06 نوفمبر 2024
السعودية.. بعث إيران في اليمن
كلما بهتت الأسباب الظاهرية لحرب السعودية في اليمن، يتم بعثها من جديد، لتغدو أكثر حيوية وإقناعاً لمتابعي الأزمة اليمنية من الخارج، حيث نجحت السعودية، وبشكل لافت، في استغلال "أزمة الصاروخ الحوثي" لإعادة بعث إيران واجهة لاستمرار حربها في اليمن، وحظيت المملكة بتضامن دولي، ومشروعية إقليمية، في الذهاب بعيداً لمواجهة إيران، حتى لو أدى ذلك إلى تأجيج صراعات أخرى في المنطقة. على أن اللافت هنا أن توظيف الدور الإيراني في حرب اليمن لا يرتبط بالتصعيد الحوثي، وإنما لأسباب سعودية داخلية، تقضي بشغل الداخل السعودي بخطر مختلق، يستهدف عمقها، وكذلك لتتصدّر محاربة إيران، وضمان تأييد الراعي الأميركي في هذا الدور؛ وبالتالي منحت السعودية، بمتقضى استهدافها من الحوثيين، الوكيل المحلي لإيران في اليمن حق الوصاية الكاملة لكيفية إدارتها الحرب في اليمن، وكذلك التدخل في النزاعات الأخرى في المنطقة، وفيما لا تختلف نوايا إيران عن نوايا السعودية في خوض حروب أخرى في بلاد الآخرين، فقد كرّس التواطؤ الإقليمي والدولي مأساة الشعوب المغلوب على أمرها.
مثّل استهداف مليشيات الحوثي العاصمة السعودية بصاروخ باليستي، قبل أيام، هدية ثمينة للسعودية، سرعان ما قطفت ثمارها، وبدا ذلك لافتاً في الاحتفاء السعودي بالمواقف الدولية والاقليمية المتضامنة معها، فضلاً عن تبرير ذلك لاستخدامها القوة في قصف معظم المناطق اليمنية، وتشديد الحصار الخانق على اليمنيين. واللافت هنا أن صاروخ الرياض فاق أهمية صاروخ مدينة مكة، عندما أعلنت السعودية في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2016، استهداف الحوثيين الأراضي المقدسة. وعدا عن محاولة السعودية حينها استغلال ذلك لإحداث رأي دولي، يبرّر سيطرتها على ميناء الحديدة، فإنها لم تستدعِ إيران حينها في حرب اليمن، كما يحدث الآن.
ردة الفعل المغالية على أي فعل، حتى لو كان بمفاجأة استهداف الحوثيين العاصمة السعودية وخطورته، فإنها تكشف عن دلالاتٍ أخرى ضمنية أكثر أهمية، وقد بدت ردة الفعل اعتسافية بوضوح في بيان التحالف العربي الذي شدّد على إغلاق المنافذ البحرية والبرية والجوية لليمن، لمنع وصول الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين، لكن هذه الإجراءات الخانقة في الواقع لا تضر الحوثيين، بقدر ما تلحق ضررا بالغا في اليمنيين، فضلاً عن أن الحصار البري والبحري والجوي لليمن قائم منذ بدء الحرب، ولم يكن هذا الإجراء، في حقيقته، سوى مضاعفة الحصار وموت مزيد من اليمنيين. كما بدت ردة الفعل السعودي المنفلتة واضحة في جرّ إيران إلى المواجهة الإقليمية، وتوجيه هذه الدفة إلى الساحة اللبنانية، في محاولة بائسة لتفجير الوضع الداخلي الهشّ، عبر ربط استهداف الحوثيين السعودية باستقالة رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، من الرياض، وأنه جاء ردا إيرانيا على استقالتة، فيما لم تكن المكآفات المالية المرصودة لتعقب القيادات الحوثية سوى رسالة سياسية إلى علي عبدالله صالح، بدت كل ردود الفعل السعودية المبالغة، التي تتكئ عليها، لاستمرار حربها في اليمن وإشعال المنطقة، مفتقرة للنزاهة، ولا بد للسعودية أن تقنع نفسها أولاً، قبل أن تحاول إقناع الآخرين.
