السيسي لم يخطئ

05 فبراير 2018
+ الخط -
بكلمات بسيطة، قالها عبد الفتاح السيسي، في خطابه أخيرا، إذ استطاع أن يلخص الحالة المتدهورة في الحياة السياسية، والموقف الإقليمي لمصر في السنوات الأربع الماضية. حيث تبرأ من الصفة الوحيدة التي لا يمكن لأي رئيس جمهورية أن يتبرأ منها، وهي صفة السياسي.
لم يخطئ الجنرال حين قال إنه ليس سياسيا، أو كما جاءت علي لسانه نصا "أنا مش سياسي بتاع الكلام". السيسي بتلك الكلمات يمثل النظرة العسكرية للساسة عامة، والمعارضين منهم خصوصا. كما أنّه يوضح النظرية التي يتبعها النظام العسكري لإدارة البلاد منذ وصوله إلى الحكم في يوليو/ تموز 1952، فهو يفتقر إلى نظام سياسي حديث، يتعامل به في الشؤون الداخلية والإقليمية للبلاد، معتمدا على نظرية البقاء للأقوى في إدارة البلاد، من دون أي حكمة سياسية أو إدارية، وهي النظرية نفسها التي أتبعها كائن الديناصور في صراعه مع البيئة، لكنه غفل أن البقاء للأصلح!
لم تشهد مصر من قبل حالة من التدهور والفقر السياسي، كما شهدتها تلك الأيام، فعلى الرغم من أنّها مرّت بصور ديكتاتورية عديدة، وعلى الرغم من أن صورة الستينات وحالات القمع التي شهدتها مصر آنذاك تظل خالدةً في تاريخ الساسة المصريين، وهي الحالة التي يستشهد بها بعضهم لتبرئة النظام الحالي من صفة الأسوأ، لكننا إذا وضعنا الحالتين في مقارنة، يتفوق نظام السيسي بامتياز لعدة أسباب:
أولا، سيطر على العالم في الستينات من القرن الماضي فكرة النظام الشمولي المركزي، أي الحزب الواحد اللاتنافسي، فتأثرت مصر بتلك التجربة.
ثانيا، لم تكن العولمة تعرف النور في تلك الحقبة، فكان يصعب معرفة ما يدور في دول العالم الثالث، وهي الحجة التي استند عليها الحكام في التمادي في ديكتاتوريتهم، مطمئنين أنهم معفيون من أي ضغط دولي أو تأثير في الرأي العام العالمي.
لكن مع التقدم العلمي والتكنولوجي الذي شهده العالم في العقد الأخير خصوصا، إضافة إلى توغل العولمة ونتائجها في الدول النامية. أصبح من السهل متابعة أحداث العالم بأكمله، والتأثير في الرأي العام بأكمله، بضغطة زر واحدة أو "هاشتاغ".
لكن في وسط ذلك الزخم من المعرفة والمتابعة الإعلامية، لم يخجل النظام المصري الحالي من التعامل مع كل الأمور السياسية والإقليمية في مصر، بالنظام التقليدي نفسه، الموروث من التجربة العسكرية القديمة من دون مراعاة عامل الزمن.
لهذا لم يخطئ الجنرال، حين قال "لست سياسيا"، فالحالة التي شهدتها مصر في عصره من خمول سياسي وتدهور إقليمي لا تمت للسياسة بأي صلة. فالطريقة التي تعاملت بها الدولة المصرية في ملفاتها الداخلية مع المعارضة السياسية والفقر الدبلوماسي الواضح في الملفات الإقليمية خير دليل على عدم امتلاك رأس الدولة الحالي للحنكة السياسية، وتأكيد لما اعترفت به "أنا مش سياسي بتاع الكلام".
475B64D7-1E32-4367-9839-86F6D906C678
475B64D7-1E32-4367-9839-86F6D906C678
أحمد مصطفى (مصر)
أحمد مصطفى (مصر)