18 نوفمبر 2024
السلطة الفلسطينية ومعاداة الربيع العربي
أرادت السلطة الفلسطينية الفلسطينيين خارج الربيع العربي، بالحجة التاريخية التي قادت فيها حركة فتح الساحة الفلسطينية، "عدم التدخل في الشؤون العربية"، وكأن الأنظمة العربية لم تتدخل في الشأن الفلسطيني على الإطلاق! وكأن منظمة التحرير كانت وفية لحجة عدم التدخل في الشؤون العربية، ولم تكن جزءاً من الصراع الدموي الذي شهدته الأردن في العام 1970، ولم تكن جزءاً فاعلاً وأساسياً في الحرب الأهلية اللبنانية سنوات عديدة.
لا يفسر الموقف الفلسطيني الرسمي المعادي للربيع العربي شعار "عدم التدخل في الشؤون العربية" التاريخي، بل يفسره تموضع السلطة الفلسطينية، في إطار النظام العربي، واندماجها في دور العضو الرسمي فيه. وبذلك تكون التحولات التي جرت على منظمة التحرير الفلسطينية، في العقود الأخيرة، خصوصاً بعد اتفاقات أوسلو، كرست السلطة الفلسطينية بوصفها جزءاً نهائياً من النظام الرسمي العربي، ولم تعد تشكل حالة تمرد على النظام الرسمي العربي، منذ زمن طويل. ويمكن إعادة هذا الاندماج إلى تحولات فلسطينية، بدأت منتصف السبعينيات، يوم الصراع على البرنامج المرحلي، الذي أسس للدخول الفلسطيني في النظام الرسمي العربي نهائياً، والاعتراف به ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني، على قاعدة شروط الحل التي فرضتها هزيمة 1967.
عندما جاء الرئيس محمود عباس إلى السلطة، كان هذا التحول قد انتهى منذ وقت طويل، وباتت منظمة التحرير، ومن بعدها السلطة الفلسطينية، جزءاً من النظام الرسمي العربي، جزءاً من تحالفاته وصراعاته واصطفافاته. وكان من الطبيعي لسلطةٍ تجد نفسها جزءاً من النظام الرسمي العربي أن تقف إلى جانب حلفائها من الأنظمة، فكان موقف السلطة سلبياً من الربيع العربي الذي انطلق من تونس، في مواجهة نظام تعتبره حليفها ومستضيف منظمة التحرير سنوات طويلة. عندما ضرب الربيع، مرة أخرى، أصاب زلزاله حليفاً وراعياً آخر للسلطة الفلسطينية، عندما انفجر في مصر، وأطاح حسني مبارك، واعتبرت السلطة الربيع العربي خسارة صافية لها بخسارة حلفائها العرب، وبتراجع القضية الفلسطينية إعلامياً أمام الانتفاضات العربية، بعد أن أصبح النضال الوطني الفلسطيني بالنسبة إلى السلطة هو الوجود في استديوهات الفضائيات حصراً.
إذا كان يمكن فهم موقف السلطة الفلسطينية من الربيع العربي، بوصفه أطاح أقرب حلفائها في العالم العربي، في تونس ومصر. فما لم يكن مفهوماً وقوف السلطة الفلسطينية مع النظام السوري، بذريعة "عدم التدخل في الشؤون الداخلية العربية"، حتى بعد سقوط آلاف الفلسطينيين السوريين برصاص النظام المتفجرة وبراميله، وفي أقبيته، ومحاصرة مخيمات وهدم أخرى. لم تدن منظمة التحرير، ولا السلطة، جرائم النظام السوري ضد الفلسطينيين، دع عنك إدانة
جرائمه في مواجهة الشعب السوري. وتركتا الفلسطينيين السوريين وحدهم في مواجهة المجزرة والتهجير الذي تعرضت له المخيمات الفلسطينية، أسوة بمدن سوريةٍ، عانت ما عانت من دمار وتهجير. وكان موقف السلطة خذلاناً مطلقاً للفلسطينيين السوريين الذين شعروا بغربة عميقة تجاه منظمة التحرير (ممثلهم الشرعي) التي لم تحرك ساكناً تجاه تخفيف معاناتهم، سوى تخصيص مليون دولار شهرياً ذهبت لجيوب مسؤوليها، وكلام إعلامي، عن طلب السلطة الفلسطينية من إسرائيل إدخال اللاجئين الفلسطينيين في سورية إلى الأراضي الفلسطينية، وهو ما رفضته اسرائيل، إلا بشرط التنازل عن "حق العودة"، وتوقيعهم على ما يفيد بذلك، ولم يؤكد أي مصدر إسرائيلي مثل هذه الواقعة، ما يجعل الواقعة التي تدعيها السلطة مجرد كلامٍ، لا أصل له، لذر الرماد في العيون.
