عقد "الجهاز المركزي للرقابة المالية" في سورية مؤتمره السنوي الثاني الشهر الماضي، ومن بين "المعلومات الهامة" التي خرج بها على الملأ عبر تقريره هي أنّ: "المبالغ المكتشفة والمطلوب استردادها بالقطاعين الإداري والاقتصادي لمؤسسات الدولة، وفق التقرير السنوي للعام الماضي، بلغت 6 مليارات و848 مليون ليرة، إضافةً لـ 114 ألف دولار، و272 ألف يورو".
هذه المبالغ التي يمكن إدراجها تحت خانة "الاختلاس" تقدر بمجموعها بما لا يزيد عن 11 مليون دولار، إذا حسبنا هذه المبالغ بسعر صرف الليرة السورية الحالي مقابل الدولار، وهو بحدود 620 ليرة للدولار الواحد. علماً أنّ تحصيل هذه الاختلاسات، في حال تم تحصيلها بعد أشهر قليلة، وفي ظل استمرار تداعي الليرة السورية، سيجعل من المبالغ المحصلة أقل قيمة بما لا يقاس مما كانت عليه حين اختلست. حتى وإن تمت استعادة هذه المبالغ بقيمها الفعلية لحظة اختلاسها، فهل تشكل هذه المبالغ أي تعبير جدي عن حجم الفساد في سورية؟
يبدو أنّ التصريح بوجود اختلاس بهذا "الحجم"، لم يكن نافعاً في تحسين وضع سورية على قائمة الشفافية الدولية التي تقيس في استطلاعات عامة نسبة ارتفاع أو انخفاض حجم الفساد في غير قطاع ومرفق، وفق عينات من المواطنين، فمنظمة الشفافية الدولية وفي تقريرها الأخير أعطت سورية 18 نقطة لعام 2015 مقارنة بـ 20 نقطة في 2014، وهو ما جعل ترتيب سورية على المستوى الدولي 156.
اقــرأ أيضاً
يقدر "التقرير الوطني الاستشرافي الأول ــ سورية 2025" الصادر في 2005، حصة الفساد من الناتج المحلي بحدود 26%، ويذكر مثالاً عن تهريب المازوت المدعوم حكومياً في حينه، حيث بلغت حصة التهريب في عام 2005 ربع القيمة الإجمالية لمستوردات المحروقات، ونسبة 1,2% من الناتج المحلي السوري، بمقدار 18 مليار ليرة سورية. أي أنّ قطاعاً واحداً، بلغ الفساد فيه، حسب رقم شبه حكومي (التقرير المشار إليه)، ما يصل إلى ثلاثة أضعاف المبلغ "المكتشف" بعد عشرة أعوام.
ويبدو أنّ شؤون "الشفافية" في سورية، لا تختلف كثيراً عن شؤون "الديمقراطية" وسواها. ففي كل شأن من هذه الشؤون التي يبدو أنّ المجتمع الدولي مهتم بها، يقوم النظام السوري بطبخ "التمثيلية" المناسبة، التي كثيراً ما تظهر بوصفها فكاهة سوداء. فكما الحال في انتخابات "مجلس الشعب" والانتخابات الرئاسية، هنالك أيضاً "جهاز مركزي للرقابة المالية" عقد مؤتمره السنوي الأول عام 2014، وقبل ذلك لم يكن هنالك من داع لعقد المؤتمرات.
في السياق نفسه، إدخال النفط ضمن الموازنة السورية لم يجر إلا في عام 2001 بعد انتهاء الفورة النفطية السورية، وبعد مرور أكثر من ثلاثين عاماً على بداية استخراج النفط في سورية. وحتى حين دخل النفط في الموازنة فإنّه لم يدخل بكامل حجمه. فوفقاً للخبير الاقتصادي الياس نجمة في حديث له مع الصحافي فراس ديوب "لموقع سيريانديز" يقول: "تبويب الإيرادات النفطية كان تبويباً غريباً وعجيباً، فالإيرادات النفطية تدخل في الموازنة بطريقة تحول دون إمكانية تدقيقها، وهي قيمة الإيرادات البترولية للدولة، ففي فترات سابقة كان لدى سورية أزمة في القطع الأجنبي وكانت القيادة السياسية ترى بأن لا يتم هذا الإنفاق كيفما اتفق. ولم تترك الأمور لوزارة المالية أو غيرها من الوزارات للإنفاق، وكان الهدف من ذلك هو حصر الجهات التي تذهب إليها هذه الأموال، لكن في النهاية كانت كافة الإيرادات النفطية تذهب إلى الدولة، أو تنفق كافة إيرادات البترول عبر الإنفاق العام".
