السعودية تخوض حرب اليمن... والإمارات تجني المكاسب

05 يونيو 2019
دخلت الحرب عامها الرابع من دون أفق (محمد حمود/Getty)
+ الخط -

ما إن أعلن وزير الدفاع السعودي السابق، ولي العهد الحالي، الأمير محمد بن سلمان في أواخر شهر مارس/ آذار عام 2015 عن إطلاق عملية "عاصفة الحزم" في اليمن، التي هدفت إلى إنهاء سيطرة جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) على العاصمة اليمنية صنعاء، وإعادة الحكومة اليمنية الشرعية بقيادة الرئيس عبدربه منصور هادي، حتى هلل السعوديون لهذه الحرب التي توقعوا فيها انتصاراً سريعاً وخاطفاً. كان السعوديون يمنّون النفس بحرب قصيرة بقيادة بن سلمان، الذي تولى والده سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في البلاد مطلع عام 2015، يشاركه في هذه الحرب ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، الطامح دوماً للتوسع والقضاء على ما يسميه "الإسلام السياسي". وسبق لبن زايد أن شارك مع العاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز في دعم الانقلاب ضد الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي في يوليو/ تموز 2013.

لكن هذه الحرب التي كان يفترض أن تكون خاطفة تحوّلت إلى وحل كبير غرق فيه النظام السعودي بشدة، إذ تعرض جيشه لخسائر كبيرة على طول جبهات القتال في حدوده الجنوبية. كما تعرضت السعودية لخسارة اقتصادية كبيرة تمثلت في زيادة المدفوعات العسكرية بشكل كبير، حتى أن "فورين بوليسي" قدرت تكلفة الحرب على السعودية في أشهرها الستة الأولى بـ725 مليار دولار، فيما قدرت مجلة "التايمز" البريطانية تكلفة الحرب بـ200 مليون دولار يومياً، في وقت يعاني فيه السعوديون من السياسات التقشفية وفرض ضرائب القيمة المضافة وارتفاع معدلات الأسعار وخفض الرواتب.

وجاءت هجمات الحوثي المتكررة بالصواريخ الباليستية على الرياض ومدن جدة ومكة لتضعف من الروح المعنوية للسعوديين، لكن تطور تقنيات الطائرات المسيّرة من دون طيار وقصفها لمواقع نفطية مهمة في ينبع والدوادمي وعفيف، ومن ثم مهاجمتها لمطارات نجران وجازان، جعلت السعوديين يعتقدون أنهم يواجهون الحرب لوحدهم على الرغم من وجود تحالف مع الإمارات.

وتدور حرب طاحنة في القرى الحدودية بين منطقتي صعدة (المعقل الرئيس لجماعة الحوثي) ومنطقة نجران جنوب السعودية، حيث تتوغل المليشيات الحوثية داخل الأراضي السعودية بشكل متكرر وتغير على مواقع الجيش السعودي مكلفة إياه خسائر كبيرة، بينما تبدو الإمارات بعيدة عن مواطن الصراع الحدودي مع اليمن، لعدم امتلاكها شريطاً حدودياً يربطها به، على الرغم من أن مطارها تعرّض لهجمة بطائرات مسيرة في يوليو/تموز 2018.

وخلال الحرب سيطرت الإمارات على جنوب اليمن وعلى الموانئ فيه، كما أنشأت المجلس الانتقالي الجنوبي ذا التوجهات الانفصالية برئاسة محافظ عدن السابق عيدروس الزبيدي وقوات "الحزام الأمني" وقوات "النخبة الشبوانية" لضمان السيطرة على جنوب اليمن. واستطاعت الإمارات الاستئثار بالثروات اليمنية والتعامل مع الجنوب اليمني على أنه أرض تابعة للإمارات ومنطقة "مجال حيوي" لها، كما رأى خبراء استراتيجيون. وبنى الإماراتيون سجوناً سرية في جنوب اليمن لاعتقال وتعذيب معارضي تواجدهم على الأراضي الجنوبية.



ويسعى الإماراتيون إلى تقسيم اليمن إلى شمال وجنوب وتحريض سكان جنوب اليمن على التمرد ضد الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي. وهو أمر بدا واضحاً من خلال دعم الزبيدي ونائبه السلفي هاني بن بريك، على الرغم من أن هادي قد أقال الأول من منصبه كمحافظ لعدن، كما أقال الثاني من منصبه كوزير دولة في 27 إبريل/نيسان 2017. وكان هادي أحال بن بريك للتحقيق، دون الكشف عن أسباب تلك الإحالة. في الوقت نفسه تحمّلت السعودية مواجهة عبء الشمال اليمني بعدد سكانه الضخم وشريطه الحدودي الكبير معها، وجغرافيته الجبلية الوعرة مما منعها من التقدم فيه أو حتى السيطرة على مدينة واحدة منه على الأقل.

وبلغ عدد القتلى الإماراتيين في الحرب 120 جندياً، نصفهم قتل في حادثة الاستهداف الصاروخي الذي طاول معسكر اللواء 107 مشاة في محافظة مأرب عام 2015. وأعلنت وزارة الدفاع اليمنية عن وجود "خيانة عسكرية" من قبل عسكريين موالين للحوثيين تسببوا بإطلاق الصاروخ، لكن الخسائر الكبرى هي ما منيت بها القوات السعودية، إذ يُقدر عدد القتلى بأربعة آلاف قتيل جلهم تعرض للقتل خلال الهجمات البرية التي يشنها الحوثيون بعد توغلهم داخل الأراضي السعودية، بحسب احصاءات جمعها معارضون سعوديون، اعتمدوا على بيانات نعي الجنود على صفحات التواصل الاجتماعي وما تنشره وكالة الأنباء السعودية وما يعلنه الحوثيون.
ولا يقتصر الأمر على الخسائر العسكرية والسياسية والاقتصادية للسعودية مقابل انتصارات سهلة تجنيها الإمارات داخل اليمن، بل يمتد الأمر إلى الدبلوماسية السعودية التي تعرضت لانتقادات واسعة من المنظمات الدولية والحقوقية وعدد كبير من قادة الدول ووزراء الخارجية فيها نتيجة الغارات العنيفة التي يشنها الطيران السعودي والإماراتي ضد المدنيين في مناطق سيطرة الحوثي.

ويرى بعض رجال الأسرة الحاكمة داخل السعودية بأن الإمارات تجني المكاسب السياسية وتكيد المكائد لانفصال جنوب اليمن عن شماله والاستئثار بثروات الجنوب، وترك السعودية تواجه الشمال الغاضب الذي يعاني من الفقر والأمراض التي نتجت بفعل الحرب، حسبما قال المعارض السعودي عبد الله الغامدي لـ"العربي الجديد". وأضاف الغامدي الذي زار ألمانيا وشاهد في أحد مستشفياتها الخاصة بالعلاج الطبيعي من وصفهم بـ"الجنود الذين يشعرون بأنهم يقاتلون لوحدهم على الحدود المتاخمة لليمن، بينما يصور شيوخ الإمارات أنفسهم بالبدلات العسكرية وهم يستعرضون انتصاراتهم على شاشات قنوات أبوظبي". مع ذلك فإن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لا يزال متمسكاً بتحالفه مع الإمارات وبتوجيهات عرابه ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، على الرغم من أن الأخير هو من حقق أهدافه كاملة في حرب اليمن تاركاً الشريط الحدودي السعودي على خط النيران الحوثية.