معاداة السلطة الفلسطينية الربيع العربي، ووقوفها إلى جانب الجلادين موقف كاشف لطبيعة هذه السلطة وتحولاتها، وصولاً إلى دعم كل ما هو رديء في العالم العربي. في الوقت الذي شكلت فيه القضية الفلسطينية، على مدى عقود، عنواناً للعدالة، وعنواناً للتضامن مع المظلومين والضحايا، بوصف التضامن مع الضحايا واجباً أخلاقياً على الفلسطينيين، قبل غيرهم، بحكم الظلم الذي يتعرضون له منذ عقود. لذلك، بدا غريباً أن تقف السلطة الفلسطينية مع الأنظمة الاستبدادية القمعية الفاسدة، بوصفها ممثلاً للفلسطينيين ضحايا للاحتلال الإسرائيلي. ولكن، يبدو أن التحولات التي جرت على بنية منظمة التحرير، واندماجها بالسلطة الفلسطينية، جعلها أقرب إلى السلطات الاستبدادية القمعية الفاسدة، على الرغم من أنها سلطة غير مكتملة، سلطة على البشر دون الأرض. ولم تعد تمثل الضحايا بقدر ما باتت تمثل السلطويين الذين يتماهون مع غيرهم من السلطويين في العالم العربي.
حدث الانفصال بين منظمة التحرير وتمثيلها آلام الفلسطينيين بوصفهم ضحايا، منذ سنوات، وجاء الربيع العربي ليكشف الانفصام النهائي بين القابعين على رأس السلطة الفلسطينية، وبين القضية الفلسطينية بوصفها أبرز القضايا المعاصرة للظلم التاريخي الذي يقع على شعب. وبالتالي، لم تعد هذه السلطة تتناقض مع تطلعات ضحايا في العالم العربي قرروا الانتفاض على جلاديهم، فحسب، بل باتت تتناقض مع تطلعات الفلسطينيين أنفسهم، أيضاً، بوصفهم ضحايا يطالبون بحقوقهم الطبيعية، وهذه الحقوق التي لا يمكن الوصول إليها من دون الصدام مع الاحتلال الذي تشكل السلطة الفلسطينية حاجزاً بينهم وبين الصدام معه.
شكلت القضية الفلسطينية، على مدار عقود، عنواناً للظلم، وعنوانا للعدالة المفقودة، ومعركة طويلة لرفع الظلم عن الضحايا. ولذلك، هي، بكل المعاني، في قلب الربيع العربي ضد الظلم والاستبداد، ومن يقف معها يجب أن يقف ضد أي ظلم للبشر، وأصحابها أولى بهذه الوقفة، ولا يغير شيئاً من مكانة القضية الفلسطينية، الموقف الذي اختارته القيادة الفلسطينية لنفسها، بالوقوف إلى جانب الجلادين والمستبدين.
لا يفسر الموقف الفلسطيني الرسمي المعادي للربيع العربي شعار "عدم التدخل في الشؤون العربية" التاريخي، بل يفسره تموضع السلطة الفلسطينية، في إطار النظام العربي، واندماجها في دور العضو الرسمي فيه. وبذلك تكون التحولات التي جرت على منظمة التحرير الفلسطينية، في العقود الأخيرة، خصوصاً بعد اتفاقات أوسلو، كرست السلطة الفلسطينية بوصفها جزءاً نهائياً من النظام الرسمي العربي، ولم تعد تشكل حالة تمرد على النظام الرسمي العربي، منذ زمن طويل. ويمكن إعادة هذا الاندماج إلى تحولات فلسطينية، بدأت منتصف السبعينيات، يوم الصراع على البرنامج المرحلي، الذي أسس للدخول الفلسطيني في النظام الرسمي العربي نهائياً، والاعتراف به ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني، على قاعدة شروط الحل التي فرضتها هزيمة 1967.
