16 نوفمبر 2024
السعودية وسلوك "جمهوريات الموز"
صرح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، في سبتمبر/ أيلول الماضي، إن بلاده ليست "جمهورية موز". ومنذ ذلك الوقت، توالت الأحداث التي تؤكد عكس ما قاله الوزير.
يحتار المرء في تعداد المظاهر التي يمكن من خلالها التأكد من الوضع المزري الذي وصلت إليه المملكة، بسبب سياسة قيادتها، بدءا من عملية الاغتيال الأغبى في التاريخ لقتل الكاتب جمال خاشقجي، مرورا بتغيير الرواية السعودية بشأن الحادث عدة مرات، في محاولة للتستر على الآمر الحقيقي للجريمة. وأخيرا الانتهاء إلى رواية مضحكة، أن فريق الاغتيال ذهب إلى القنصلية، لمحاولة إقناع خاشقجي بالعودة، وأن قائد الفريق قرّر، من تلقاء نفسه، أن يقتله، حال فشلت عملية التفاوض، وأن ولي العهد، محمد بن سلمان، لم يكن على علم بأيٍّ من ذلك، سواء بعملية التفاوض أو القتل. ذلك أن معرفته بالعملية تجعله شريكا فيها، وعدم معرفته بتحرّكات كل هؤلاء المسؤولين رفيعي المستوى تمثل كارثة أكبر، إذ تصوّره بمظهر من لا يدري شيئا عما يحدث في بلاده المفترض أنه يسيطر عليها بقبضةٍ من حديد، وبالتالي لا يصلح لمنصبه. وفي الحالتين، نحن أمام حالة نموذجية من جمهوريات الموز.
لم تنجح أيٌّ من الروايات السعودية، متعدّدة النسخ في إقناع أي طفل، عدا بعضا من حلفاء المملكة من الجمهوريات والممالك التي تعيش على المعونات والأموال السعودية، وكانت الحالة الأبرز لرئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان، الذي أعرب عن أسفه لمقتل خاشقجي، لكنه أكد أن بلاده في حاجة ماسّة للأموال، ولذلك قرر حضور مؤتمر الاستثمار في الرياض. أما عن المؤسسات والشخصيات التي أيدت السعودية، فيكتفي هنا بذكر أمثلة نشرت وكالة الأنباء السعودية خبرا عنها تحت عنوان "تضامن إسلامي واسع مع السعودية ضد التهديدات التي تستهدفها"، فنجد أن تلك المنظمات شملت "جمعية رعاية حفظة القرآن الكريم بالمنيا" ومدرس في "معهد الإمام الشافعي بجيبوتي" والمشرف العام على "معهد الإمام الشاطبي بالسودان" وأحد المشايخ من كينيا لم يسمع به أحد.
وبعد أن أصبحت الفضيحة عالمية، وجدنا سلوكا سعوديا مثيرا للاستغراب، فقد أطلق بن سلمان ضحكاته عاليا، وقرّر مداعبة رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، بعد لحظات من إبدائه
الأسف على مقتل خاشقجي، بدون إبداء أي احترامٍ لدماء الرجل التي لم تجف بعد، مذكّرا الحريري بواقعةٍ سابقةٍ انتمت إلى سلوك جمهوريات الموز بامتياز، عندما احتجز الرجل، وأجبره على تقديم استقالته، واعتدى أحد رجاله المقرّبين عليه، فما كان من الأخير إلا أن انفجر بالضحك هو الآخر! وبدلا من أن يحقق النائب العام السعودي في قضية مقتل خاشقجي، إذا به يسافر إلى تركيا لتضييع الوقت، والمماطلة، والحصول على هاتف خاشقجي ومعرفة هويات الذين كان يتصل بهم، وضبطت الكاميرات عدة صناديق من الحلويات التركية الفاخرة التي حملها معه، وهو يعود أدراجه ظافرا بغنيمته! أما الملك سلمان نفسه، فرقص في أثناء جولته التي شملت عدة مناطق داخل المملكة في محاولةٍ لاحتواء آثار الجريمة على الداخل السعودي.
لم يكن قتل خاشقجي، وما تبعه سوى درة التاج لممارسات "الموز" السعودية، فقد وجدنا النائب العام السعودي المولع بالمكسّرات التركية يطالب، قبل أسابيع، بإعدام الشيخ سلمان العودة، بعد أن وجه إليه اتهاماتٍ تضمنت واحدة من أغرب التهم في التاريخ، "عدم الدعاء بما يكفي لولي الأمر"! وهو اتهام يواجهه آخرون من الشيوخ المعتقلين حاليا، ويخضعون لمحاكمات سرّية، لا تحدث إلا في جمهوريات الموز. كما تؤكد تقارير صحافية أن السلطات السعودية أجبرت زوج الناشطة المعتقلة، لجين الهذلول، على تطليقها بعد أن وجهت إليه عدة تهديدات. وصدرت صحف سعودية وفيها صور متهمين يُفترض أنهم أبرياء، حتى تثبت إدانتهم تحت عناوين، تصفهم بأنهم "خونة" و"عملاء السفارات".
