ظهرت مؤشرات أخيرة في تونس تدل على تبدّل السياسة الخارجية في عهد الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي وحكومة الحبيب الصيد، وما أثار ولا يزال، موضوع تحديد وجهة بوصلة الدبلوماسية التونسية.
وآخر هذه المؤشرات كانت التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الطيب البكوش؛ فقد رحب الأخير بعودة السفير السوري إلى تونس، واعتبر أن استئناف التمثيل الدبلوماسي بين البلدين يعود إلى دمشق. وهو ما شكل مفاجأة للمعارضة السورية وللمراقبين لمستقبل العلاقات التونسية السورية، وطرح تساؤلات حول خلفيات هذا التحول المفاجئ في الموقف التونسي؟ وإن كان ما جاء على لسان وزير الخارجية يتطابق مع موقف الرئيس السبسي، أم أن هذا الأخير قد عدل من رؤيته بتأثير من أطراف داخلية أو خارجية؟
مع العلم أن حزب "نداء تونس"، خاض حملته الانتخابية التشريعية والرئاسية بناء على برنامج تضمن من بين نقاطه إعادة العلاقات الدبلوماسية مع سورية، بحجة أن رئيس الجمهورية السابق محمد المنصف المرزوقي قد أخطأ عندما تعجل وقرر قطع العلاقات مع دمشق وطرد السفير السوري. ولهذا يمكن اعتبار ما أعلنه وزير الخارجية، الذي يحتل منصب الأمين العام لحزب "نداء تونس" في الوقت نفسه، منسجماً تماماً مع وعود الحزب والتزاماته السياسية السابقة.
لكن في وقت لاحق بدّلت القيادة السياسية، بتأثير من رئيس الجمهورية المسؤول الأول عن رسم السياسة الخارجية لتونس بحسب الدستور، من أسلوب تعاملها مع هذا الملف، بعدما تأكدت من كونه معقداً ومرتبطاً بعوامل إقليمية ودولية، يمكنها أن تؤثر على المصالح التونسية الحيوية. وتدخل السبسي كي يصحح ما اعتبره سابقاً "خطأ" من مساعده، أي وزير الخارجية، في صياغة الدبلوماسية التونسية.
وفي هذا الإطار، أكّدت مصادر قريبة من قصر قرطاج لـ "العربي الجديد"، أنّ ما أعلنه الطيب البكوش لا يعكس تماماً رؤية رئيس الدولة الذي يبدو أنه لا يزال حريصاً على المحافظة على الحالة الراهنة للعلاقات التونسية السورية. فساكن قرطاج متمسك بعدم الإسراع بعودة العلاقات الدبلوماسية، وهو يرى أن فتح القنصلية التونسية بدمشق "لا يعني تطبيع العلاقة مع دمشق" أي مع نظام بشار الأسد.
ويفهم من ذلك أمران أساسيان:
أولاً، يعتقد السبسي أنّ مصلحة تونس تقتضي التدرج في مسار تسوية العلاقات مع سورية. فالارتقاء إلى مستوى إعادة فتح القنصلية التونسية بدمشق من شأنه أن يساعد التونسيين الموجودين بسورية على تسوية أوضاعهم التي تضررت في المرحلة السابقة. وهو ما يعني عدم التنسيق السياسي مع الحكومة السورية. وبالتالي، فإن الدخول في علاقات عادية مع نظام الأسد لا يزال أمراً سابقاً لأوانه.
الأمر الثاني يرتبط في كون تونس تملك علاقات وثيقة لا تزال حريصة على حمايتها مع دول عربية وغربية، وهي تعمل على الاحتفاظ بها. وبالتالي، فإن التنسيق مع حكومات هذه الدول في ما يتعلق بأشكال التعامل مع نظام دمشق هو جزء من المصلحة الوطنية التونسية. هكذا تعتقد رئاسة الجمهورية وفق تلميحات سابقة للرئيس السبسي. وقد تجلى ذلك بوضوح في الأزمة اليمنية حين أيدت تونس عملية "عاصفة الحزم"، وذلك بالرغم من دعوتها إلى اعتماد الحوار السياسي بين الفرقاء اليمنيين.
