السعودية وإيران.. لعنة اليمن وسورية

23 نوفمبر 2018
+ الخط -
رحلت الطفلة أمل، رحلت بسبب حرب اليمن القذرة التي أطلقتها العربية السعودية قبل قرابة ثلاث سنوات عجاف، فلماذا تموت أمل، في اليمن الذي كان سعيدا حتى وهو فقير، قبل أن تنقضّ عليه طائرات وصواريخ وقذائف تحالفٍ لا يمكن أن يكون عربيا، فالعربي لا يقتل أخاه العربي، ولا يدفن أبناء أخيه العربي تحت الأنقاض، ولا يمكن أن تكون السعودية المصنفة الأولى في هدر الطعام عالميا قدمت لإطعام أطفال اليمن. لماذا يحولون حياة أطفال اليمن جحيما، فيما يصطحبون أطفالهم إلى رحلات الترف في العواصم الأوروبية، ويكبون الطعام في القمامة بقيمة خمسين مليار ريال سنويا، حسب إحصاءاتهم؟ لماذا حلال عليهم العيش بترف مع أطفالهم، حرام على اليمنيين والسوريين العيش فقط من دون ترف؟ لماذا الأب اليمني يموت، وهو ينظر إلى أطفاله يموتون جوعا؟ لماذا الأب الغزي في فلسطين يموت قهرا على أطفاله الجوعى، لماذا مات أطفال سورية، وشرد أطفال العراق؟ لأن حظهم البائس أنهم يعيشون في منطقةٍ تتصارع فيها دولتان، باسم الدين يقتلون، وباسمه يتحالفون مع الغرب، وباسمه يقطعون أوصال الأبرياء. إيران بطائفيتها ونهمها للاستحواذ على المنطقة، محمولة بأحقاد عفنة، والسعودية بعنجهيتها وكرهها كل ما هو غير سعودي، وعشقها كل ما هو "صهيوأميركي" يشكلان تهديدا للأمن والاستقرار في هذا الجزء من العالم.
بدل أن تكون الطفلة اليمنية، أمل حسين، رمزاً للفرح والحياة والمستقبل، جعلتها الحرب رمزاً للموت جوعاً، وبدل أن يهتم العالم بمأساتها، ويتحالف لنجدتها من جوعها وفقرها وتهجيرها من بيتها، لتعيش في خيمة من قش قبل موتها، يذرف الدمع عليها بعد فوات الأوان. 14 مليون 
جائع مهددون بالموت، هذه إنجازات عاصفة محمد بن سلمان، الذي يبدو أنه ليس متخصصا فقط في تقطيع أوصال الأوطان، بل والإنسان أيضا. وفي الجهة الأخرى، تواصل مليشيات إيران دعم نظام مجنون قتل شعبه، وهجر نصفه، ليكون السؤال: هل تعمل هاتان الدولتان منفردتين، أم أنهما جزء من لعبة الأمم؟
يلحظ الناظر إلى سلوك إيران أنها وسعت نفوذها، ومدت ذراعيها في المنطقة خلال سنوات التفاهم الأميركي الإيراني، أو "شهر العسل الإيراني الأميركي" كما يسميه بعضهم، فطهران التي عملت مع واشنطن في أفغانستان كوفئت في العراق. وعلى مر سنوات الصفاء الإيراني الأميركي صمتت واشنطن عن الانتهاكات التي مارستها طهران في بلاد الرافدين وغيرها، ما يعني، بشكل أو بآخر، حصولها على ضوء أخضر أميركي مسبق، طالما أنها تخدم مصالح الولايات المتحدة، ذلك الضوء الأخضر هو نفسه الذي منحته واشنطن للسعودية للعربدة في اليمن. وبالتالي فإن "الخصمين" يعملان، بشكل أو بآخر، كوكيل للولايات المتحدة الأميركية. صحيح أنهما يتحرّكان في هامش معين، لكنهما محكومان بالخطوط الأميركية العريضة التي تحدد المساحة التي ينبغي أن يلعب فيها كل حليف، فيما يحاولان التسابق للحصول على الاعتماد الأميركي كوكيل أعمال، بتقديم نفسيهما لاعبا إقليميا يمكنه ملء الفراغ الذي تركته أميركا في المنطقة، عقب انسحاب باراك أوباما التدريجي منها.
تفيد السنوات العشر الماضية بأن حالة الفراغ أو الفوضى التي أعقبت تحلل الأميركي من التزاماته فيها بأن "الجمهورية والمملكة" تخلتا عن سياستهما التي اتسمت بالمحافظة والتعقل، واندفعتا، بشكل مجنون، إلى العربدة وبسط النفوذ، فإيران التي بشّرت ثورتها العالم العربي بالحرية مارست أبشع أنواع القتل والاضطهاد والتصفية في العراق، أول بلد يخضع لسيطرتها، ثم سورية التي قمعت ثورة أبنائها. أما السعودية، فمارست أبشع أنواع التخريب عبر دعهما الثورات المضادّة مبكرا، ثم حربها في اليمن. وقبل ذلك، تدخلها السلبي في سورية بإذكاء الحرب الأهلية هناك، بدلا من دعم الثورة.
وفي ظل سقوط هاتين الدولتين التي عوّل عليها شباب المنطقة ونخبها سنوات، يبدو أن لا 
نهضة عربية من دون مصر، فهي التي قادت على مر التاريخ نهضة العرب، وما تشهده المنطقة من فوضى راهنة ما هو إلا نتاج غياب القاهرة، وتسلم دول غير مؤهلة قيادة شؤون العالم العربي، في وقتٍ أحدث الانسحاب الأميركي فراغا مفاجئا، لم تنجح الدول الإقليمية في ملئه، فاستعادة الاستقرار يتطلب استعادة القاهرة زمام القرار، وتخليص المنطقة من ويلات هذا الانفلات والتشظّي الذي تعيشه، فلا تعويل على السعودية التي يقودها "جزار"، ولا على طهران المسكونة بالثأر "لرأس الإمام". وإذا لم تتقدم القاهرة، وتعود إلى قيادة العالم العربي، وبالنظر إلى الدول المحيطة، يبدو أن تركيا وحدها المؤهلة لاستعادة زمام الأمور في الإقليم، إذا تأخرت القاهرة عن ذلك، فعلى الرغم من تدخلات تركيا في عدد من الملفات، إلا أنها حافظت على التدخل عبر القوى الناعمة، من دون التورّط مباشرة في جرائم كالتي تورّطت فيها الرياض وطهران.
C2A96DF8-EEBE-40B9-B295-1C93BEABA19C
محمد أمين
كاتب وإعلامي فلسطيني مقيم في لندن، أكمل الماجستير في الإعلام في جامعة برونل غرب لندن.عمل صحافياً ومنتجاً تلفزيونياً لعدد من البرامج التلفزيونية والأفلام الوثائقية لصالح عدد من القنوات العربية والأجنبية، يكتب حالياً في شؤون الشرق الأوسط ويختص في الشأن الفلسطيني.