عندما جاء الرئيس محمود عباس إلى السلطة، كان هذا التحول قد انتهى منذ وقت طويل، وباتت منظمة التحرير، ومن بعدها السلطة الفلسطينية، جزءاً من النظام الرسمي العربي، جزءاً من تحالفاته وصراعاته واصطفافاته. وكان من الطبيعي لسلطةٍ تجد نفسها جزءاً من النظام الرسمي العربي أن تقف إلى جانب حلفائها من الأنظمة، فكان موقف السلطة سلبياً من الربيع العربي الذي انطلق من تونس، في مواجهة نظام تعتبره حليفها ومستضيف منظمة التحرير سنوات طويلة. عندما ضرب الربيع، مرة أخرى، أصاب زلزاله حليفاً وراعياً آخر للسلطة الفلسطينية، عندما انفجر في مصر، وأطاح حسني مبارك، واعتبرت السلطة الربيع العربي خسارة صافية لها بخسارة حلفائها العرب، وبتراجع القضية الفلسطينية إعلامياً أمام الانتفاضات العربية، بعد أن أصبح النضال الوطني الفلسطيني بالنسبة إلى السلطة هو الوجود في استديوهات الفضائيات حصراً.
إذا كان يمكن فهم موقف السلطة الفلسطينية من الربيع العربي، بوصفه أطاح أقرب حلفائها في العالم العربي، في تونس ومصر. فما لم يكن مفهوماً وقوف السلطة الفلسطينية مع النظام السوري، بذريعة "عدم التدخل في الشؤون الداخلية العربية"، حتى بعد سقوط آلاف الفلسطينيين السوريين برصاص النظام المتفجرة وبراميله، وفي أقبيته، ومحاصرة مخيمات وهدم أخرى. لم تدن منظمة التحرير، ولا السلطة، جرائم النظام السوري ضد الفلسطينيين، دع عنك إدانة
معاداة السلطة الفلسطينية الربيع العربي، ووقوفها إلى جانب الجلادين موقف كاشف لطبيعة هذه السلطة وتحولاتها، وصولاً إلى دعم كل ما هو رديء في العالم العربي. في الوقت الذي شكلت فيه القضية الفلسطينية، على مدى عقود، عنواناً للعدالة، وعنواناً للتضامن مع المظلومين والضحايا، بوصف التضامن مع الضحايا واجباً أخلاقياً على الفلسطينيين، قبل غيرهم، بحكم الظلم الذي يتعرضون له منذ عقود. لذلك، بدا غريباً أن تقف السلطة الفلسطينية مع الأنظمة الاستبدادية القمعية الفاسدة، بوصفها ممثلاً للفلسطينيين ضحايا للاحتلال الإسرائيلي. ولكن، يبدو أن التحولات التي جرت على بنية منظمة التحرير، واندماجها بالسلطة الفلسطينية، جعلها أقرب إلى السلطات الاستبدادية القمعية الفاسدة، على الرغم من أنها سلطة غير مكتملة، سلطة على البشر دون الأرض. ولم تعد تمثل الضحايا بقدر ما باتت تمثل السلطويين الذين يتماهون مع غيرهم من السلطويين في العالم العربي.
حدث الانفصال بين منظمة التحرير وتمثيلها آلام الفلسطينيين بوصفهم ضحايا، منذ سنوات، وجاء الربيع العربي ليكشف الانفصام النهائي بين القابعين على رأس السلطة الفلسطينية، وبين القضية الفلسطينية بوصفها أبرز القضايا المعاصرة للظلم التاريخي الذي يقع على شعب. وبالتالي، لم تعد هذه السلطة تتناقض مع تطلعات ضحايا في العالم العربي قرروا الانتفاض على جلاديهم، فحسب، بل باتت تتناقض مع تطلعات الفلسطينيين أنفسهم، أيضاً، بوصفهم ضحايا يطالبون بحقوقهم الطبيعية، وهذه الحقوق التي لا يمكن الوصول إليها من دون الصدام مع الاحتلال الذي تشكل السلطة الفلسطينية حاجزاً بينهم وبين الصدام معه.
شكلت القضية الفلسطينية، على مدار عقود، عنواناً للظلم، وعنوانا للعدالة المفقودة، ومعركة طويلة لرفع الظلم عن الضحايا. ولذلك، هي، بكل المعاني، في قلب الربيع العربي ضد الظلم والاستبداد، ومن يقف معها يجب أن يقف ضد أي ظلم للبشر، وأصحابها أولى بهذه الوقفة، ولا يغير شيئاً من مكانة القضية الفلسطينية، الموقف الذي اختارته القيادة الفلسطينية لنفسها، بالوقوف إلى جانب الجلادين والمستبدين.