بناء عليه، تدخل السبسي مرة أخرى ليوضح أنه المسؤول عن وضع السياسة الخارجية، وأن الوزير مهمته تطبيق ما يقرر الرئيس. وأكد أن الموقف التونسي ينسجم مع الإجماع العربي، كما حددته جامعة الدول العربية. وبالتالي، يعتقد أن الموقف الرسمي التونسي لم يتغير تجاه النظام السوري.
لكن هذا الموقف يطرح التساؤل التالي: لماذا يستمر التباعد بين موقفي وزير الخارجية ورئيس الدولة؟ وإذا ما تأكد ذلك ما هي تداعياته على الدبلوماسية التونسية في المرحلة المقبلة؟
وفي هذا السياق، تُظهر المعلومات التي حصلت عليها "العربي الجديد"، أنّ رئاسة الجمهورية لم تكن مرتاحة لأسلوب وزير الخارجية عند تطرقه للعلاقة مع تركيا، في ما يخص تسلل التونسيين المتجهين إلى القتال داخل سورية. ولم يتأخر رد الفعل التركي على هذه التصريحات، إذ طالبت أنقرة رسمياً من السلطات التونسية تقديم توضيحات في هذا الشأن. وهو ما جعل وزير الدولة المكلف بالشؤون العربية والأفريقية التوهامي العبدولي يتدخل ليؤكد أنه "تم إخراج تصريح وزير الخارجية عن سياقه"، مشيراً إلى أن الخارجية التونسية قد وجهت للخارجية التركية توضيحاً لرفع أي لبس عن الموقف التونسي.
اقرأ أيضاً (البكوش ينتقد تركيا ويرحب بسفير النظام السوري)
تلك المواقف المتباينة تعكس ارتباكا واضحا تعاني منه الدبلوماسية التونسية، يعود بالدرجة الأولى إلى الاختلاف بين رئيس الجمهورية ووزير الخارجية اللذين ينتميان إلى ذات الحزب وهو "نداء تونس"، لكن بعض مواقفهما تتفاوت حيال فهم ثوابت السياسية الخارجية وأسلوب إدارتها، وهو ما يسمح بالاعتقاد أن تكرار التصريحات المتباينة بين الرجلين قد تدفع بالباجي قائد السبسي نحو اتخاذ موقف لا يعرف إلى حد الآن طبيعته وحجمه، لكنه قد يزيد من عمق المسافة بينه وبين وزير خارجيته.
وآخر هذه المؤشرات كانت التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الطيب البكوش؛ فقد رحب الأخير بعودة السفير السوري إلى تونس، واعتبر أن استئناف التمثيل الدبلوماسي بين البلدين يعود إلى دمشق. وهو ما شكل مفاجأة للمعارضة السورية وللمراقبين لمستقبل العلاقات التونسية السورية، وطرح تساؤلات حول خلفيات هذا التحول المفاجئ في الموقف التونسي؟ وإن كان ما جاء على لسان وزير الخارجية يتطابق مع موقف الرئيس السبسي، أم أن هذا الأخير قد عدل من رؤيته بتأثير من أطراف داخلية أو خارجية؟
مع العلم أن حزب "نداء تونس"، خاض حملته الانتخابية التشريعية والرئاسية بناء على برنامج تضمن من بين نقاطه إعادة العلاقات الدبلوماسية مع سورية، بحجة أن رئيس الجمهورية السابق محمد المنصف المرزوقي قد أخطأ عندما تعجل وقرر قطع العلاقات مع دمشق وطرد السفير السوري. ولهذا يمكن اعتبار ما أعلنه وزير الخارجية، الذي يحتل منصب الأمين العام لحزب "نداء تونس" في الوقت نفسه، منسجماً تماماً مع وعود الحزب والتزاماته السياسية السابقة.
لكن في وقت لاحق بدّلت القيادة السياسية، بتأثير من رئيس الجمهورية المسؤول الأول عن رسم السياسة الخارجية لتونس بحسب الدستور، من أسلوب تعاملها مع هذا الملف، بعدما تأكدت من كونه معقداً ومرتبطاً بعوامل إقليمية ودولية، يمكنها أن تؤثر على المصالح التونسية الحيوية. وتدخل السبسي كي يصحح ما اعتبره سابقاً "خطأ" من مساعده، أي وزير الخارجية، في صياغة الدبلوماسية التونسية.
