السيسي: الشيء ونقيضه
تحدّث كي أراك
فأحاديث المرشح الرئاسي في مصر، عبد الفتاح السيسي، كشفت بصورة قاطعة، عن رؤية الرجل القادم إلى قصر الاتحادية، وربما كشفت أكثر غياب هذه الرؤية، أحياناً، وارتباكها في معظم الأحيان.
شفَّت بعض التسريبات التي أذيعت منذ 3 يوليو/ تموز 2013، وحتى وقت قريب، عن بعض ملامح الرجل، وإن ظل الاجتزاء، والاختزال، يفرض علينا أن ننتظر حتى يتحدث الرجل، الذي آثر أن يؤجل، ثم يؤجل، هذا حتى آخر لحظة ممكنة.
إذا أردتَ عنواناً صحافياً يوجز انطباعي الشخصي عن اللقاءات الأولى للمرشح الرئاسي السيسي، فيمكن أن أختار بين عدة عناوين، أبرزها في تقديري، السيسي: الشيء وضده. فالرجل الذي أتى محمولاً على شرعية تظاهرات 30/6/2013 هو الذي يرى في مايو/ أيار 2014 التظاهرات عملاً غير شرعي، وغير مقبول، مزيحاً السلّم الذي صعد عليه إلى صدارة المشهد.
الرجل الذي قال إن احترام إرادة المصريين أشرف من رئاسة الجمهورية هو الذي يرفض حقهم في التعبير عن إرادتهم، ولو بالتظاهر السلمي.
الرجل الذي قال يوم 3/7 إنه فعل ما فعل لمواجهة الإقصاء، وراء حرية الإعلام، هو الذي أعلن أنه لا وجود لتيارات وأحزاب بعينها بوجوده رئيساً. لم يسع إلى أي درجة من درجات الاتّساق مع أقواله السابقة عن دولة القانون، وعدم التدخل في شؤون القضاء، وهو يتحدث عن إلغاء أو حظر أفكار لا تروق له، من دون أدنى إشارة إلى القانون والقضاء.
بدا الرجل في حديثه الواحد بنبرتين، الأولى رومانسية، حالمة، تعبّر عن وداعة ورقة مشاعر، والثانية غليظة ومتعجرفة، أحياناً، وصادمة في أحيان أخرى، وبالشكل الذي يجعلك لا تعرف: هل هو رجلٌ سمح ومتسامح، أم العكس.
فجأة، يتقمّص الرجل شخصية أنور السادات الذي يزوره في الأحلام، ويتبنى نهجاً ساداتياً في التعامل مع الغرب والأميركان، وفخره بثقتهم في شخصه، وثقته فيهم، إلى الحد الذي يحمله لأن يكاشفهم في مارس/ آذار 2013، بانتهاء مرحلة محمد مرسي قبل شهور من 30/6. وفجأة يتقمّص العكس، شخصية عبد الناصر، وهو يتحدث عن العلاقات مع الاتحاد السوفياتي، وعن محاولات اغتياله، والتي لم نسمع عنها إلا من حديثه الأخير، ولا نرى لها أثراً في المحاكم، أو النيابات.
إذا كان الرجل صادقاً، وتعرّض، فعلاً، لمحاولتي اغتيال، فلمَ لم يعلن عنهما وقت حدوثهما، وماذا حصل مع الجُناة، هل حوكموا سراً؟ أم لم يحاكموا أصلاً؟ ولماذا سبق أن نفى هذه الشائعة؟
الرجل الذي قال لجهاد الخازن (صحيفة الحياة) إن المصالحة واردة مع الجميع، شرط نبذ الإرهاب، هو الذي قال عكس هذا مع إبراهيم عيسى! هو نفسه الذي غيّر في كلامه مرة أخرى في لقاء رؤساء تحرير الصحف. يحدّثنا بفخر عن استعانته بالعلماء، والخبراء، في المجالات كافة، هو نفسه الذي حدّثنا عن حلول لأزمة البطالة، بتمليك ألف شاب سيارة لبيع الخضروات! كأنه لا يعرف أن هذا "الاختراع" العبقري يقوم به بنك ناصر الاجتماعي منذ عشرات السنوات، ودخل في الاتجاه نفسه الصندوق الاجتماعي، ومعظم هؤلاء الشباب انتقلوا من طابور البطالة فعلاً، وثمة طابور للصادرة ضدهم أحكام، بسبب عدم قدرتهم على سداد الأقساط والديون، للصندوق الاجتماعي وبنك ناصر.
ذكرني اختزال السيسي أزمة الطاقة في استيراد "لمبات" توفير، وتوزيعها على البيوت، بوزير الكهرباء الأخير في زمن حسني مبارك، والذي علّل أزمة الطاقة بأن المصريين يفتحون أبواب الثلاجة من دون أن يكون لديهم قرار مسبق ماذا يريدون من داخل البراد أو الثلاجة، ما يضيف أعباء على الاستهلاك. وما قاله السيسي عن أزمة الطاقة ليس إلا تناقضاً مع انطباع، يروّج له، أنه يملك رؤية لكل مشكلة وحلولاً حقيقية.
فالرجل لم يحدثنا، مثلاً، عن مصادر الطاقة البديلة، ولم يحدثنا، مثلاً، عن تصدير الغاز إلى إسرائيل وإسبانيا والأردن، وأثر ذلك على ثروتنا التي تنضب من الطاقة، ولم يشر من قريب ولا من بعيد، إلى استهلاك المصانع كثيفة الاستهلاك للطاقة وغيرها.
إننا أمام مئات الأمثلة لحالة من حالات عدم الاتساق الفكري، والسياسي، والمعرفي، حالة من الشيء وضده، والشيء ونقيضه، تنذرنا بخطر حقيقي، في وقت حرج، لا تحتمل فيه مصر الهزل في موضع الجد.
سألت بعض الأصدقاء، للتأكد من انطباعي الشخصي، هل شاهدتم حديث السيسي؟ فقال لي أحدهم إنه لم يحضره، ولن يفوته الكثير، وقطعاً سيشاهده مراراً في الإعادات التي قد تستمر أربع سنوات.