تجمع عدد من الرجال حول سيارة "متسوبيشي" بيضاء مستعملة، وُضِعت في منتصف "سوق فلسطين الدولي للسيارات" جنوب شرق مدينة غزة بغرض بيعها، لتبدأ جولة من المفاصلة، بعد أن طلب صاحبها ثمانية آلاف دولار ثمناً لها.
جولة الجدل التي دارت بين صاحب السيارة أبو محمد الشنطي، والزبون خليل حمد، انتهت بالفشل نتيجة عدم الاتفاق على الثمن، وكان الفارق بينهم حوالي 500 دولار تقريباً، حيث تحجج الأول بأنه خسر فيها قرابة أربعة آلاف دولار، بينما قال الآخر إنه لا يملك أكثر من سبعة آلاف دولار لشراء السيارة.
واكتظ السوق بعشرات السيارات مختلفة الأحجام والأشكال والألوان والماركات، واصطفت سيارات المرسيدس بجوار سوبارو، متسوبيشي، بي ام دبليو، فولكس واجن، جولف، هونداي، ستروين، معظم تلك السيارات كانت مستعملة، وعرضت للبيع نتيجة ظروف مختلفة.
البائع شريف شقليه، وقف أمام سيارة فولكس واجن برتقالية اللون، تسمى في قطاع غزة بسيارة "الخنفس"، ويقول إنه يريد بيعها بخمسة آلاف دولار من أجل مساعدة شقيقه أحمد في تكاليف فرحه، وأنه وجد في سوق السيارات ضالته، لوجود عدد كبير من الزبائن.
هدف البيع اختلف من بائع لآخر، حيث عرض البعض سيارته للمتاجرة، والبعض للتغلب على ظروف معينة، كذلك اختلف هدف الشراء من واحد لآخر، فمنهم من أراد اقتناء سيارة شخصية، ومنهم من أراد المتاجرة بها، بينما أراد البعض العمل عليها سيارة أجرة، في ظل انعدام فرص العمل في غزة نتيجة استمرار الحصار الإسرائيلي منذ عشرة أعوام.
إلى الشرق من السوق، وقفت مجموعة أخرى من الرجال حول سيارة أجرة مرسيدس، طلب صاحبها سعيد قليبو 14 ألف دولار، من الزبون أبو محمد صافي، الذي يبحث عن سيارة للعمل عليها بعد أن انقطع عمله في البناء، نتيجة منع الجانب الإسرائيلي إدخال مواد البناء بشكل منتظم.
ويقول صافي لـ"العربي الجديد" إنه فتح بقالة أسفل منزله، لكنه لم يوفق في الاستمرار فيها نتيجة ضعف الحركة الشرائية بسبب سوء الأحوال الاقتصادية في قطاع غزة، موضحاً أن العمل على سيارة أجرة خاصة أفضل من العمل داخل بقالة صغيرة، لا تمكنه من توفير أدنى مستلزمات بيته.
بينما يقول البائع قليبو، لـ "العربي الجديد" إنه يعمل في المتاجرة بالسيارات المستعملة، موضحاً أن أسواق السيارات تعاني من ركود كبير نتيجة تدهور أسعار المركبات، وارتفاع أسعار المحروقات، إضافة إلى فقدان بعض أنواع قطع الغيار، وأزمة الوقود التي تنفجر بشكل متكرر.
ويشير إلى أن حركة بيع السيارات انخفضت خلال الشهور الماضية نتيجة غرق السوق بعدد كبير من السيارات المستخدمة، والتي يبيعها أصحابها نتيجة سوء الأحوال الاقتصادية، أو بسبب الازدياد الكبير في سيارات الأجرة بالمدينة.
"سيارة جديدة، رسمية ليست مسروقة، بها ترخيص وتأمين، كل شيء فيها تمام، تعمل على البنزين، وسريعة في المشي"، هذه هي العبارات التي حاول أبو مصطفى أبو شقفة، إقناع الزبون فيها لشراء سيارة الهونداي الحديثة التي عرضها، إلى جانب سيارة المرسيدس الخاصة بالمواطن قليبو.
ويقول أبو شقفة، للزبون إنه لن يتمكن من تخفيض ثمن السيارة عن 12.5 دولار، لأنه اشتراها قبل عام بمبلغ 15 ألف دولار، موضحاً أنه يريد بيعها من أجل شراء سيارة صغيرة لأسرته، وتشطيب منزله، إلى جانب شراء بعض المتطلبات الضرورية بفارق الثمن.
من ناحيته، يقول تاجر السيارات أبو محمد أبو الخير، الذي جاء إلى السوق لبيع جيب توسان بخمسة عشر ألف دولار أن الأسواق في وضع مترد للغاية بسبب اتباع معظم متاجر بيع السيارات لسياسة "التقسيط المُمِل"، والتي تمكن الزبون من الحصول على السيارة بطريقة سهلة، وبطرق سداد مريحة وبسيطة.
ويوضح لـ"العربي الجديد" أن قرار السماح بدخول سيارات أجرة إلى قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم، لأول مرة منذ تسع سنوات، ساهم بخسارة بعض مُلاك السيارات نتيجة انخفاض الأسعار، لافتاً اتجاه الزبائن إلى أسطول السيارات التي دخلت غزة مؤخراً.
بينما يقول البائع صهيب أبو جراد، الذي وقف أمام سيارة "بيجو" حمراء لنقل البضائع، إنه يريد بيع السيارة أو تبديلها بسيارة أو شاحنة أخرى، تتسع لبضائعه، حيث يعمل في تأجير الكراسي وكوش الأفراح، وأسلاك الإضاءة، والمسارح.
ويوضح لـ"العربي الجديد" أن الأسعار في سوق السيارات متناسبة إلى حد ما مع الأوضاع الاقتصادية السيئة في القطاع المُحاصر، مبيناً في الوقت ذاته أن الأسعار تختلف حسب كمية السيارات المعروضة، وتتأثر بناء على معادلة العرض والطلب.
السيارات الموجودة داخل السوق، لا تقتصر على الحديثة، وسيارات الأجرة فقط، بل احتوى على مجموعة من "التكاتك"، نصف النقل، صهاريج المياه، الدراجات النارية، إلى جانب سيارات قديمة "خردة" منخفضة الثمن، تباع للاستفادة من قطع غيارها.
ويقول الشاب سليم أبو عساكر من منطقة الزيتون إنه جاء لاقتناء سيارة "رينو" صغيرة، تمكنه من الذهاب إلى عمله الساعة الثامنة صباحاً، خاصة وأنه يتأخر يومياً نتيجة الأزمة المرورية، وبعد الشارع الرئيسي عن منزله، ما يتسبب بتأخيره عن الدوام.