10 ابريل 2019
الصادق المهدي بين تخوم النضال
طالبت قوى المعارضة السودانية زعيم حزب الأمة القومي، الصادق المهدي، مرات، بنصح الرئيس عمر البشير بضرورة الرحيل عن السلطة بشكل سلس. وبرزت، أخيراً، نبرة الصادق، المتغيرة في تصعيدها، بتوظيف ملاحقة الجنائية الدولية البشير، في تحقيق خيارها الأول بالانتفاضة الشعبية، وصولاً إلى إسقاط النظام، أو قبول الحكومة بمطالب الشعب المشروعة.
وبعد أن وجه الصادق المهدي إدانته للمحكمة الجنائية الدولية، عند إصدارها مذكرة للقبض على الرئيس البشير في أثناء حضوره قمة الاتحاد الأفريقي الخامسة والعشرين في جوهانسبرغ، انقلب من اتهامها إلى الدفاع عن استقلاليتها، ومتهماً المسؤولين في جنوب أفريقيا بالتآمر على إخفاء البشير، وتسهيل هروبه إلى السودان.
لا يزال الصادق، ومنذ حمله على عاتقه أمانة العمل السياسي، يشغل الرأي العام بهمومه العامة والخاصة. وتحمله لهذا العبء لم يكن كله اختياراً، وإنّما كان الجزء الأكبر منه إرثاً تاريخياً ثقيلاً، ألقته على كاهله الجينات المهدوية، الثورية منها والمكتوبة تاريخاً بأيدي المنتصرين. ولا ننسى الوثائق التي ما زالت تُنقّى سيرتها، ويضاف إلى هوامشها ما أبى المريدون من العلّامة والعامة تدوينه، تأدباً وحباً، ووجلاً أحياناً من أن يلحق بهذا التاريخ ما لا يصلح تدريسه للناشئة والأجيال.
تعوّد الإعلام، بوسائله المرئية والمسموعة والمقروءة، دخول حديقة الصادق المهدي، ولا يأتي ذكر لقاء معه، إلّا وكان التركيز على هذه الحديقة أكبر. لا يدخل أحدٌ حديقته الخلفية هذه، ويخرج خالي الوفاض. الكلُّ رابحٌ، لأنّ تصريحات وخططاً سرية كثيرة تتحول، بفضل هذا الإعلام، المدعو أحياناً والمتطفل أحياناً أخرى، من شبه سرية إلى علنية.
مثل كلّ قوى المعارضة السودانية، يتجرّع الصادق المهدي المرّ، وهو يردّد أنّه ليس هناك أمرّ من مستقبل قريب، يجيء ليصبح تاريخاً أسود. ثم تتبدى بقعة الزمن الحاسمة في التاريخ الذي جاء بعد توقيعه (إعلان باريس) مع الجبهة الثورية، واعتقلته الحكومة ثم أطلقت سراحه. ثم وقّع مع الجبهة الثورية والهيئة العامة لقوى الإجماع الوطني وهيئة منظمات المجتمع المدني وثيقة (نداء السودان) في أديس أبابا. وأخيراً، وقّع الصادق المهدي، في يونيو/ حزيران الماضي، من مقر إقامته المؤقتة في القاهرة (اتفاق القاهرة) مع رئيس حركة الإصلاح الآن، غازي صلاح الدين.
عندما نوت الحكومة تشكيل حكومة جديدة عام 2009، عقدت لقاءات مع قيادات الأحزاب السودانية المعارضة، كلٌّ على حده، وكان أولها مع زعيم حزب الأمة القومي، الصادق المهدي، وجاء اللقاء وسط تكهنات بانضمام الحزب إلى الحكومة الجديدة. وعلى الرغم من نفي قياديين فيه، إلّا أنّ الخطوة تمخضت عن مشاركة الحزب على المستوى العائلي بتقديم العقيد عبد الرحمن المهدي، نجل زعيم حزب الأمة مساعداً لرئيس الجمهورية.
وبهذا، يتراءى وقوف حزب الأمة، الآن، على مسافة واحدة ما بين الحكومة وقوى المعارضة، فالحوار بين الحزب والحكومة يشهد توافقاً على مستوى الرؤى، على الرغم من إعلانه عكس ذلك. أما المسافة التي يحفظها بينه وبين قوى المعارضة، فتغلب عليها صفة الأبوية، بنزوعه إلى تمثيل المعارضة، والتفاوض نيابة عنها.
وبعد ذلك، ترشح الصادق المهدي في الانتخابات الرئاسية عام 2010، ضمن إثني عشر مرشحاً لرئاسة الجمهورية. وأطلق حملته من دار حزب الأمة، دعمته أسرته، وأغلبها من الناشطين السياسيين الذين يظهرون احتفاءهم وتحلقهم حوله أبناء وأحفادا في مناسبات الأعياد وذكرى ميلاده. وكان برنامج الصادق المهدي الانتخابي ما سمّاه "طريق الخلاص"، أو المنجيات العشر، ومنها احترام المواطنة، والعدل، واحترام الأديان، وحقوق المرأة.
الآن، وبعد أكثر من ربع قرن من المواقف المتأرجحة، عاد الصادق المهدي ليدعو السودانيين إلى التمسك بحقوقهم في الحياة الكريمة، ونصحهم بألّا يتخلوا عنها، مهما كلفهم الأمر. أتى الصادق، وكأنه يأسف على الغياب بعد ديمقراطيته الموءودة عام 1989.
