السعودية في العراق والمستفيد إيران

31 أكتوبر 2017
+ الخط -
بدايةً، ليس كاتب السطور التالية ضد أي وجود عربي في العراق، كون هذا الوجود يعزّز من هوية هذا البلد وانتمائه، ويكون معادلا، ولو بالحد الأدنى، للوجود والتغلغل وحتى السيطرة الإيرانية التي بدأت منذ عام 2003 عقب الغزو الأميركي للعراق، ولكن الموقف هو ضد أن تبنى أساطير وأحلام وحكايات خرافية لا علاقة لها بأرض الواقع، لا من قريب ولا من بعيد ، من قبيل أن الوجود العربي سينجح في استعادة العراق من إيران.
شهد العراق، قبل أيام، انفتاحا سعوديا من نوع جديد، ربما من طراز خاص، تمثل في إعلان المجلس التنسيقي السعودي العراقي. وفي دلالة على أهمية المجلس، تم التوقيع على بنوده في الرياض، بحضور ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، وبمباركة الولايات المتحدة التي أوفدت وزير خارجيتها، ريكس تيلرسون، ليتوسط المشهد بين الاثنين.
سبقت المجلس الجديد زيارة أكبر وفد من رجال الأعمال السعوديين إلى العراق على متن الخطوط الجوية السعودية بعد 27 عاما من توقف حركة الطيران السعودي إلى بغداد، حيث شارك الوفد في فعاليات معرض بغداد الدولي لأول مرة، وخصص للسعودية أكبر جناح في
المعرض السنوي، وحظي الوفد السعودي باستقبال كبير من العراقيين، واحتفي بهم أيما احتفاء، حتى تدفعك تلك الصور إلى السؤال: أليس هؤلاء من كان يطلق عليهم في العراق قبل أشهر قليلة وهابيين وتكفيريين؟ أليست بغداد ومليشياتها وحكومتها من طلبت من السفير السعودي، ثامر السبهان، المغادرة، وهددت مليشيات باغتياله؟ أين الإعلام العراقي المدعوم إيرانيا، وحتى الحكومي الذي لطالما اتهم السعودية بتصدير الإرهابيين والدواعش؟ كيف تغير كل شيء بين يوم وليلة، وصارت السعودية حبيبة الكل؟
إنها اللعبة الإيرانية، أيها السادة. تجيد اللعب على كل المتناقضات، وكل الحبال بخفة ورشاقة، لا تعود إلى طبيعة تكوينها وحسب، وإنما أيضا تعود، بالدرجة الأساس، إلى غياب الآخر عن الملعب بشكل نهائي تماما، فلا مشروع عربي يقابل المشروع الإيراني.
عندما زار العبادي السعودية، للتوقيع على المجلس الجديد، لو طالعت الإعلام الإيراني لعرفت أن هذه الزيارة وهذا المجلس كانا مباركين من طهران، وأن إيران من شجعت العراق للاستجابة للرغبة الأميركية بانفتاح سعودي على العراق، وإلا فإن مفاتيح العراق ما زالت إيرانية وبامتياز.
عزلت السعودية نفسها عن العراق 14 عاما، علما أنها كانت الأقدر، أو هكذا يُفترض أن يكون، على لعب دور محوري في عراق ما بعد صدام حسين، فمن غزا العراق هي حليفتها الأهم والأبرز، أميركا. وبالتالي، فإن عملية دخولها العراق لملء فراغ ما بعد النظام السابق كان أمرا ممكنا، لكنها لم تدخل، بغض النظر عما إذا تم ذلك برغبتها أو رغما عنها.
الأكثر من ذلك، أغلقت السعودية أبوابها أمام العراقيين، تيارات سياسية أو فكرية أو ثقافية، بل إنها لم تعمل حتى على استقطاب الكفاءات العراقية المميزة التي شرّدها الاحتلال، وبقيت فريسة الاغتيال والخطف والتشرّد في المنافي، وأيضا لم تكن السعودية قادرةً حتى على أن تشكل لها محورا من خلال حركات عراقية وطنية عديدة، كانت ترفض الاحتلال، ولديها مشروع وطني لإنقاذ العراق، بعيدا عن هيمنة إيران، ولنا في هيئة علماء المسلمين مثال صارخ على التعامل السعودي الغريب مع الملف العراقي.
اليوم، وبعد أن شكلت إيران قوتها في العراق، وجعلت منه ليس بلدا تابعا لها، وإنما حديقتها الخلفية التي تزرع فيها ما تشاء، جاءت السعودية. وللعلم، حتى هذا الحضور السعودي كان بطلب أميركي، ولم يكن سياسة سعودية خالصة، تسعى إلى مواجهة نفوذ إيران.
باتت المليشيات الشيعية المدعومة من إيران تهدد السعودية ليل نهار، بل وصلت بها الوقاحة إلى تهديد المملكة بالغزو. ونتذكر تصريحات قادة تلك المليشيات، إلى وقت قريب، وهي تتوعد الرياض بالصواريخ والتفجيرات، بينما كانت حكومة بغداد تغض الطرف عن تلك التصريحات، ولا تحرك ساكنا، في موافقة ضمنية عليها.
اختلف الحال بعد قمة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في الرياض، وبدأت عجلة التقارب تتسارع. السعودية تذهب إلى العراق، على أمل أن تكون ندا لإيران، وإن تقلص من خطرها على حدودها. ولكن، بعد ماذا؟

يشبه ما يجري في العراق اليوم ما جرى في لبنان، يوم أن دفعت السعودية، وما زالت تدفع، المليارات لحلفائها، بينما الكلمة الفصل لحزب الله، مليشيا إيران القوية التي تحكم لبنان الذي يهدّد السعودية ليل نهار، بينما لا تجرؤ حكومة الحليف، سعد الحريري، حتى أن تستنكر تلك التصريحات.
سيستفيد العراق من الاستثمارات السعودية، ولكن بقدر ما تحققه تلك الفائدة من مصالح إيران في العراق، فالخزينة العراقية تعاني من جراء الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، وتعاني من فساد طاول ملياراتها، والشعب متذمر من سياسيي إيران الذين يحكمون العراق. واليوم بات لزاما البحث عن منفذ، ينقذ الاقتصاد العراقي، لا رغبة بإنقاذه، وإنما رغبة في إنقاذ سياسيي إيران من العراقيين، فإنعاش الاقتصاد، ولو بالحد الأدنى، سيصب في صالح العملية السياسية الفاقدة أي شرعية. بمعنى آخر، استمرار بقاء نفوذ إيران في العراق.
ختاما، نكرّر للأشقاء في السعودية، نرحب بكم في العراق، ولكن يوم يكون قرار حضوركم هو قراركم. أما والحال كما جرى، فاعلموا أنكم ستزرعون وستحصد إيران الثمار، فلا تعوّلوا على المال وحده، لإنقاذ أنفسكم من مخلب إيران في العراق.
96648A48-5D02-47EA-B995-281002868FD0
إياد الدليمي
كاتب وصحافي عراقي. حاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث. له عدة قصص قصيرة منشورة في مجلات أدبية عربية. وهو كاتب مقال أسبوعي في عدة صحف ومواقع عربية. يقول: أكتب لأنني أؤمن بالكتابة. أؤمن بأن طريق التغيير يبدأ بكلمة، وأن السعادة كلمة، وأن الحياة كلمة...