24 أكتوبر 2024
الصحراء المغربية وسؤال الدبلوماسية
لم يأت قرار مجلس الأمن الدولي، قبل أيام، 228، بشأن الصحراء المغربية بأي جديد، ويمكن القول إنه جاء متوازناً في ما يخص طرفي النزاع، لا سيما على ضوء الموقف الفرنسي الذي شكل عنصر توازن حاسم إزاء الموقف الأميركي، الذي قوبل بخيبة أمل في الرباط. كل ذلك يطرح عدة أسئلةٍ، ليس أبسطها، بطبيعة الحال، ذلك المتعلق بالدبلوماسية المغربية وأدائها في ظل تحولات القضية الوطنية، ومنعرجاتها المختلفة.
ولعل أهم ما جاء في قرار المجلس تمديده مهمة بعثة الأمم المتحدة، "مينورسو"، إلى غاية 30 أبريل/ نيسان 2017، وتشديده على الحاجة الملحة لأن تعود إلى أداء وظائفها كاملة في غضون 90 يوماً. لكن القرار، في المقابل، أشار إلى "مقترح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب إلى الأمين العام في 11 أبريل/ نيسان 2007، وجهوده المتسمة بالجدية والمصداقية، والهادفة إلى المضي بالعملية صوب التسوية''. وبلغة متوازنة أكثر، عبر عن التزامه بمساعدة الطرفين على التوصل إلى "حل سياسي عادل ودائم ومقبول''، مع حثهما على إظهار ''مزيد من الإرادة السياسية للمضي صوب التوصل إلى حل، بطرق منها توسيع نطاق نقاشهما حول ما يطرحه كلاهما من مقترحات''. كما أن الإشارة إلى الجهود التي بذلت منذ 2006 تستوعب ضمنياً المقترح المغربي لعام 2007، وتدفع به إلى أن ينتج امتدادات إضافية، الأمر الذي يمكن اعتباره بمثابة نقطة أخرى لصالح المغرب، إذا ما تم استثمارها من خلال دبلوماسية فاعلة وحيوية ومتعددة الروافد، ضمن شروط المرحلة وإكراهاتها الإقليمية والدولية التي لم تعد تقبل صيغة الاستفتاء آليةً لحل مثل هذه النزاعات.
لكن، من ناحية أخرى، لا يمكن إغفال معطيات أخرى في غاية الأهمية، فالقرار لم يصدر بالإجماع، وصوّتت ضده فنزويلا وأوروغواي، وسجل امتناع روسيا عن التصويت، بسبب الفقرة التي تصف المغرب بالجدّية والمصداقية، حيث اعتبرها المندوب الروسي مرتبطة بأوضاع سياسية، لم تعد قائمة. وليس مبالغةَ القول إن الموقف الروسي كان يمكن أن يكون ''فيتو'' لولا زيارة العاهل المغربي موسكو، أخيراً، والتي يبدو أنها أسهمت في تحويله إلى امتناع عن التصويت، بعد توقيع البلدين على اتفاقيات على هامش الزيارة، وهذا درس بليغ للدبلوماسية المغربية المدعوة، أكثر من أي وقت، لانخراطٍ واعٍ ومنتج في تفاعلات السياسة الدولية التي لا تستقر على أي حال. فموقف موسكو يعكس دبلوماسية دولة كبرى ومؤثرة، تواجه تحدّيات إقليمية ودولية عميقة، في سياق نزوعها المتزايد نحو إعادة بناء نظرتها إلى المنطقة في ضوء مصالحها الاستراتيجية، أولاً وأخيراً.
الدبلوماسية المغربية مطالبة بعد قرار مجلس الأمن بوقفةٍ تعيد فيها النظر في كثير من
منطلقاتها وآليات عملها، أبرزها كيفية بناء ردود أفعالها التي يجب أن تبتعد، قدر الإمكان، عن التسرع والانفعالية، فمن الواضح أن طرد عشرات من موظفي بعثة "مينورسو" قبل فترة، عقب تصريحات الأمين العام، كان قراراً متسرعاً، ولم يستحضر حينها تبعاته المحتملة داخل أروقة المنظمة الدولية وكواليسها المرتبطة بمواقع الـتأثير في الملف، ولا شك في أن ذلك استثمره الأمين العام، بان كي مون، ومبعوثه الشخصي، في الصيغة التي خرج بها قرار مجلس الأمن، لا سيما في الشق المتعلق بعودة البعثة الأممية إلى أداء وظائفها كاملة. وكانت التبعات ستكون غير متوقعة، لولا وقوف فرنسا ودول أخرى (غير دائمة العضوية) إلى جانب المغرب.
فضلا عن ذلك، تبدو هذه الدبلوماسية مطالبةً بتنويع تحالفاتها، وفق رؤية متكاملة ومتسقة للسياق الإقليمي والدولي، بحيث تستوعب الأبعاد الاقتصادية والاستراتيجية الرئيسية التي تقود صناعة القرار وتوجهه في مواقع التأثير الدولي الكبرى. فواشنطن، وإن كانت ترى في المغرب بلداً مستقراً في محيط إقليمي مضطرب، وحليفاً استراتيجياً لها، في ما يخص قضايا الأمن ومحاربة الإرهاب في المنطقة، إلا أن رؤيتها لقضية الصحراء تتسم بتقلب واضح يعكس، حسب بعضهم، تبايناً في زوايا نظر مكونات إدارتها وارتباطاتها مع دوائر وجهات متنفذة معنية، بشكل أو بآخر، بالقرار الأميركي وتحولاته حيال ملف الصحراء المغربية.
