تلك الزيارة كانت تعني تحسنا مؤقتا في أحوال محمد عبدالوهاب ورفاقه العشرين في الزنزانة، كما قال بعد خروجه على ذمة قضية الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين، إذ تم اعتقاله في مايو/أيار من عام 2015، موضحا أنه شهد ثلاث زيارات لوفود من المجلس القومي لحقوق الإنسان، وكل زيارة تسبقها زيارات لرئيس مصلحة السجون ومعاونيه، وعلى إثرها يتم السماح بكثير من الممنوعات، وأهمها السمك المشوي، والحصول على المزيد من الحقوق مثل زيادة أوقات التريض واستمرار فتح زيارات الأهالي وزيادة كميات الطعام ونوعياته المسموح بها في الزيارة، وكذلك تحسين الوضع الصحي إضافة إلى تحسين الطعام المقدم من "كافتيريا" السجن الذي يشتريه المعتقلون بمالهم.
وخضع سجن العقرب شديد الحراسة الذي يقع ضمن مجموعة سجون طرة جنوب القاهرة إلى أربع جولات من التفتيش الحقوقي في الفترة من سبتمبر/أيلول 2013 وحتى أكتوبر/تشرين الأول 2016، بعد شكاوى قدمها أهالي المعتقلين ضد إدارة السجن للمجلس القومي لحقوق الإنسان والذي تم تأسيسه بموجب القانون رقم 94 لسنة 2003 الذي خضع لتعديل أخير في الرابع من يوليو/تموز2017 منح المجلس في المادة الثالثة منه اختصاصا أصيلا بزيارة السجون وأماكن الاحتجاز والمؤسسات العلاجية والصحية، والاستماع إلى السجناء للتأكد من حسن معاملتهم ومدى تمتعهم بحقوقهم، على أن يقوم بإعداد تقرير يقدمه إلى النائب العام ومجلس النواب، مع منحه اختصاص إبلاغ النيابة العامة عن أي انتهاكات للحريات الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، وغيرها من الحقوق، وللمجلس أن يتدخل في الدعاوى المدنية منضماً إلى المضرور بناء على طلبه وفق أحكام القوانين المنظمة لذلك، إلا أن القانون لم يحدد الحالات أو دورية الزيارات التي يجب أن يقوم بها المجلس بالتفتيش أو حتى زيارة السجون وأماكن الاحتجاز.
زيارات شكلية
يصف المعتقل السابق سيد المرسي (رفض الكشف عن هويته خوفا على أمنه الشخصي) والذي تم سجنه عدة مرات قبل وبعد 2013، زيارات وفود مجلس حقوق الإنسان بـ"الشكلية" والهادفة إلى تجميل صورة وزارة الداخلية، في ظل وضع سيئ للغاية، داخل السجون.
عاصر الخمسيني المرسي عددا من الزيارات لوفود حقوق الإنسان في سجون ليمان طرة والعقرب وسجن الزقازيق، موضحا أن الإجراءات المصاحبة للزيارة هي نفسها في كل مرة، إذ يتم طلاء جدران السجن من الخارج مع التوسع في حملات النظافة، والترتيب مع عدد من المسجونين على لقاء الوفد الحقوقي، وتنقسم شخصيات السجناء إلى فئتين، الأولى مضمونة بالنسبة لإدارة السجن، وهم السجناء الجنائيون الذين ينفذون أوامر إدارة السجن من دون نقاش، والفئة الثانية وهم السياسيون، وهؤلاء أيضا فئتان الأولى يكون الالتقاء بهم بناءً على طلب مباشر من وفد مجلس حقوق الإنسان نتيجة شكاوى قدمها أهاليهم أو لاهتمام الإعلام الدولي بهم وغالبا هؤلاء إما صحافيون أو قيادات سياسية بارزة، أما الفئة الثانية فهي عموم السياسين الذين يتم اختيارهم من قبل زملائهم لتمثيلهم في الالتقاء بوفد حقوق الإنسان.
وتفرض الضغوط الحقوقية نفسها على مجريات الزيارة، فإن كان المجلس القومي لحقوق الإنسان محرجا لدى المنظمات الدولية نتيجة انتشار أنباء تردي أوضاع حقوق الإنسان، كما حدث في النصف الأول من 2016، تلجأ وزارة الداخلية إلى تقديم الكثير من التنازلات أو بالأحرى تعيد بعض الحقوق للمعتقلين، مثل فتح الزيارات وإدخال بعض الأمور الممنوعة مثل الملابس الداخلية وأدوات النظافة وبعض الفواكه والخضروات، وتعد الفترة التي تسبق الزيارة هي الأفضل لدى المعتقلين، كما قال المرسي في شهادته على تلك الفترة التي عاشها بكل تفاصيلها، مضيفا "تتعامل إدارة السجون معنا بشكل لطيف غير معهود في تلك الفترة، ويتمتع السجناء خلال هذه الفترة بكثير من حقوقهم المهضومة، والتي تصل في بعض الأحيان إلى طلاء جدران الزنازين وإجراء الصيانة المطلوبة لخدمات السجن".
