فبعد أيام من إشادته بلقائه مع حفتر، وحرصه على كشف بعض تفاصيل الاتفاق معه، عاد السراج ليقلل من أهمية اللقاء والاتفاق، من خلال الإشارة إلى أنه "جاء في إطار اللقاءات مع جميع الأطراف الليبية لنقاش سبل الحل للخروج من الأزمة الحالية". بل ذهب رئيس "الوفاق" إلى أبعد من ذلك، بالتأكيد على أن "حل الأزمة الليبية لا يملكه أي طرف لوحده، بل من الضروري إشراك كافة الليبيين للوصول إلى الاستقرار المنشود".
وفي رسالة لا تبدو مضامينها بحاجة لوضوح أكثر بالنسبة لوزير الخارجية الفرنسي، طالب السراج بضرورة أن "تتوقف التدخلات السلبية لبعض الدول، والتي تسببت في إطالة عمر الأزمة وتعقيدها"، في إشارة على ما يبدو إلى فرنسا، الداعمة لحفتر.
ورغم أن مسؤولاً رفيع المستوى مقرباً من وزارة خارجية "الوفاق"، أكد أن زيارة لودريان ترتبط بمحاولة فرنسية لحلحلة بعض الخلافات الناجمة عن خطوات اتخذها حفتر في الآونة الأخيرة، إلا أنه لفت إلى أن السراج أبلغ الجانب الفرنسي بضرورة وجود ضمانات حقيقية لالتزام حفتر بمخرجات الملتقى الوطني، وعدم نكثه بوعوده.
وقال المصدر، الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، إن "تأكيد لودريان على رفض الحلول العسكرية انعكاس واضح لانزعاج السراج من تحركات حفتر حول طرابلس وبالقرب من سرت"، مؤكداً أن الجانب الفرنسي وعد بالتوسط لوقف أي تحرك عسكري من جانب حفتر باتجاه أي مدينة في الغرب الليبي.
وذكر المصدر أن السراج أطلق يد المليشيات في طرابلس للانتقام من فصيل مسلح موال لحفتر في أحياء غرب العاصمة، في رسالة مباشرة لحفتر بأن لدى رئيس الحكومة الليبية المعترف بها القدرة على لجم اللواء المتقاعد وتهديد حلمه بدخول طرابلس بقوة السلاح.
وكانت أحياء غوط الشعال، وجنزور، والسراج، والسياحية، في طرابلس قد شهدت، ليل السبت الماضي، مواجهات مسلحة لساعات بين مليشيات طرابلس ومليشيا الأمن العام القادمة من الزنتان، والتي كانت تتخذ من مقار بهذه الأحياء تمركزات لها، قبل أن تجبرها مليشيات طرابلس على تركها والانسحاب خارج المدينة.
ولم يخف السراج علاقة اتفاق أبوظبي بالملتقى الوطني العام، بالإشارة إلى أن لقاءه بحفتر جاء لـ"تقديم مقترحات توافقية يمكن البناء عليها خلال المؤتمر الوطني الجامع".
المسؤول تحدث أيضاً عن انزعاج البعثة الأممية من تحركات حفتر، مشيراً إلى أن تحركات حفتر التي اقتربت عسكرياً من سرت، مع ظهور عدد من قادته في قواعد عسكرية غرب البلاد، في إشارة إلى زيارة عبد السلام الحاسي، آمر غرفة عمليات الكرامة الرئيسية، لقاعدة الوطية، جنوب غرب طرابلس، مطلع الأسبوع الماضي، ومحمد المنفور، قائد سلاح الجو، مطلع هذا الاسبوع، هي "السبب الرئيسي في عدم عقد البعثة حتى الآن للملتقى الجامع".
وتعتبر فرنسا من أبرز الدول التي تدعم حراك حفتر العسكري، كما أنها من أوائل الدول التي قدمته كطرفٍ رئيسي في الأزمة الليبية، من خلال إشراكه في لقاء باريس في مايو/ أيار الماضي، الذي ضمّ السراج ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري.
والتقى لودريان خلال زيارته لطرابلس، المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة لـ"بحث آخر تطورات العملية السياسية في ليبيا والاستعدادات لعقد الملتقى الوطني الجامع"، بحسب إيجاز صحافي نشرته البعثة الأممية على صفحتها الرسمية.
ورغم تأكيد المسؤول الليبي أن زيارة لودريان جاءت بدعوة من السراج، إلا أنه أكد في الوقت ذاته على مراهنة بلاده على حفتر، عندما أشاد في كلمته أمام السراج بالأخير، قائلاً "لقد تم تحقيق تقدم كبير في جنوب البلاد في مواجهة الجماعات الإرهابية وجماعات الجريمة المنظمة والمنظمات الأجنبية المسلحة التي أججت عدم الاستقرار في المنطقة لفترة طويلة".
وبيّن المسؤول أن الإعلان عن الملتقى الجامع رهن نجاح لودريان في ثني حفتر عن رغباته التوسعية بقوة السلاح في غرب البلاد، مرجحاً أن تنجح فرنسا التي باتت حلقة الوصل الأولى بين طرابلس وحفتر، كما أنها تدرك، بخلاف اللواء المتقاعد، شكل موازين القوى في غرب البلاد، وإمكانية إحداث تقارب سياسي يفضي إلى دخول حفتر لطرابلس دون قتال.