الضربة الأميركية والفصائل المتهورة

15 مارس 2020
+ الخط -
لم تتعلم الفصائل الموالية لإيران في العراق من السياسة التي تتبعها طهران، حول ضرورة دراسة تبعات التهديدات وتنفيذها، إذ عُرفت هذه الفصائل بأنها أداة تتحكم بها طهران من دون مراعاة أي تبعات سلبية على عناصرها، وفي ظل التهور الذي يتسم به قادتها، فهي سهلة الاندفاع نحو التهديد والتنفيذ.

منذ الضربة الأميركية التي أطاحت الجنرال الإيراني قاسم سليماني ونائب الحشد أبو مهدي المهندس، مطلع 2020، تواصل الفصائل المقربة من إيران إطلاق التهديد والوعيد للرد على ما يصفونه بـ"الاحتلال"، والذي لم يكن احتلالًا بنظرهم قبل هذه الضربة، لتستمر بسلسلة من القصف الخجول على القواعد التي توجد فيها القوات الأميركية في العراق، والسفارة الأميركية في المنطقة الخضراء وسط بغداد، لتختتم هذه الضربات بتطبيق تهديداتها عبر ضربة بنحو 10 صواريخ أودت بحياة عسكري ومتعاقدين أميركيين وآخر بريطاني، فضلًا عن بعض الإصابات الأخرى، بقاعدة التاجي شمال بغداد، يوم الأربعاء 13 مارس/ آذار 2020.


تهور الفصائل وسيناريو الرد على أميركا
منذ بداية تصاعد التوتر الأميركي الإيراني ووكلاء طهران في العراق عام 2019، واصلت الفصائل المسلحة المقربة من إيران، اعتداءاتها المتكررة ضد المصالح الأميركية، المتمثلة باستهداف القواعد العسكرية التي توجد فيها القوات الأميركية، وكذلك السفارة وسط بغداد، ورغم الدرس الذي فهمته طهران، مطلع 2020، حول الرد الأميركي العنيف على استهداف وكلاء إيران لقاعدة أميركية شمالي العراق أودت بحياة أميركي؛ والذي تبيّن ذلك من خلال الرد الإيراني الخجول بضربات شكلية لأخذ ثأر الجنرال "قاسم سليماني"؛ لم تتعلم الفصائل الموالية لها الدرس نفسه لتجدد الخطأ ذاته.

ما حدث ليلة (الخميس - الجمعة) من ضربات أميركية عنيفة على مواقع الحشد الشعبي في العراق، هو سيناريو مشابه لما حدث مطلع العام الحالي، فرد واشنطن على قتل الفصائل لأميركي قبل أكثر من ثلاثة أشهر؛ كان يتمثل باغتيال قادة بارزين، وبعد يوم واحد من قتل أميركيين على يد الفصائل ذاتها، كان رد واشنطن تدمير مواقع بأكملها واغتيال قادة مهمين في الحشد والحرس الثوري، في جرف الصخر شمالي بابل، ومناطق أخرى.

أبرز السيناريو المتوقع بعد الضربة القاصمة التي أودت بحياة العشرات من عناصر فصائل الحشد في العراق بالضربة الأميركية الأخيرة؛ تتمثل في اتخاذ الفصائل قرارا يشابه الذي اتخذته طهران بعد عملية اغتيال سليماني، حيث ستستمر تهديداتها العنيفة وتطالب بإخراج القوات الأجنبية من العراق، وتضغط أكثر سياسيا لتحرّك ملف إخراج هذه القوات من البلاد، وقد تلجأ إلى أسلوب الاستهداف العسكري الخجول المستمر منذ أكثر من سنة.

الوجود الأميركي والرضوخ للتهديدات
من المستحيل أن تلجأ أميركا أو حتى تفكر في ملف الانسحاب الكامل من العراق، بعد أن ضحت بحياة أربعة آلاف أميركي وصحة 25 ألفا آخرين على يد المقاومة العراقية منذ 2003 ولغاية 2007، فضلًا عن الأموال الطائلة التي وصلت إلى 1.7 تريليون دولار أميركي.

الموّال الذي تتغنى به طهران ووكلاؤها في العراق حول إخراج المحتل من هذا البلد، لم يكن إلا حلماً لم يتمنّه إلا العراقيون الوطنيون، حيث التغني والتهديد والوعيد بإخراج هذا المحتل، هو ذاته الذي تتمسك به طهران ضد الاحتلال الصهيوني ولم تنفذ برصاصة واحدة ضده حتى اليوم.

سياسة الوجود الأميركي والانتشار العسكري، لم ينحصر في العراق، وهو توسعَ بشكل ملحوظ خلال العقد الأخير على مستوى الشرق الأوسط، ولذلك فإن إدارة واشنطن الحالية والقادمة، ستحارب كل الأصوات الرافضة لوجودها شكلياً أو فعلياً، وستقاوم مهما كلفها الأمر، مستغلة بذلك معاناة الشعوب واستخدامهم كأداة لتدمير البلدان وجعلها ضعيفة وشعوبها منكوبة، لمواصلة الهيمنة العسكرية الدولية التي يعد سلاحها الأول والأخير لمواجهة أي دولة كبرى تسعى لإزاحة مكانتها العالمية.