تحليل السياقات السياسية اليمنية والإقليمية قبل أزمة الصاروخ لا يستقيم مع التصعيد السعودي حيال إيران، فقبل المغامرة الحوثية أخيرا، لم تشهد العلاقات السعودية - الإيرانية أي تصعيد على المستوى الدبلوماسي أو السياسي، عدا عن تصريح ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، قبل أسابيع، عن ضرورة استمرار الحرب في اليمن، لمنع قيام حزب الله آخر على حدودها الجنوبية، وهو ما يمكن اعتباره تهيئة للتصعيد الحالي في المنطقة. على أن بعث السعودية الخطر الايراني في اليمن والإقليم، وقيادة حرب إقليمية طائفية لا قبل للمنطقة بها، تقف خلفها دوافع متشابكة، سعودية داخلية وإقليمية ودولية، تفضي جميعها إلى تكريس السعودية قوة إقليمية باطشة، إذ هدفت السعودية من إحياء فزّاعة الخطر الإيراني على أراضيها إلى توحيد الجبهة الداخلية خلف ولي العهد السعودي، وإزاحة المعارضين له، لتمهيد الطريق
لإعلانه ملكاً، وهو ما كشفته القرارات الملكية المتزامنة مع إعلان السعودية سقوط الصاروخ شرق الرياض، قبل أن يعلن عن ذلك الإعلام الحربي التابع للمليشيات الحوثية؛ حيث تم إعفاء الأمير متعب بن عبدالله من قيادة الحرس الوطني، كما تم اتهام أمراء عديدين بالفساد، ووضعهم تحت الإقامة الجبرية.
ونجحت السلطة السعودية في شغل الداخل بالخطر الإيراني للحيلولة دون التفاته إلى الصراعات داخل الأسرة الملكية، فضلاً عن دوافع إقليمية ودولية، في مقدمتها ضمان التأييد الأميركي لمخطاطاتها الداخلية والإقليمية، وهو رشح في موقف الرئيس دونالد ترامب، الذي عبر عن تأييده الإجراءاتها السعودية، وحمّل إيران مسؤولية إطلاق الصاروخ من اليمن. كما لعبت الدوافع المتعلقة بتخفيف الضغط على الإدارة الأميركية فيما يخص الملف اليمني، إذ يجري، منذ أشهر، حراك سياسي في الكونغرس لتجريم الدور الأميركي في حرب اليمن. ونجحت السعودية في تهميش البعد المأساوي لاستمرار حربها على اليمنيين، واعتبارها ضحيةً تدافع عن نفسها، فضلاً عن الرضا الأميركي حيال سياستها في المنطقة.
وقف العالم على رأسه، غاضباً مندّداً باستهداف عاصمة المملكة العربية السعودية، بصاروخ سقط في منطقة خالية، ولم يقتل أحداً، ولم تهدم منشآت مدنية أو تتضرّر بنية تحتية، فيما صمت هذا العالم، ولا يزال، حيال مقتل آلاف المدنيين من الغارات السعودية منذ بدء الحرب، وتدميرها مستشفيات ومدارس وجسورا ومصانع ومعالم أثرية، ومراكز ثقافية وبنية تحتية وطنية. فيما شددت السعودية الحصار اليوم على اليمنيين، براً وبحراً وجواً، لترتفع أسعار المواد الغذائية والمشتقات النفطية إلى 200%. يؤيد العالم بتواطؤ الرواية السعودية في محاربتها إيران في اليمن، وهو ما يعني منح السعودية الضوء الأخضر لقتل مزيد من اليمنيين الذين عليهم أن يتقبلوا موتهم صابرين، وأن يتجنبوا رفع أصواتهم بغضبٍ على هذا القهر الأعمى، لئلا يزيدوا من غضب المملكة، أو يزعجوا ضمير العالم المسترخي.
مثّل استهداف مليشيات الحوثي العاصمة السعودية بصاروخ باليستي، قبل أيام، هدية ثمينة للسعودية، سرعان ما قطفت ثمارها، وبدا ذلك لافتاً في الاحتفاء السعودي بالمواقف الدولية والاقليمية المتضامنة معها، فضلاً عن تبرير ذلك لاستخدامها القوة في قصف معظم المناطق اليمنية، وتشديد الحصار الخانق على اليمنيين. واللافت هنا أن صاروخ الرياض فاق أهمية صاروخ مدينة مكة، عندما أعلنت السعودية في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2016، استهداف الحوثيين الأراضي المقدسة. وعدا عن محاولة السعودية حينها استغلال ذلك لإحداث رأي دولي، يبرّر سيطرتها على ميناء الحديدة، فإنها لم تستدعِ إيران حينها في حرب اليمن، كما يحدث الآن.