هذا التحول المطلوب في إيقاع الدبلوماسية المغربية لن ينتج امتداداته داخل محيطه الإقليمي، إلا بربطه كذلك باختيارات داخليةٍ واضحة، تنبني على تفعيل مقترح الحكم الذاتي، ضمن رؤية تنموية متكاملة، تربط بين إصلاح سياسي عميق، ينتصر بلا رجعة للديمقراطية الحقة من جهة، وجهوية فاعلة ومنتجة، تقطع مع الريع السياسي والاقتصادي، وتستجيب لتطلعات ساكنة الأقاليم الجنوبية من جهة أخرى.
ولعل أهم ما جاء في قرار المجلس تمديده مهمة بعثة الأمم المتحدة، "مينورسو"، إلى غاية 30 أبريل/ نيسان 2017، وتشديده على الحاجة الملحة لأن تعود إلى أداء وظائفها كاملة في غضون 90 يوماً. لكن القرار، في المقابل، أشار إلى "مقترح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب إلى الأمين العام في 11 أبريل/ نيسان 2007، وجهوده المتسمة بالجدية والمصداقية، والهادفة إلى المضي بالعملية صوب التسوية''. وبلغة متوازنة أكثر، عبر عن التزامه بمساعدة الطرفين على التوصل إلى "حل سياسي عادل ودائم ومقبول''، مع حثهما على إظهار ''مزيد من الإرادة السياسية للمضي صوب التوصل إلى حل، بطرق منها توسيع نطاق نقاشهما حول ما يطرحه كلاهما من مقترحات''. كما أن الإشارة إلى الجهود التي بذلت منذ 2006 تستوعب ضمنياً المقترح المغربي لعام 2007، وتدفع به إلى أن ينتج امتدادات إضافية، الأمر الذي يمكن اعتباره بمثابة نقطة أخرى لصالح المغرب، إذا ما تم استثمارها من خلال دبلوماسية فاعلة وحيوية ومتعددة الروافد، ضمن شروط المرحلة وإكراهاتها الإقليمية والدولية التي لم تعد تقبل صيغة الاستفتاء آليةً لحل مثل هذه النزاعات.
لكن، من ناحية أخرى، لا يمكن إغفال معطيات أخرى في غاية الأهمية، فالقرار لم يصدر بالإجماع، وصوّتت ضده فنزويلا وأوروغواي، وسجل امتناع روسيا عن التصويت، بسبب الفقرة التي تصف المغرب بالجدّية والمصداقية، حيث اعتبرها المندوب الروسي مرتبطة بأوضاع سياسية، لم تعد قائمة. وليس مبالغةَ القول إن الموقف الروسي كان يمكن أن يكون ''فيتو'' لولا زيارة العاهل المغربي موسكو، أخيراً، والتي يبدو أنها أسهمت في تحويله إلى امتناع عن التصويت، بعد توقيع البلدين على اتفاقيات على هامش الزيارة، وهذا درس بليغ للدبلوماسية المغربية المدعوة، أكثر من أي وقت، لانخراطٍ واعٍ ومنتج في تفاعلات السياسة الدولية التي لا تستقر على أي حال. فموقف موسكو يعكس دبلوماسية دولة كبرى ومؤثرة، تواجه تحدّيات إقليمية ودولية عميقة، في سياق نزوعها المتزايد نحو إعادة بناء نظرتها إلى المنطقة في ضوء مصالحها الاستراتيجية، أولاً وأخيراً.
الدبلوماسية المغربية مطالبة بعد قرار مجلس الأمن بوقفةٍ تعيد فيها النظر في كثير من
فضلا عن ذلك، تبدو هذه الدبلوماسية مطالبةً بتنويع تحالفاتها، وفق رؤية متكاملة ومتسقة للسياق الإقليمي والدولي، بحيث تستوعب الأبعاد الاقتصادية والاستراتيجية الرئيسية التي تقود صناعة القرار وتوجهه في مواقع التأثير الدولي الكبرى. فواشنطن، وإن كانت ترى في المغرب بلداً مستقراً في محيط إقليمي مضطرب، وحليفاً استراتيجياً لها، في ما يخص قضايا الأمن ومحاربة الإرهاب في المنطقة، إلا أن رؤيتها لقضية الصحراء تتسم بتقلب واضح يعكس، حسب بعضهم، تبايناً في زوايا نظر مكونات إدارتها وارتباطاتها مع دوائر وجهات متنفذة معنية، بشكل أو بآخر، بالقرار الأميركي وتحولاته حيال ملف الصحراء المغربية.
هذا التحول المطلوب في إيقاع الدبلوماسية المغربية لن ينتج امتداداته داخل محيطه الإقليمي، إلا بربطه كذلك باختيارات داخليةٍ واضحة، تنبني على تفعيل مقترح الحكم الذاتي، ضمن رؤية تنموية متكاملة، تربط بين إصلاح سياسي عميق، ينتصر بلا رجعة للديمقراطية الحقة من جهة، وجهوية فاعلة ومنتجة، تقطع مع الريع السياسي والاقتصادي، وتستجيب لتطلعات ساكنة الأقاليم الجنوبية من جهة أخرى.