خداع مستمر
تسبق زيارات وفود المجلس القومي لحقوق الإنسان، حملة إعلامية ترويجية ويتبعها كذلك حملة مماثلة، وكل منهما "يخالف الحقائق" كما تروي الأربعينية إيمان محروس زوجة الصحافي والمعتقل السابق الصحافي أحمد سبيع، ما يحدث خلال هذه زيارات وفود المجلس القومي لحقوق الإنسان وما يسبقها، قائلة إن زوجها التقى بوفد حقوق الإنسان الذي يترأسه عضو المجلس حافظ أبو سعدة في أغسطس/آب 2015 ودار بينهم نقاش حاد طبقا لرواية زوجها، إلا أنهم فوجئوا بوفد المجلس يعقد مؤتمرا صحافيا يعلن فيه التقاءه المعتقلين وأنهم يتمتعون بمعاملة جيدة من دون أن يذكر الوفد ما جرى بالفعل، غير أن الكاتب الصحافي محمد عبد القدوس عضو المجلس، والذي كان ضمن الوفد أعلن في بيان رسمي له في الثلاثين من أغسطس/آب 2015، كذب ما جاء على لسان حافظ أبو سعدة وأيد ما أعلنه زوجها حول الزيارة.
وتضيف إيمان أن قيادات الداخلية تقدم وعودا كثيرة بتحسين أوضاع المعتقلين قبل الزيارة، وأنهم يعلمون أنها لن تتحقق، ولكنهم يحاولون الحصول على الحد الأدنى من حقوقهم في السجن، مثل فتح الزيارة وانتظامها وزيادة مدتها والسماح لهم بالسلام على أهاليهم والسماح بإدخال بعض الأشياء التي تمنع عنهم، وهو ما أكده أيضا المعتقل السابق محمد عبد الوهاب الذي أوضح أنهم يعلمون جيدا أن زيارة وفود حقوق الإنسان المحلية ليس لها قيمة، بل إن مصلحة السجون تتدخل في أسماء الوفود ذاتها إذ تم منع الحقوقية راجية عمران عضو المجلس من المشاركة في زيارة تمت بالفعل لسجن العقرب في يناير/كانون الثاني 2016 بعد أن كتبت أكثر من تقرير عن تردي أوضاع حقوق الإنسان في السجون سيئة السمعة مثل العقرب وبرج العرب والقناطر.
زيارة مفاجئة
يتذكر الصول مجدي أحمد (تم تغيير الاسم للحفاظ على أمنه ووظيفته) والذي يعمل في وزارة الداخلية عددا من الزيارات التي جرت في السجون التي خدم بها، قائلا إن الزيارات كلها تتم بشكل واحد، خلال فترة محمد مرسي، إذ قام وفد المجلس القومي لحقوق الإنسان بزيارة مفاجئة لسجن ليمان طرة والاستقبال والعقرب في 16 مايو/أيار 2013 وأصر الوفد الذي ترأسه النائب الدكتور محمد البلتاجي، المعتقل حاليا، على دخول الزنازين والالتقاء بالسجناء داخلها، والاستماع لمشاكلهم، من دون وجود أي من قيادات السجن، ويضيف ضاحكا، الدكتور البلتاجي جاء بعد ذلك إلى السجن ولكنه هذه المرة كان مسجونا وليس رقيبا.
ويصف مجدي حال السجون قبل وأثناء وبعد زيارة وفود حقوق الإنسان بأنه تجسيد على الأرض لفيلم البريء للمخرج المصري الراحل عاطف الطيب والذي قام ببطولته الراحلان أحمد زكي ومحمود عبد العزيز، إذ يتم طلاء واجهات السجن وتحسين الطعام الميري، ويتذكر أنه خلال زيارة الوفد الثالثة في يناير/كانون الثاني 2016 لسجن العقرب تم استقدام طباخ من نادي الشرطة الرياضي ليقوم بإعداد طعام السجن وتم تقديمه بالفعل بصورة فاخرة مثل الفنادق، كما يتم السماح للمعتقلين بزيادة ساعات التريض والتشميس (الفترة المخصصة للسجين خارج زنزانته)، إلا أن أهم ما في الزيارة هو وجبة السمك المشوي الذي يتم تقديمه من خلال كافتيريا السجن على حساب السجناء، وفي بعض الأوقات يتم السماح بتناول المياه الغازية، ويتم صرف الأسرة للمساجين، وأحيانا يسمحون ببعض الحلويات والمشروبات الساخنة مثل الشاي والنعناع والينسون.
وتصل ذروة الإجراءات الشكلية يوم الزيارة الذي ما إن ينتهي حتى تعود الأمور إلى ما كانت عليه كما يقول المعتقل السابق المرسي، قائلا "التغيير إما أن يتم مرة واحدة كما حدث في زيارة أغسطس/آب 2015 والتي تم فيها صرف سرير لكل سجين انفرادي لمدة 30 ساعة فقط ثم تم سحبه مرة أخرى، أو أن يتم التراجع تدريجيا كما حدث في الزيارة التالية يناير/كانون الثاني 2016.