ردة الفعل المغالية على أي فعل، حتى لو كان بمفاجأة استهداف الحوثيين العاصمة السعودية وخطورته، فإنها تكشف عن دلالاتٍ أخرى ضمنية أكثر أهمية، وقد بدت ردة الفعل اعتسافية بوضوح في بيان التحالف العربي الذي شدّد على إغلاق المنافذ البحرية والبرية والجوية لليمن، لمنع وصول الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين، لكن هذه الإجراءات الخانقة في الواقع لا تضر الحوثيين، بقدر ما تلحق ضررا بالغا في اليمنيين، فضلاً عن أن الحصار البري والبحري والجوي لليمن قائم منذ بدء الحرب، ولم يكن هذا الإجراء، في حقيقته، سوى مضاعفة الحصار وموت مزيد من اليمنيين. كما بدت ردة الفعل السعودي المنفلتة واضحة في جرّ إيران إلى المواجهة الإقليمية، وتوجيه هذه الدفة إلى الساحة اللبنانية، في محاولة بائسة لتفجير الوضع الداخلي الهشّ، عبر ربط استهداف الحوثيين السعودية باستقالة رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، من الرياض، وأنه جاء ردا إيرانيا على استقالتة، فيما لم تكن المكآفات المالية المرصودة لتعقب القيادات الحوثية سوى رسالة سياسية إلى علي عبدالله صالح، بدت كل ردود الفعل السعودية المبالغة، التي تتكئ عليها، لاستمرار حربها في اليمن وإشعال المنطقة، مفتقرة للنزاهة، ولا بد للسعودية أن تقنع نفسها أولاً، قبل أن تحاول إقناع الآخرين.
تحليل السياقات السياسية اليمنية والإقليمية قبل أزمة الصاروخ لا يستقيم مع التصعيد السعودي حيال إيران، فقبل المغامرة الحوثية أخيرا، لم تشهد العلاقات السعودية - الإيرانية أي تصعيد على المستوى الدبلوماسي أو السياسي، عدا عن تصريح ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، قبل أسابيع، عن ضرورة استمرار الحرب في اليمن، لمنع قيام حزب الله آخر على حدودها الجنوبية، وهو ما يمكن اعتباره تهيئة للتصعيد الحالي في المنطقة. على أن بعث السعودية الخطر الايراني في اليمن والإقليم، وقيادة حرب إقليمية طائفية لا قبل للمنطقة بها، تقف خلفها دوافع متشابكة، سعودية داخلية وإقليمية ودولية، تفضي جميعها إلى تكريس السعودية قوة إقليمية باطشة، إذ هدفت السعودية من إحياء فزّاعة الخطر الإيراني على أراضيها إلى توحيد الجبهة الداخلية خلف ولي العهد السعودي، وإزاحة المعارضين له، لتمهيد الطريق
ونجحت السلطة السعودية في شغل الداخل بالخطر الإيراني للحيلولة دون التفاته إلى الصراعات داخل الأسرة الملكية، فضلاً عن دوافع إقليمية ودولية، في مقدمتها ضمان التأييد الأميركي لمخطاطاتها الداخلية والإقليمية، وهو رشح في موقف الرئيس دونالد ترامب، الذي عبر عن تأييده الإجراءاتها السعودية، وحمّل إيران مسؤولية إطلاق الصاروخ من اليمن. كما لعبت الدوافع المتعلقة بتخفيف الضغط على الإدارة الأميركية فيما يخص الملف اليمني، إذ يجري، منذ أشهر، حراك سياسي في الكونغرس لتجريم الدور الأميركي في حرب اليمن. ونجحت السعودية في تهميش البعد المأساوي لاستمرار حربها على اليمنيين، واعتبارها ضحيةً تدافع عن نفسها، فضلاً عن الرضا الأميركي حيال سياستها في المنطقة.
وقف العالم على رأسه، غاضباً مندّداً باستهداف عاصمة المملكة العربية السعودية، بصاروخ سقط في منطقة خالية، ولم يقتل أحداً، ولم تهدم منشآت مدنية أو تتضرّر بنية تحتية، فيما صمت هذا العالم، ولا يزال، حيال مقتل آلاف المدنيين من الغارات السعودية منذ بدء الحرب، وتدميرها مستشفيات ومدارس وجسورا ومصانع ومعالم أثرية، ومراكز ثقافية وبنية تحتية وطنية. فيما شددت السعودية الحصار اليوم على اليمنيين، براً وبحراً وجواً، لترتفع أسعار المواد الغذائية والمشتقات النفطية إلى 200%. يؤيد العالم بتواطؤ الرواية السعودية في محاربتها إيران في اليمن، وهو ما يعني منح السعودية الضوء الأخضر لقتل مزيد من اليمنيين الذين عليهم أن يتقبلوا موتهم صابرين، وأن يتجنبوا رفع أصواتهم بغضبٍ على هذا القهر الأعمى، لئلا يزيدوا من غضب المملكة، أو يزعجوا ضمير العالم المسترخي.