدن التي هُجر أهلها، ولم يجد البعض الآخر سبيلاً غير الهجرة إلى خارج حدود الوطن تاركين فيها فتات آمالهم وسط ركام آلام الوطن الذي هجرهم.
في العراق، من تراكمات أزمة سياسية وأمنية منذ حرب العراق عام 2003، ثم إشعال فتيل فتنة طائفية مصاحبة لتدخلات خارجية في 2005، إلى ظهور سحابة الظلام السوداء "داعش" في 2014، عايش فيها جيل كامل على مدار الثلاثة عشر عاماً حالة من عدم إحلال السلام، نشأ فيها جيل تعَود على الاستيقاظ مبكراً على صوت الانفجارات والقصف، وأوقات مُنع فيها جبراً من حقه في التعليم، حتى وصل الحال في الآونة الأخيرة مع ظهور داعش إلى فقد العديد من الأطفال حقهم في التعليم مع سيطرة التنظيم على مناطق عدة نتج عنها زيادة ملحوظة في أعداد المُهجرين عنوة من منازلهم.
إذ يقدر عدد النازحين في العراق بنحو 3.2 ملايين عراقي –بحسب تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية- حُرم من خلالها مئات الآلاف من الطلبة العراقيين من استكمال دراستهم، وتهشمت معها المقولة الخالدة "مصر تكتب ولبنان تطبع والعراق يقرأ" بعد أن فقد الطالب العراقي كتابه في ظل مأساة الوضع التعليمي الذي يعيشه العراق.
أما سوريا، فقَدر الثورة السورية التي تحولت إلى حرب بين أطراف وفصائل متعددة، لم تعر للشعب السوري اهتماما والذي نزح داخلياً بعدد 7.6 ملايين سوري فقد معها ملايين الطلاب السوريين حقهم في التعليم بشكل كامل، إضافة إلى ما يُقارب خمسة ملايين فروا إلى خارج الأراضي السورية، وتوزعوا في دول مختلفة غالبيتهم يعيش أوضاعاً مأساوية في المخيمات بلبنان والأردن وتركيا، مع ندرة فرص التعليم إذ تتركز الأوليات على ما يُبقي الجسد حياً، ومن الممكن أن يُعتبر التعليم بالنسبة إليهم رفاهية بالنظر لواقع أمرهم المرير.
من الجدير بالذكر أن الطلاب السوريين والعراقيين هم من أهم أكثر طلاب المنطقة العربية حرصاً على التعليم، وهم أيضاً من تعرضوا لأكبر ضربة موجعة أوقفت مسيرتهم التعليمية لسنوات وما زالت.
الوضع في اليمن لم يكن أقل مأساوية، فمع هبوب عاصفة الحرب في السادس عشر من آذار/ مارس 2015 والتي ما زالت مستمرة حتى اليوم، نزح ما يجاوز 2.5 مليون شخص عن أماكن إقامتهم إلى أخرى، اضطر معها إيواء بعض الأسر النازحة في المدارس والتي تقدر بنحو 260 مدرسة يقطن بها نازحون يمنيون، هذا فضلاً عن توقف الدراسة في 3500 مدرسة في عموم اليمن، وفقد 1.8 مليون طفل يمني إمكانية حصولهم على التعليم بحسب إحصائيات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية باليمن.
ويخشى اليمنيون أن تطول فترة الحرب مما يزيد من مرحلة اللا استقرار التي يعيشونها ويفقدون من خلالها حقوقاً عديدة من بينها حق التعليم، حيث ظن أن السوريين في بداية الثورة السورية وكذلك العراقيين في بداية الأزمة في هجرتهم أنها مؤقتة، ولن يطول الوضع ليعودوا إلى محل إقامتهم مرة أخرى وتستقيم الحياة، وهذا ما لم يتحقق لهم حتى مطلع عام 2016 والذي سبب أزمة نفسية لهم.
ينبغي الإشارة إلى أنه ليس كل المهاجرين الذين فروا إلى دول مجاورة هرباً من النزاع قد فقدوا أحقيتهم في التعليم بشكل أساسي، ففي مصر مثلاً يبدو الوضع جيداً إلى حد كبير بالنسبة للسوريين فقط فيما يتعلق بالتعليم الأساسي والجامعي، دون الجنسيات الأخرى، ولكننا نُشير هنا إلى من عاشوا سنوات الصراع ونزحوا داخليا ومُنعوا جبرا من مواصلة التعليم، وآخرين هَجروا بلادهم ويقنطون الآن في مخيمات وسط الشتاء القارس دون التمكن من السبل الأساسية للعيش، مما لا يتيح معها العودة –مؤقتا– للدراسة، لا سيما بالمخيمات التي يقطن بها مئات الآلاف.
مع تلك المعاناة التي يمر بها مئات الآلاف من الطلبة دون قدرتهم على استكمال مشوارهم التعليمي، وتوقف استمرار حياتهم التعليمية مع أول رصاصة أُطلقت، يأمل كل طالب مُشتت حُرم من هذا الحق أن يعود لمزاولة حقه في الحصول على التعليم بسلام، فتوقف الدراسة لكل هذه الفترة هو تهديد حقيقي لجيل كامل يُخشى أن ينمو دون استكمال العملية التعليمية؛ وهو ما يشكل كارثة سيدفع ثمنها هؤلاء الصغار ومجتمعاتهم في المستقبل.
(مصر)