المفارقة أن تأكيد الجبير أن السعودية ليست جمهورية موز جاء في سياق دفاعه عن موقف
المملكة بعد افتعالها أزمة كبيرة مع كندا، تضمّنت إجراءات سعودية غريبة، لا تحدث إلا في جمهوريات الموز، من قبيل إجبار جميع السعوديين على مغادرة كندا، حتى لو كانوا يدرسون فيها منذ سنوات، ويتبقى لهم عدة أشهر فقط على التخرّج، أو كانوا يعالجون في مستشفياتها من أمراض خطيرة، أو كانوا يستثمرون فيها ملايين الدولارات، أو يمتلكون فيها عقارات، وكأن السلطات تعامل مواطنيها باعتبارهم ملكا خالصا لها، تفعل فيهم كما تشاء، وهو سلوك يعود إلى مرحلة ما قبل الدولة أصلا.
إحقاقا للحق، يجب تأييد الجبير فيما ذهب إليه أن السعودية ليست جمهورية موز، إذ يجب أن نصطك مصطلحا جديدا يليق بالحالة السعودية الجديدة، لأنها ليست جمهورية فعلا، بل هي مملكة. وفي تلك الحالة، يمكن أن نعتبر السعودية تحت قيادتها الحالية "مملكة الموز".
يحتار المرء في تعداد المظاهر التي يمكن من خلالها التأكد من الوضع المزري الذي وصلت إليه المملكة، بسبب سياسة قيادتها، بدءا من عملية الاغتيال الأغبى في التاريخ لقتل الكاتب جمال خاشقجي، مرورا بتغيير الرواية السعودية بشأن الحادث عدة مرات، في محاولة للتستر على الآمر الحقيقي للجريمة. وأخيرا الانتهاء إلى رواية مضحكة، أن فريق الاغتيال ذهب إلى القنصلية، لمحاولة إقناع خاشقجي بالعودة، وأن قائد الفريق قرّر، من تلقاء نفسه، أن يقتله، حال فشلت عملية التفاوض، وأن ولي العهد، محمد بن سلمان، لم يكن على علم بأيٍّ من ذلك، سواء بعملية التفاوض أو القتل. ذلك أن معرفته بالعملية تجعله شريكا فيها، وعدم معرفته بتحرّكات كل هؤلاء المسؤولين رفيعي المستوى تمثل كارثة أكبر، إذ تصوّره بمظهر من لا يدري شيئا عما يحدث في بلاده المفترض أنه يسيطر عليها بقبضةٍ من حديد، وبالتالي لا يصلح لمنصبه. وفي الحالتين، نحن أمام حالة نموذجية من جمهوريات الموز.
لم تنجح أيٌّ من الروايات السعودية، متعدّدة النسخ في إقناع أي طفل، عدا بعضا من حلفاء المملكة من الجمهوريات والممالك التي تعيش على المعونات والأموال السعودية، وكانت الحالة الأبرز لرئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان، الذي أعرب عن أسفه لمقتل خاشقجي، لكنه أكد أن بلاده في حاجة ماسّة للأموال، ولذلك قرر حضور مؤتمر الاستثمار في الرياض. أما عن المؤسسات والشخصيات التي أيدت السعودية، فيكتفي هنا بذكر أمثلة نشرت وكالة الأنباء السعودية خبرا عنها تحت عنوان "تضامن إسلامي واسع مع السعودية ضد التهديدات التي تستهدفها"، فنجد أن تلك المنظمات شملت "جمعية رعاية حفظة القرآن الكريم بالمنيا" ومدرس في "معهد الإمام الشافعي بجيبوتي" والمشرف العام على "معهد الإمام الشاطبي بالسودان" وأحد المشايخ من كينيا لم يسمع به أحد.
وبعد أن أصبحت الفضيحة عالمية، وجدنا سلوكا سعوديا مثيرا للاستغراب، فقد أطلق بن سلمان ضحكاته عاليا، وقرّر مداعبة رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، بعد لحظات من إبدائه
لم يكن قتل خاشقجي، وما تبعه سوى درة التاج لممارسات "الموز" السعودية، فقد وجدنا النائب العام السعودي المولع بالمكسّرات التركية يطالب، قبل أسابيع، بإعدام الشيخ سلمان العودة، بعد أن وجه إليه اتهاماتٍ تضمنت واحدة من أغرب التهم في التاريخ، "عدم الدعاء بما يكفي لولي الأمر"! وهو اتهام يواجهه آخرون من الشيوخ المعتقلين حاليا، ويخضعون لمحاكمات سرّية، لا تحدث إلا في جمهوريات الموز. كما تؤكد تقارير صحافية أن السلطات السعودية أجبرت زوج الناشطة المعتقلة، لجين الهذلول، على تطليقها بعد أن وجهت إليه عدة تهديدات. وصدرت صحف سعودية وفيها صور متهمين يُفترض أنهم أبرياء، حتى تثبت إدانتهم تحت عناوين، تصفهم بأنهم "خونة" و"عملاء السفارات".
المفارقة أن تأكيد الجبير أن السعودية ليست جمهورية موز جاء في سياق دفاعه عن موقف
إحقاقا للحق، يجب تأييد الجبير فيما ذهب إليه أن السعودية ليست جمهورية موز، إذ يجب أن نصطك مصطلحا جديدا يليق بالحالة السعودية الجديدة، لأنها ليست جمهورية فعلا، بل هي مملكة. وفي تلك الحالة، يمكن أن نعتبر السعودية تحت قيادتها الحالية "مملكة الموز".