وفي هذا الإطار، أكّدت مصادر قريبة من قصر قرطاج لـ "العربي الجديد"، أنّ ما أعلنه الطيب البكوش لا يعكس تماماً رؤية رئيس الدولة الذي يبدو أنه لا يزال حريصاً على المحافظة على الحالة الراهنة للعلاقات التونسية السورية. فساكن قرطاج متمسك بعدم الإسراع بعودة العلاقات الدبلوماسية، وهو يرى أن فتح القنصلية التونسية بدمشق "لا يعني تطبيع العلاقة مع دمشق" أي مع نظام بشار الأسد.
ويفهم من ذلك أمران أساسيان:
أولاً، يعتقد السبسي أنّ مصلحة تونس تقتضي التدرج في مسار تسوية العلاقات مع سورية. فالارتقاء إلى مستوى إعادة فتح القنصلية التونسية بدمشق من شأنه أن يساعد التونسيين الموجودين بسورية على تسوية أوضاعهم التي تضررت في المرحلة السابقة. وهو ما يعني عدم التنسيق السياسي مع الحكومة السورية. وبالتالي، فإن الدخول في علاقات عادية مع نظام الأسد لا يزال أمراً سابقاً لأوانه.
الأمر الثاني يرتبط في كون تونس تملك علاقات وثيقة لا تزال حريصة على حمايتها مع دول عربية وغربية، وهي تعمل على الاحتفاظ بها. وبالتالي، فإن التنسيق مع حكومات هذه الدول في ما يتعلق بأشكال التعامل مع نظام دمشق هو جزء من المصلحة الوطنية التونسية. هكذا تعتقد رئاسة الجمهورية وفق تلميحات سابقة للرئيس السبسي. وقد تجلى ذلك بوضوح في الأزمة اليمنية حين أيدت تونس عملية "عاصفة الحزم"، وذلك بالرغم من دعوتها إلى اعتماد الحوار السياسي بين الفرقاء اليمنيين.
بناء عليه، تدخل السبسي مرة أخرى ليوضح أنه المسؤول عن وضع السياسة الخارجية، وأن الوزير مهمته تطبيق ما يقرر الرئيس. وأكد أن الموقف التونسي ينسجم مع الإجماع العربي، كما حددته جامعة الدول العربية. وبالتالي، يعتقد أن الموقف الرسمي التونسي لم يتغير تجاه النظام السوري.
لكن هذا الموقف يطرح التساؤل التالي: لماذا يستمر التباعد بين موقفي وزير الخارجية ورئيس الدولة؟ وإذا ما تأكد ذلك ما هي تداعياته على الدبلوماسية التونسية في المرحلة المقبلة؟
وفي هذا السياق، تُظهر المعلومات التي حصلت عليها "العربي الجديد"، أنّ رئاسة الجمهورية لم تكن مرتاحة لأسلوب وزير الخارجية عند تطرقه للعلاقة مع تركيا، في ما يخص تسلل التونسيين المتجهين إلى القتال داخل سورية. ولم يتأخر رد الفعل التركي على هذه التصريحات، إذ طالبت أنقرة رسمياً من السلطات التونسية تقديم توضيحات في هذا الشأن. وهو ما جعل وزير الدولة المكلف بالشؤون العربية والأفريقية التوهامي العبدولي يتدخل ليؤكد أنه "تم إخراج تصريح وزير الخارجية عن سياقه"، مشيراً إلى أن الخارجية التونسية قد وجهت للخارجية التركية توضيحاً لرفع أي لبس عن الموقف التونسي.
اقرأ أيضاً (البكوش ينتقد تركيا ويرحب بسفير النظام السوري)
تلك المواقف المتباينة تعكس ارتباكا واضحا تعاني منه الدبلوماسية التونسية، يعود بالدرجة الأولى إلى الاختلاف بين رئيس الجمهورية ووزير الخارجية اللذين ينتميان إلى ذات الحزب وهو "نداء تونس"، لكن بعض مواقفهما تتفاوت حيال فهم ثوابت السياسية الخارجية وأسلوب إدارتها، وهو ما يسمح بالاعتقاد أن تكرار التصريحات المتباينة بين الرجلين قد تدفع بالباجي قائد السبسي نحو اتخاذ موقف لا يعرف إلى حد الآن طبيعته وحجمه، لكنه قد يزيد من عمق المسافة بينه وبين وزير خارجيته.