السياحة التونسية تستعيد وهجها

17 ديسمبر 2014
السياحة تحتاج إلى تنويع المنتج (فتحي بلايد/فرانس برس)
+ الخط -
خلال السنوات الثلاث الماضية، التي أعقبت هروب الرئيس المخلوع، زين العابدين بن عليّ، شهدت تونس العديد من الهزّات السياسيّة التي انعكست على أداء الاقتصاد الوطنيّ مسبّبة تراجعا هائلا في العديد من المؤشّرات، كنسبة النموّ والتضخّم وسعر صرف الدينار التونسي وغيرها من المؤشّرات التي تطال جميع القطاعات من دون استثناء.

قطاع واعد
ولكنّ الحركة التي شهدتها البلاد خلال الصيف الماضي، والتي جاءت انعكاسا للاستقرار السياسي نسبيا في البلاد، أعادت تسليط الضوء على السياحة، كقطاع قادر على استنهاض الاقتصاد.
فلقد تطوّر القطاع السياحيّ في تونس منذ الاستقلال بفضل تركيز جهود الدولة على تنمية هذا القطاع، وجعله ركيزة أساسية في مخطّطات التنمية. وهو ما جعله الأبرز من حيث القدرة التشغيليّة ونسبة المساهمة في إجمالي الناتج الوطني وفق ما يؤكد مدير ميناء الحمامات الدولي، والخبير في المجال السياحيّ، عمر أنيس الزرماطي.
ويشير الزرماطي، لـ "العربي الجديد"، إلى الأثر الاقتصادي للسياحة في زيادة الإيرادات من النقد الأجنبي والذّي بلغ سنة 2013 حوالى 2.8 مليار دينار تونسي، بحسب بيانات البنك المركزي التونسي؛ "مما يعطي الدفع اللازم للتنمية بتوفير أكبر قدر من العملات الأجنبية التي ينفقها السياح خلال مدة إقامتهم على مختلف الخدمات والسلع السياحية وغير السياحية".
ويضيف الزرماطي أنّ السياحة تلعب دوراً كبيراً في التشغيل، "إذ تساهم بفاعليّة في الحدّ من البطالة، وتوفير فرص عمل مباشرة تجاوزت في تونس الـ 400 ألف موظف وعامل، حسب الأرقام الصادرة عن الوكالة الوطنية للتشغيل. ويتوزع هؤلاء على عدد من المجالات، كشركات السياحة والفنادق والمتاجر الصغيرة المخصّصة لبيع الهدايا والمرشدين السياحيين، إضافة إلى خلق فرص عمل غير مباشرة تشمل العديد من القطاعات الأخرى كالقطاع الزراعي والصناعات الغذائية وقطاع المقاولات."
ويساهم القطاع السياحي بـ7% من الناتج الوطني الخام و يغطّي ما يقارب الـ60% من العجز التجاريّ، حسب نشريّة المعهد الوطني للإحصاء لسنة 2014.
وفي هذا السياق نفسه، يتناول نائب رئيس الجامعة التونسيّة للنزل، حبيب بوسلامة، في حديث مع "العربي الجديد"، موضوع تأثير القطاع السياحيّ في مختلف الأنشطة الاقتصاديّة، ليؤكّد أنّ للسياحة ارتباطاً وثيقاً بمختلف القطاعات الاقتصاديّة الأخرى، كقطاع الخدمات بما يشمله من خدمات النقل والاتّصالات، والقطاعات التجاريّة والزراعية والصناعيّة.
فقطاع السياحة يعتبر المصدر الثانيّ الرئيسيّ للبلاد من العملات الأجنبيّة، بعد الصناعات التصديريّة، وذلك بما ينفقه السائح على السلع والخدمات من هذه العملات، وهو ما يوفّر السيولة اللازمة لاستيراد السلع والخدمات ورفع الاحتياطيّ الوطني من العملة الأجنبيّة ممّا يؤدي إلى التقليل من التضخم وغلاء المعيشة. وقد استقبلت تونس رغم الظروف الأمنية والسياسيّة الصعبة في سنة 2014 ما يزيد عن ستة ملايين سائح، حسب ما نشرته وزارة السياحة.
كما تسهم السياحة في ارتفاع الاستهلاك ممّا ينعكس إيجاباً على نسق الإنتاج الفلاحي والصناعيّ ويؤدّي إلى ارتفاع المعاملات التجاريّة الداخليّة، وتنشيط السوق المحليّة، وازدهار قطاعات عديدة، من أبرزها قطاع الصناعات التقليديّة والصناعات التحويليّة وقطاع النقل بمختلف فروعه.
وترتكز السياحة في تونس على خدمات الفندقة، نظرا لبنية السياحة التونسيّة التي تعتمد النمط الشاطئيّ والسياحة الصيفيّة الموجّهة نحو المناطق الساحليّة. ويفسّر العامل في المجال السياحيّ منذ خمسين سنة، بشير ميلاد، أنّه "من الضروريّ اليوم أن نعيد النظر في النمط الكلاسيكيّ الذّي ارتكزت عليه السياحة التونسيّة، وهو السياحة الشاطئيّة، إذ لا بدّ من تنويع المنتوجات السياحية وخلق أنماط ترفيهية جديدة وتشجيع المستثمرين التونسيين الجدد في كلّ النشاطات المرتبطة بالقطاع السياحي من فندقة وترفيه بريّ وبحري ونقل جويّ."
ويلفت ميلاد، لـ "العربي الجديد"، إلى أنّ القطاع السياحيّ هشّ وحسّاس للغاية ويتأثّر بمختلف التغيّرات السياسيّة والأمنية والاقتصاديّة، لا في تونس فقط بل في العالم ككلّ. وهو ما يجعل أهل القطاع يحبسون أنفاسهم ويخضعون لضغوط رهيبة عند أيّة هزّة من أيّ نوع.
أمّا عن كيفيّة انتشال القطاع من عنق الزجاجة خلال هذه المرحلة الصعبة من تاريخ البلاد، فيقول الخبير في المجال الفندقي، مهدي العلاّني، إنّ البلاد لا تستقطب سوى 1% من السوق الأوروبيّة رغم أنّها تمتلك جميع المقوّمات والخصائص التّي تخدم القطاع مناخياً و جغرافياً وثقافيّاً.
ويشرح العلاني أنّ الفاعلين في المجال السياحيّ عجزوا عن استغلال تاريخ تونس ومخزونها الثقافيّ وموقعها الجغرافيّ لتنشيط الأنشطة التجاريّة، التّي تمنح بعدا جديداً للأنشطة السياحيّة وتمثّل عاملاً أساسيّا في تنشيط الدورة الاقتصاديّة. ويؤكد ضرورة العمل جديّاً على إصلاح القطاع السياحيّ والنهوض به، "ذلك أنّ هذا القطاع قادر لو استغلينا قدراته كلّها على انتشال تونس من الأزمة الاقتصاديّة التي تعيشها، ذلك أنّنا لا نستغلّ فعليّا سوى 10% من قدرات السياحة التونسيّة. وعلينا أن نراهن بجديّة على هذه الثروة المتجدّدة والتّي تعتبر رأسمالنا الحقيقيّ".
دلالات
المساهمون