يضاف إلى هذه الوقائع جميعها، الحديث الذي بات معروفاً تماماً حول التهرب الضريبي، والذي بلغ وفقاً للاتحاد العام لنقابات العمال السوري 400 مليار ليرة سورية، وهو ما يعادل 30% من حجم الموازنة العامة للدولة.
إنّ البحث في أرقام الاقتصاد السوري التي تصدرها جهات حكومية ورسمية، كافٍ لوحده، ودون الرجوع إلى ما يسميه النظام بـ "المصادر والقنوات المغرضة"، لكي يجعل من تصريحات الجهاز المركزي للرقابة المالية مهزلة كاملة الأوصاف!
(كاتب اقتصادي سوري)
اقــرأ أيضاً
يبدو أنّ التصريح بوجود اختلاس بهذا "الحجم"، لم يكن نافعاً في تحسين وضع سورية على قائمة الشفافية الدولية التي تقيس في استطلاعات عامة نسبة ارتفاع أو انخفاض حجم الفساد في غير قطاع ومرفق، وفق عينات من المواطنين، فمنظمة الشفافية الدولية وفي تقريرها الأخير أعطت سورية 18 نقطة لعام 2015 مقارنة بـ 20 نقطة في 2014، وهو ما جعل ترتيب سورية على المستوى الدولي 156.
ويبدو أنّ شؤون "الشفافية" في سورية، لا تختلف كثيراً عن شؤون "الديمقراطية" وسواها. ففي كل شأن من هذه الشؤون التي يبدو أنّ المجتمع الدولي مهتم بها، يقوم النظام السوري بطبخ "التمثيلية" المناسبة، التي كثيراً ما تظهر بوصفها فكاهة سوداء. فكما الحال في انتخابات "مجلس الشعب" والانتخابات الرئاسية، هنالك أيضاً "جهاز مركزي للرقابة المالية" عقد مؤتمره السنوي الأول عام 2014، وقبل ذلك لم يكن هنالك من داع لعقد المؤتمرات.
في السياق نفسه، إدخال النفط ضمن الموازنة السورية لم يجر إلا في عام 2001 بعد انتهاء الفورة النفطية السورية، وبعد مرور أكثر من ثلاثين عاماً على بداية استخراج النفط في سورية. وحتى حين دخل النفط في الموازنة فإنّه لم يدخل بكامل حجمه. فوفقاً للخبير الاقتصادي الياس نجمة في حديث له مع الصحافي فراس ديوب "لموقع سيريانديز" يقول: "تبويب الإيرادات النفطية كان تبويباً غريباً وعجيباً، فالإيرادات النفطية تدخل في الموازنة بطريقة تحول دون إمكانية تدقيقها، وهي قيمة الإيرادات البترولية للدولة، ففي فترات سابقة كان لدى سورية أزمة في القطع الأجنبي وكانت القيادة السياسية ترى بأن لا يتم هذا الإنفاق كيفما اتفق. ولم تترك الأمور لوزارة المالية أو غيرها من الوزارات للإنفاق، وكان الهدف من ذلك هو حصر الجهات التي تذهب إليها هذه الأموال، لكن في النهاية كانت كافة الإيرادات النفطية تذهب إلى الدولة، أو تنفق كافة إيرادات البترول عبر الإنفاق العام".
يضاف إلى هذه الوقائع جميعها، الحديث الذي بات معروفاً تماماً حول التهرب الضريبي، والذي بلغ وفقاً للاتحاد العام لنقابات العمال السوري 400 مليار ليرة سورية، وهو ما يعادل 30% من حجم الموازنة العامة للدولة.
إنّ البحث في أرقام الاقتصاد السوري التي تصدرها جهات حكومية ورسمية، كافٍ لوحده، ودون الرجوع إلى ما يسميه النظام بـ "المصادر والقنوات المغرضة"، لكي يجعل من تصريحات الجهاز المركزي للرقابة المالية مهزلة كاملة الأوصاف!
(كاتب اقتصادي سوري)