الشهيد محمود أبو هنود..

27 نوفمبر 2014
+ الخط -

ولد وفي قلبه قضية تحترق، وعاش في يده جمر القسام الملتهب، ومات وعلى صدره وسام الشهادة المنتظر. فكان له ما تمنى، وكان لأبناء شعبة العزة على أرضهم، وللمحتل الذل والعار.
لم يكن الاحتلال ليعلم أن آلياته التي احتلت باقي الأراضي الفلسطينية عام 1967 سيولد بين جنازيرها الفولاذية طفل سيجعلهم يلعنون أنفسهم ألف ألف مرة، فلقد سقاهم الموت الزؤام، ومرغ أنوفهم في تراب فلسطين، وحطم أسطورة الأمن الصهيوني الذي لا يُخترق!
إنه القائد المجاهد البطل محمود أبو هنود، قائد كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" في الضفة الغربية، والذي يلقبه أعداؤه بـ"صاحب الأرواح السبعة"، وعرفته فلسطين بصاحب القامة الطويلة والعيون الخضراء والوجه البيضاوي بقدراته الفذة وبلائه الحسن في ميدان المقاومة.
بعد سبع سنوات من الملاحقة الدؤوبة، تعرض خلالها لمحاولتي اغتيال فاشلتين، تمكنت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مساء يوم الجمعة 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2001، من رصد القائد المجاهد البطل، محمود محمد أحمد أبو هنود، واغتياله في أثناء انتقاله من مخبأ إلى آخر في منطقة نابلس.
استشهد القائد أبو هنود، عندما قصفت مروحيات إسرائيلية السيارة التي كانت تقله على طريق يربط قريتي ياصيد قضاء نابلس والفارعة قضاء جنين بخمسة صواريخ، وقد استشهد في الغارة مساعده المجاهد مأمون حشايكة، وشقيقه المجاهد أيمن حشايكة، وقد حاول أبو هنود الفرار والالتجاء إلى جبل قريب من مكان الحادث، لكن الطائرات الصهيونية لاحقته وأخذت تطلق عليه الرصاص من النوع الثقيل، ما حول جسده إلى أشلاء، لم يبق منها إلا الجزء الخلفي من الرأس وقطع من جسده الطاهر.
وعلق الجنرال إسحاق إيتان، قائد المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال الإسرائيلي، على عملية الاغتيال: "إنه الصيد الثمين الذي طالما بحثنا عنه في كل بقعة من بقاع الضفة الغربية. إنه الكابوس الذي أقلق مضاجعنا ردحـًا من الزمن. كانت تصفية هذا الرجل إنجازاً حقيقياً لجهاز المخابرات والجيش الإسرائيلي. إنه يكاد أن يكون الإنجاز الأكبر لنا، منذ اندلعت الانتفاضة"!
وباغتيالها القائد محمود أبو هنود، تكون قوات الاحتلال قد طوت الصفحة الأخيرة من مطاردة طويلة ودموية لهذا المجاهد، استمرت أكثر من سبع سنوات، فشلت خلالها في اغتياله مرتين على الأقل، ودفعت ثمنـًا باهظـًا لهذا الفشل.
"الله يعينه على مقارعة اليهود"، قالها جده لوالده عندما بشًر بميلاد حفيده محمود، وعندما سمع الأب هذه العبارة من أبيه، انطلق مهرولاً نحو زوجته، وأخبرها بما دار، وهو لا يستطيع منع نفسه من التساؤل:
"هل أصيب والدي في عقله؟ كيف يقول هذا الكلام، ومحمود ما زال عمره ساعات"؟.
لكن، أثبتت الأيام فراسة الجد، حيث أصبح محمود من أشد "المقارعين" للاحتلال، بل ذاق الاحتلال الصهيوني على يديه ويلات كثيرة.
ولد القائد المجاهد البطل محمود محمد أحمد أبو هنود الشولي في بلدة عصيرة الشمالية (عصيرة القسام) في قضاء نابلس في 1 يوليو/تموز 1967، ونشأ في أسرة متدينة معروفة بتدينها ومحافظتها المميزة وله ستة أشقاء. أنهى دراسته الثانوية في مدارس البلدة، قبل أن يلتحق بكلية الشريعة في الجامعة الإسلامية في الخليل، غير أنه لم يكد يمضي في هذا الطريق الأكاديمي، حتى تفجرت الانتفاضة الفلسطينية الكبرى عام 1987، فكان أحد أهم أبطالها مشاركـًا وقائدًا، وخلال إحدى المواجهات في عصيرة الشمالية عام 1988، أصيب إصابة بالغة في الكبد والطحال والرئتين، أدت إلى استئصال 25% من كبده، ومنع جنود الاحتلال سيارة الإسعاف من نقله، وتقدم نحوه جندي صهيوني وداس بقدمه على رأسه وقال:"لازم تموت"! فرد محمود: "إذا كان لي عمر فسوف أعيش رغمـًا عن أنفك"!
