سـعـيـد صـيـام.. وزيـر عـاشـق للـشهـادة

18 يناير 2015
+ الخط -
كم هو صعب على الإنسان أن يمسك قلمه ليخطّ سيرة مَن قضوا نحبهم في ميادين الشرف والبطولة والفداء، في معارك التضحية والشهادة، في معارك صدّ العدوان عن الأرض الفلسطينية المغتصبة. ولكن، من باب الوفاء لهؤلاء الشهداء، كان لزاماً أن نكتب، ولو القليل لكي نحاول إعطاءهم بعض حقوقهم علينا.
فطوال العقود السياسية المتعاقبة من تاريخنا القديم والحديث على الأقل، والشهداء يمثلوننا، ويأخذون عن كاهلنا العبء الأكبر والدور الأبرز في مقاومة العدوان والاحتلال، فهم، بشهادة التاريخ، منبع الثورة والثوار والمقاومة. وذلك ما يدفعنا لنعترف، شعباً وأمة، بأنهم يقودوننا دائما في أدق المنعطفات، وأكثرها تاريخية وأهمية، نحو النصر المحتوم القادم من سواعدهم، ومن فوهات بنادقهم، ومن خفقان راياتهم المشرعة دوماً لتعانق ذروة المجد على الدوام، لأنهم  الخالدون في مسيرتنا التحررية، وهم وسام البطولة والإرادة الحرة والإبداع الثوري بعينه.
هكذا كان الموكب وما زال طويلاً جداً وقافلة الشهداء تسير من دون توقف، وتنضم إليها يومياً كوكبة جديدة على طريق ذات الشوكة، يمضون أطفالاً ورجالاً ونساء. يرفعون الرايات المعطرة بدمائهم الزكية الطاهرة، ويرسمون معالم الطريق، طريق انتصار الدم على السيف والحديد، ويعبرون إلى جوار ربهم، وقد أدّوا الأمانة، دفاعاً عن أمة تستباح أرضها ومقدساتها ومساجدها وأعراضها وأرواح أبنائها وكرامتها.
يتجرأون على إسلامها ونبيها وعلى قرآنها.
مضى كلٌ منهم مشروع شهادة ينتظر إحدى الحسنيين، وليستشهد كلٌ على الطريقة التي اختار. الطفل الرضيع في حضن أمه، والطفلة التلميذة على مقعدها المدرسي، والعجوز عند زيتونتها، والمقاتل المجاهد في ميدان المعركة.
ليس من السهل أن يكتب المرء عن القائد والمجاهد الرمز، سعيد محمد شعبان صيام، "أبو مصعب"، القيادي في حركة المقاومة الإسلامية، حماس، ووزير الداخلية في الحكومة الفلسطينية والنائب في المجلس التشريعي الفلسطيني، الذي استشهد في غارة إسرائيلية مساء يوم الخميس 15 يناير/ كانون الثاني 2009، حينما قصفت طائرات العدو الصهيوني "إف 16" منزل شقيقه في حي اليرموك في غزة، فالرجل ليس أحد أهم رموز الشعب الفلسطيني في مسيرته الجهادية وحسب، بل كان نبراساً وثائراً ومجاهداً ومفكراً، صاحب كلمة شجاعة وهادئة وعاقلة وثورية في الوقت نفسه، وهو فوق ذلك يتدفق شفافية ويفيض أحاسيساً.
عندما تفتقد غزة رجلاً من رجالها الأفذاذ الذين ما استكانوا يوماً في الدفاع عن كرامة أمة ضلّلها حكامها، وشوّهها ظُلاّمها، يحق لها أن تحزن، وأن تبكي لفراق حبيبٍ ظلّ على العهد، فحفظت له الأرض الجميل الذي لم يُطلب منها.
خمسون عاماً هي سنوات حياته التي مزج فيها بين الجانبين، السياسي والعسكري. يصفه كثيرون بالهدوء والثقة بالنفس، ويجمعون على أن هدوءه سر قوته. خطب في مساجد كثيرة في قطاع غزة، أشهرها مسجد اليرموك في غزة.
آخر خطبه كانت التي دافع فيها عن حركة حماس، وكان العدو الإسرائيلي يضع اسمه على رأس قائمة الاغتيالات.
عرفه العالم عربياً أصيلاً ومسلماً مؤمناً مناضلاً شجاعاً صلباً ومجاهداً مقاوماً قوياً عزيزاً لا تأخذه في الحق لومة لائم، مدافعاً عن أمته العربية والإسلامية وشعبه في فلسطين.
قارع الصهاينة والمتخاذلين من أبناء جلدته. دخل السجون والمعتقلات. تحمّل التعذيب بكل صنوفه، وتحمّل الأذى المعنوي بكل أشكاله.
ولقد شكل تولي القائد المجاهد سعيد صيام، "أبا مصعب"، وزارة الداخلية الفلسطينية نقطة تغيير في التاريخ الفلسطيني عامة، وقطاع غزة خصوصاً. فمنذ استلامه مهام منصبه، أحبه الصغير والكبير، ومضى يحارب الجريمة وتجارة المخدرات في غزة، فازداد حب الشعب له، فكان خير الرجال في زمن عز فيه الرجال، ولكن، على الطرف الآخر العملاء والخونة والمجرمين حاولوا النيل منه، ومن وزارته ففشلوا.
وكان ملفتاً أن سعيد صيام، وزير الداخلية الفلسطينية، هو الذي يرعى المقاومة، ويؤمّن التظاهرات والمسيرات، لا يقمعها، ويؤمّن عمل فصائل المقاومة، لا يقبض عليها ويعتقلها.
avata
avata
عـادل أبـو هـاشـم (الأردن)
عـادل أبـو هـاشـم (الأردن)