في الواقع، لم يتغيّر شيء، فالثابت الوحيد هو متوالية تأرجح مواقفه. ولذا، فإنّ عباراته الأخيرة لن تجد مكاناً من الإعراب في ديباجة التبرير لاتخاذ المواقف ونقيضها. وبهذا فالمهدي لم يخذل تجربته الديمقراطية فحسب، وإنما مؤيديه، فقد كان في وسعه أن يواصل من موقعه النضالي، والمدافع عن الحرية والديمقراطية، لكنه لم يفعل. آثر في هذه الفترة ترسيخ أقدام أبنائه في المناصب الحكومية، وعلّق سعيه نحو الديمقراطية على رفِّ النضال.
لا يزال الصادق، ومنذ حمله على عاتقه أمانة العمل السياسي، يشغل الرأي العام بهمومه العامة والخاصة. وتحمله لهذا العبء لم يكن كله اختياراً، وإنّما كان الجزء الأكبر منه إرثاً تاريخياً ثقيلاً، ألقته على كاهله الجينات المهدوية، الثورية منها والمكتوبة تاريخاً بأيدي المنتصرين. ولا ننسى الوثائق التي ما زالت تُنقّى سيرتها، ويضاف إلى هوامشها ما أبى المريدون من العلّامة والعامة تدوينه، تأدباً وحباً، ووجلاً أحياناً من أن يلحق بهذا التاريخ ما لا يصلح تدريسه للناشئة والأجيال.
تعوّد الإعلام، بوسائله المرئية والمسموعة والمقروءة، دخول حديقة الصادق المهدي، ولا يأتي ذكر لقاء معه، إلّا وكان التركيز على هذه الحديقة أكبر. لا يدخل أحدٌ حديقته الخلفية هذه، ويخرج خالي الوفاض. الكلُّ رابحٌ، لأنّ تصريحات وخططاً سرية كثيرة تتحول، بفضل هذا الإعلام، المدعو أحياناً والمتطفل أحياناً أخرى، من شبه سرية إلى علنية.
مثل كلّ قوى المعارضة السودانية، يتجرّع الصادق المهدي المرّ، وهو يردّد أنّه ليس هناك أمرّ من مستقبل قريب، يجيء ليصبح تاريخاً أسود. ثم تتبدى بقعة الزمن الحاسمة في التاريخ الذي جاء بعد توقيعه (إعلان باريس) مع الجبهة الثورية، واعتقلته الحكومة ثم أطلقت سراحه. ثم وقّع مع الجبهة الثورية والهيئة العامة لقوى الإجماع الوطني وهيئة منظمات المجتمع المدني وثيقة (نداء السودان) في أديس أبابا. وأخيراً، وقّع الصادق المهدي، في يونيو/ حزيران الماضي، من مقر إقامته المؤقتة في القاهرة (اتفاق القاهرة) مع رئيس حركة الإصلاح الآن، غازي صلاح الدين.
عندما نوت الحكومة تشكيل حكومة جديدة عام 2009، عقدت لقاءات مع قيادات الأحزاب السودانية المعارضة، كلٌّ على حده، وكان أولها مع زعيم حزب الأمة القومي، الصادق المهدي، وجاء اللقاء وسط تكهنات بانضمام الحزب إلى الحكومة الجديدة. وعلى الرغم من نفي قياديين فيه، إلّا أنّ الخطوة تمخضت عن مشاركة الحزب على المستوى العائلي بتقديم العقيد عبد الرحمن المهدي، نجل زعيم حزب الأمة مساعداً لرئيس الجمهورية.
وبهذا، يتراءى وقوف حزب الأمة، الآن، على مسافة واحدة ما بين الحكومة وقوى المعارضة، فالحوار بين الحزب والحكومة يشهد توافقاً على مستوى الرؤى، على الرغم من إعلانه عكس ذلك. أما المسافة التي يحفظها بينه وبين قوى المعارضة، فتغلب عليها صفة الأبوية، بنزوعه إلى تمثيل المعارضة، والتفاوض نيابة عنها.
وبعد ذلك، ترشح الصادق المهدي في الانتخابات الرئاسية عام 2010، ضمن إثني عشر مرشحاً لرئاسة الجمهورية. وأطلق حملته من دار حزب الأمة، دعمته أسرته، وأغلبها من الناشطين السياسيين الذين يظهرون احتفاءهم وتحلقهم حوله أبناء وأحفادا في مناسبات الأعياد وذكرى ميلاده. وكان برنامج الصادق المهدي الانتخابي ما سمّاه "طريق الخلاص"، أو المنجيات العشر، ومنها احترام المواطنة، والعدل، واحترام الأديان، وحقوق المرأة.
الآن، وبعد أكثر من ربع قرن من المواقف المتأرجحة، عاد الصادق المهدي ليدعو السودانيين إلى التمسك بحقوقهم في الحياة الكريمة، ونصحهم بألّا يتخلوا عنها، مهما كلفهم الأمر. أتى الصادق، وكأنه يأسف على الغياب بعد ديمقراطيته الموءودة عام 1989.
في الواقع، لم يتغيّر شيء، فالثابت الوحيد هو متوالية تأرجح مواقفه. ولذا، فإنّ عباراته الأخيرة لن تجد مكاناً من الإعراب في ديباجة التبرير لاتخاذ المواقف ونقيضها. وبهذا فالمهدي لم يخذل تجربته الديمقراطية فحسب، وإنما مؤيديه، فقد كان في وسعه أن يواصل من موقعه النضالي، والمدافع عن الحرية والديمقراطية، لكنه لم يفعل. آثر في هذه الفترة ترسيخ أقدام أبنائه في المناصب الحكومية، وعلّق سعيه نحو الديمقراطية على رفِّ النضال.