اعتقل بعدها ستة أشهر، لنشاطه في صفوف حركة حماس، وحينما خرج من المعتقل، كان أكثر عزيمة على مواجهة الاحتلال ومجرميه، فاستمر، في جهاده ونشاطه، كما أنه عاد إلى دراسة الشريعة، وهذه المرة في كلية الدعوة وأصول الدين في جامعة القدس.
حصل محمود على شهادة البكالوريوس في الشريعة الإسلامية في فبراير/ شباط 1991. ابعد إلى مرج الزهور في جنوب لبنان مع 415 مجاهدًا، واستمر إبعاده تسعة أشهر، وبعد عودته إلى الأراضي الفلسطينية، اعتقله الإسرائيليون عشرة أيام في سجن مجدو.
وبعد عودته من الإبعادن التحق بالجهاز العسكري لحركة حماس، وقام بأولى الهجمات ضد سيارة للمستوطنين قرب قرية الباذان في 1994، ما أدى إلى إصابة اثنين من ركاب السيارة بجروح.
أسس محمود خلية "شهداء من أجل الأسرى" عام 1995، وكان هدفها تكريس عملها لتحرير الأسرى. وبعد أن اكتمل تشكيل الخلية، بدأ أفرادها جهادهم بعملية محكمة شمال نابلس، مستهدفين بالرصاص سيارة كانت تسير في طريق الباذان، ما أدى إلى مقتل طبيب صهيوني، وإصابة مرافقه بجراح. وفي العامين 1996- 1997 اتهمت سلطات الاحتلال الإسرائيلي القائد المجاهد  محمود أبو هنود بتجنيد خمسة استشهاديين وتزويدهم بالمتفجرات، وإرسالهم لارتكاب عمليات استشهادية في سوق محني يهودا وشارع بن يهودا في القدس، واتهمته أيضـًا بقيادة الجناح العسكري لحركة حماس في الضفة وتجنيد الاستشهاديين وإعداد المتفجرات.
وكانت محكمة أمن الدولة العليا الفلسطيني قد أصدرت حكمـًا بالسجن 12 عامـًا على المجاهد القائد محمود أبو هنود في 1 سبتمبر/ أيلول 2000، إثر احتجازه لدى دخوله مناطق السيادة الفلسطينية، عقب نجاته من محاولة الاغتيال الأولى.  
ومحاولة الاغتيال الثانية كانت إثر عملية استشهادية في مدينة نتانيا، قام بها الاستشهادي المجاهد البطل محمود أحمد مرمش، يوم 18 مايو/أيار 2001، حين قصفت طائرة حربية صهيونية من طراز " إف 16" موقع احتجاز أبو هنود في مقر الشرطة الخاصة في نابلس، بهدف قتله، وأسفر القصف عن استشهاد 11 من رجال الشرطة الفلسطينية، لكن عناية الله أنقذت المجاهد البطل محمود أبو هنود.
وأكد أحد أفراد الشرطة الفلسطينية أن لحظة القصف كان محمود أبو هنود يصلي في سجنه وفي مكان يسمى "الإكليل" داخل سجن نابلس القديم، وهو مبنى بني في زمن الانتداب البريطاني، وأن الغرفة التي وجد فيها أبو هنود سمك الحائط فيها حوالى ثلاثة أمتار ونصف، ولو تم هدم السجن، فلن يصاب بأذى. وقال: "قصف السجن واستمر أبو هنود في صلاته، وامتلأت الغرفة بالغبار ولم يعد أحد منا يرى الآخر صرخت فلم يرد علي، ولكن بعد أن انتهى من صلاته، أخذ يبحث عني، حتى وجدنا بعضنا، وتمكنا من مساعدة الآخرين بالخروج بسلام".
وإثر ذلك، تمكن أبو هنود الذي تعتبره إسرائيل المطلوب الأول في الأراضي الفلسطينية، من التواري عن الأنظار. وقد صرح شيمون بيريز بأنه عار على الدولة العبرية أن يبقى محمود أبو هنود على قيد الحياة!
ويقول مقربون من القائد المجاهدن وأفراد أسرته، إنه كان يردد على مسامعهم أنه وهب حياته للجهاد، ويأمل أن يسقط شهيدًا. وذكر شقيقه مصطفى أن محمود رفض مرارًا عروضـًا من أسرته بالزواج، حيث كان يقول إنه لن يعيش طويلاً لأنه نذر حياته للجهاد.
كان محمود عاشقاً للمسجد الأقصى، متعلقاً به بشكل غير عادي، وكان كثير التردد عليه، حتى وهو مطارد، فبعد عودته من إبعاد عام 1992 من مرج الزهور، وفي حفل استقبال للمبعدين تم في جامعة النجاح في نابلس قدّم نفسه، وقال: "أخوكم في الله عاشق الأقصى محمود أبو هنود".

avata
avata
عـادل أبـو هـاشـم (الأردن)
عـادل أبـو هـاشـم (الأردن)