31 أكتوبر 2024
السعوديون قادمون
أسبوع إبداعيٌّ سعوديٌّ بامتياز، ربما سيكلل غداً الجمعة في الدوحة بختامٍ من المسك، لحظة الإعلان عن النتيجة النهائية لمسابقة جائزة كتارا لشاعر الرسول، صلى الله عليه وسلم، فيكتمل الفرح في رحاب المملكة العربية السعودية على صعيدي النثر والشعر. فبعد ساعات قليلة من إعلان فوز الروائي السعودي الشاب، محمد حسن علوان، بالجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) في أبوظبي بنسختها العاشرة عن روايته البديعة "موت صغير"، أعلن عن فوز مجايله الشاعر السعودي، إياد الحكيمي، بجائزة أمير الشعراء، في نسختها السابعة أيضا، في أبوظبي أيضا، وكان منافسه الأول في المسابقة شاعر سعودي آخر، ينتمي للجيل نفسه، هو طارق الصميلي الذي حمل لقب الوصافة.
قبل هذين الإعلانين بيوم، أعلنت إدارة جائزة كتارا لشاعر الرسول صلى الله عليه وسلم في العاصمة القطرية عن تأهل ستة شعراء سعوديين من أصل ستة عشر شاعرا وصلوا إلى المرحلة الثانية من مراحل المسابقة، في شقيها الفصيح والنبطي، أي أن ثلث المتأهلين تقريبا هم سعوديون، وهو إنجاز تفرّد به شعراء السعودية، على الرغم من مشاركة معظم الدول العربية الأخرى بشعراء فاقت أعداد بعضهم عدد الشعراء السعوديين المشاركين. ولأنني حضرت معظم فعاليات هذه الجائزة في نسختيها؛ العامين الماضي والجاري، واطلعت على قصائد من تأهلوا بعد أن خرج من التصفيات من خرج ممن أعتبرهم يستحقون البقاء والمنافسة، أستطيع أن أخمن بأن السعوديين سيحصدون المراكز الأولى في واحد من فرعي المسابقة إن لم يكن في الفرعين.. بكل سهولة، ومن دون أن يثير ذلك استغراب أحد من المتابعين.
المصادفة وحدها جمعت مواعيد إعلان نتائج تلك المسابقات الشعرية والروائية في وقت واحد تقريبا، وفي عاصمتين عربيتين، لكنها مصادفة جميلة، لا تخلو من دلالة على أن المبدعين السعوديين في مجالات الكتابة قادمون، وبثقة عالية، إلى دائرة الاهتمام الإعلامي بالإنجازات الإبداعية، بعد فترة إهمال ظالمة، تعرّض لها معظم المبدعين الخليجيين، لأسبابٍ لا علاقة لهم بها، ولا ذنب، سوى أنهم خليجيون قدّر لدولهم أن تتأخر قليلا عن دائرة الضوء الإعلامي.
لا يأتي السعوديون، ولا الخليجيون، من فراغ إبداعيٍّ، عندما نلاحظ أنهم قادمون بقوة لاحتلال المكانة المفضلة في مساحة للإبداع العربي، فهم أهلٌ لتلك المكانة، باعتبارهم ورثة المكان والزمان، على اتساع الجزيرة العربية كلها؛ شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، حيث نبتت اللغة العربية، وأنبتت حولها فنونها الكتابية، جيلا بعد جيل. ولكنهم يأتون من فراغ إعلامي تاريخي، بدأ قبل عقود، لأسباب بدت معقولة إلى حد ما في حينها، لكنه تكرّس لاحقا حتى أصبح ما يشبه الواقع الذي استسلمنا له جميعا للأسف، ولم ننتبه إلى تبعاته القاسية على إنسان هذه المنطقة العربية، في كل مناشط حياته، حتى سنوات قليلة مضت، عندما صحونا لنكتشف أن طيوراً مهاجرةً كثيرة قد طارت بأرزاقنا فوق أرزاقها، توكيدا للنظرية الثقافية الاجتماعية التي سادت في الواقع العربي طويلا تحت شعار القلب والأطراف، أو المتن والهامش.
لكن، لحسن الحظ أن المواهب الحقيقية في الجزيرة العربية لم تعد تخضع لتلك النظرية السقيمة وأحكامها البائسة، وأن الإعلام وأدواته لم يعد حكرا على قلب الخريطة أو متن الواقع، كما يتصوّر أهل تلك النظرية، وإلا لما تعرّف القراء العرب في الخليج العربي، وخارجه أيضا، على أسماء شعرية وروائية خليجية شابة، برزت في السنوات الأخيرة، وعزّزتها الصورة الافتراضية الجميلة الني التقطت الأسبوع الجاري للمشهد الإبداعي السعودي.
مباركٌ لهؤلاء الشباب إنجازاتهم المبهرة.. وهنيئاً لنا، نحن القراء العرب، بهم.