السلطة الفلسطينية وصفقة الوهم

22 فبراير 2020
المؤشرات تدفع بأن المشهد الفلسطيني يتهاوى(عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -
يقول سبط بن التعاويذي "إذا كان رَبُّ البيتِ بالدفِّ ضارباً .. فشيمةُ أهلِ البيت كلِّهِمُ الرَّقصُ"، بخلاف السياق الذي يدلل عليه المعنى فإنه يعني أن الرقص في زمان التعاويذي قائل البيت كان مذموماً، لكن الاستشهاد بالبيت هنا يفضي إلى انقلاب في الدلالة إذ إن الرقص مع إسرائيل لا يعني أن البيت كله يرقص.

على وقع إعلان صفقة القرن ذهبت السلطة ورجالاتها بعيداً في الرقص مع إسرائيل، وقررت الرقص مرتين الأولى في تل أبيب والثانية في رام الله، وعندما غضب أهل البيت خرج عليهم كاتب فلسطيني برتبة وزير سابق كان قد شارك في لقاءات تل ابيب واختار أن يكتب مقالاً في إحدى الصحف المحلية عن "اللقاء مع الإسرائيليين".

فجأة ودون سابق إنذار باتت اللقاءات بين السلطة وإسرائيل يومية، والمفارقة أن السلطة اختارت هذه اللقاءات عقب إعلان صفقة القرن، أي دلالة تلك وأي عمق وأي محددات يمكن فهمها في صناعة قرار اللقاءات، كيف يمكن الآن إقناع العربي في السودان أو العراق أو تونس أو المغرب أو السعودية أو الإمارات، بالخروج للتظاهر والتضامن مع فلسطين وقضيتها، كيف يمكن إقناعه بأن ما تفعله حكوماته بالتطبيع مع إسرائيل يضر بأمنه وحياته ودولته وهو يرى السلطة الفلسطينية تذهب إلى إسرائيل في عقر دارها.

لم يكن مطلوبا من السلطة الفلسطينية إعلان الحرب على إسرائيل كما لم يكن مطلوبا منها الهجوم على واشنطن، وقضية وقف التنسيق الأمني لم تحدث عندما أعلن ترامب القدس عاصمة لإسرائيل، لكنه لم يكن مطلوبا من السلطة أيضا عقد لقاءات وتقديم تعهدات لإسرائيل وأمنها في اليوم التالي لإعلان الصفقة، لأنه ببساطة شديدة لا يمكن أن ترفض الصفقة في الصباح وتلتقي بالإسرائيليين على الغداء. وتعيد التأكيد على العلاقات الأمنية مع الإسرائيليين والأميركيين، وتستقبل رئيسة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية جينا هاسبل في رام الله. لنكتشف أن مضامين اللقاءات كلها تلتقي مع ما تهدف وتسعى إليه صفقة القرن. ليستمر كذب السلطة وتتكشف الحقائق تباعا كل يوم.

مضامين اللقاءات والتعهدات لم تعد سراً وحتى لا يخرج وزير بمقال جديد ويتهمنا بالهجوم على السلطة ورئاستها، فإن تعهدات السلطة لضمان تمرير الصفقة تسوقها من عمق اللقاءات الكاتبة الإسرائيلية والمراسلة السياسية لصحيفة معاريف آنة بيرسكي، التي شاركت في جولة الصحافيين الإسرائيليين برام الله، وكان انطباعها أن هناك بشرى هامة ترسلها السلطة الفلسطينية للإسرائيليين مفادها أن التنسيق الأمني سيبقى مستمراً، حتى بعد إعلان الصفقة.
ولأن الانطباع لا يكفي فإن المراسلة الإسرائيلية نقلت على لسان الناطق باسم رئاسة السلطة نبيل أبو ردينة، وكتبت: "استمعنا نحن الإسرائيليين إلى كلام مهم جداً لدى لقائنا المسؤولين الفلسطينيين، خاصة من نبيل أبو ردينة، حين أكد أن التنسيق الأمني الفلسطيني الإسرائيلي سوف يستمر حتى بعد إعلان صفقة القرن للرئيس دونالد ترامب؛ لأننا جديون في هذا التنسيق".

خلاصة القول أن كل المعطيات والمؤشرات تدفع بأن المشهد الفلسطيني يتهاوى وأنّ السلطة في عين العاصفة ورغم ذلك تُسرع السلطة في حالة التهاوي بخطابها وفعلها، والمفارقة أنها وحدها الخاسر وتستمر في رهانها على سراب الوهم المسمى بالسلام وعملية التسوية.
المساهمون