يشهد الشمال الأفغاني تطورات متلاحقة سياسياً وأمنياً في الفترة الأخيرة. ويخشى مراقبون من تحوّل هذه التطورات ومجمل الأوضاع في أفغانستان، إلى صراع "قومي" يعصف بالهدوء النسبي الذي تحظى به بعض المدن والقرى، شمالي أفغانستان.
قبل أيام شُكّل تحالف من ثلاثة أحزاب هي: حزب "حركة الوحدة"، بزعامة حاجي محقق، و"الجمعية الإسلامية" بقيادة وزير الخارجية صلاح الدين رباني، و"الحركة القومية" برئاسة نائب الرئيس الأفغاني الجنرال عبد الرشيد دوستم. سُمّي هذا التحالف بـ"حركة لأجل إخراج البلاد من المأزق". وكان ذلك نتيجة محاكمة دوستم في قضية الاعتداء الجنسي على شخص من عرقية الأوزبك، والتي أدت إلى إبعاده إلى تركيا، ولم تسمح له الحكومة بالعودة إلى أفغانستان.
وعلى الرغم من أن تأسيس التحالف حصل في تركيا، إلا أن إيران هي التي كانت خلفه، حسبما اعتبر معظم الأفغان. وتمّ تعليل السبب بـ"خشية طهران من سعي الرئيس الأفغاني أشرف غني بالتنسيق مع القوات الأميركية المتمركزة في أفغانستان، لتقويض نفوذها ونفوذ موسكو". لم تكتف الحكومة بمحاكمة دوستم فحسب، بل رفضت السماح لطائرة تقلّ دوستم بالهبوط في مطار بلخ في 18 يوليو/تموز الماضي، وأجبرتها على الهبوط في أوزبكستان ومن ثم العودة إلى تركيا، مما أدى إلى عرقلة جميع أنشطة التحالف الجديد.
وفي خضمّ هذه التهديدات، عقد عضو المجلس الإقليمي في بلخ، محمد أصف مهنمد، مؤتمراً صحافياً في كابول، الأسبوع الماضي، اتهم من خلاله عطاء نور بـ"الاختلاس والاختطاف واغتصاب الأراضي والفساد". كما قدّم ملفاً كاملاً حول ما اعتبره "ترويج نور للفساد". وفي اليوم التالي طلب مكتب المدعي العام تسليمه المستندات كي يجري التحقيق في القضية.
وبعد يومين توجه مهنمد إلى بلخ، فأمسكه مسلحون تابعون لنور في المطار، بعد مقاومة دامت ساعات بينهم وبين رجال الأمن، واقتادوه في دبابة إلى منزل حاكم الإقليم عطاء نور. وبعد خروجه من منزل الحاكم، عقد مهنمد مؤتمراً صحافياً، قال فيه إن "عطاء نور وابنه طارق ومسلحين، مارسوا ضده أنواعاً من الضرب وقطعوا أذنه، وطلبوا منه أن يقول أمام الكاميرا إن مسؤولين في الحكومة والاستخبارات طلبوا منه اتهام نور بالفساد". لكن ذلك أدى إلى ردّ فعلٍ عكسي، وكأن الحكومة الأفغانية كانت تنتظر مثل هذه الفرصة. إذ شكّلت لجنة من مسؤولين في الداخلية والاستخبارات ومكتب المدعي العام وعضو برلماني للتحقيق في القضية ومعرفة ملابساتها. ووصفت الرئاسة الأفغانية في أول رد فعل لها الحادث بـ"المأساوي" وأن "الحكومة لن تبقى صامتة إزاءها".
حادثة مهنمد، وُصفت بأنها "انتحار سياسي للجمعية الإسلامية، بقيادة وزير الخارجية صلاح الدين رباني، ولعطاء نور". مع إثارتها ردود فعل حادة، واعتبار البعض بأن الأمر هو "امتحان كبير للحكومة الأفغانية"، بينما رأى آخرون بأن "الحادث بداية لصفحة جديدة من التصدعات السياسية داخل الحكومة لأن الرئيس التنفيذي للحكومة عبد الله عبد الله سيدافع عن موقف عطاء نور والجمعية الإسلامية، فيما الرئيس الأفغاني لا بد من أن يفي بوعده حيال قضايا كهذه، وقد فعل ذلك سابقاً في حق نائبه الجنرال عبد الرشيد دوستم".
وضمن ردود الأفعال دعا "الحزب الإسلامي" بزعامة قلب الدين حكمتيار، إلى محاكمة "عطاء نور لأنه لم يحترم كل المعايير الخلقية للبلاد وقوانينها، ولا بد من ملاحقته". وهدّد الحزب كذلك بأنه "إذا حاولت الحكومة تهميش الحادث أو سعت لإهماله، فإن الحزب الإسلامي سيقوم بنفسه وسيتخذ ما يستدعيه الموقف".
كما شدّد "الحزب الإسلامي"، في بيان له، على "تنفيذ القانون على جميع أفراد الشعب، لا سيما على كبار المسؤولين وعلى من بيدهم السلاح". وقال قلب الدين حكمتيار إن "رقابة القانون لا بد أن تصل إلى كل أطراف البلاد، وإلى جميع الشخصيات من دون استثناء"، آملاً في الوقت نفسه أن "تتخذ الحكومة الإجراءات اللازمة بهذا الخصوص".
كما جاء في البيان، أن "ما يقوم به عضو المجلس الإقليمي أصف مهنمد هو بتكليف من عناصر في الحكومة لأجل القضاء على نفوذ الجهاديين، لا سيما في الشمال الأفغاني". ونوّه البيان إلى أن "دور عطاء نور مهم وبارز في إحلال الأمن في الشمال"، مهدداً في الوقت نفسه أن "الوضع في الشمال سيتأزم أكثر إذا ما سعت الحكومة لمحاكمة نور". في هذا الإطار، اعتبر قياديون في "الحزب الإسلامي" أن "لدى نور عصابات مسلحة يستخدمها باسم طالبان لأجل الحصول على مصالحه".
وبالنظر إلى مجريات الأحداث في المنطقة وتدخل إيران وروسيا في الشؤون الأفغانية واتهامهما من قبل القوات الأميركية والحكومة الأفغانية بـ"السعي لإرباك الوضع"، فإن سياسة واشنطن في أفغانستان تهدف إلى تقويض نفوذ الموالين لطهران وموسكو والقضاء على كل من يتهم بالولاء لهما، وذلك خوفاً على حكومة أشرف غني، الحليف المعتمد لواشنطن.
وكانت بداية حملة التقويض بمحاكمة دوستم، الذي عمل سابقا مع الاستخبارات السوفييتية، أما نور فقد طلب من القوات الدولية "الحياد فيما يخص الصراع بينهم وبين الرئيس الأفغاني"، معتبراً بأن "القوات الدولية والأميركية استخدمت الأفغان ثم رمتهم جانباً بعد تأمين مصالحها".