الربيع العربي ..لم يلفح الاقتصاد بعد

29 ابريل 2014
+ الخط -

تمتلك الدول العربية ثروات طبيعية ضخمة، من النفط والغاز والمعادن والمواد الطبيعية الأخرى. إلا أن هذه الثروات توظّف لاستهلاك ما تنتجه الدول الكبرى، بدلاً من تنمية الاقتصادات العربية، وبدلاً من أن تتحول الدول العربية إلى أضخم البلدان الصناعية والزراعية في العالم.
هكذا، تبدو الخطوط الاقتصادية العالمية مرسومة بإتقان.
الغرب يستغل ثروته للتصنيع وتطوير الاقتصاد وصولاً إلى ما بعد بعد القمر، ويحوّل الأسواق العربية إلى متجر ضخم لسلعه وخدماته.
في حين أن الدول العربية تزهق تريليونات الدولارات على استهلاك الطعام والشراب والثياب والنفقات غير المجدية، ولا تنتج أي سلعة تقدم قيمة مضافة للتطوّر الصناعي والتكنولوجي والفكري العالمي.

هذا الواقع، دفع "العربي الجديد" للقيام ببحث صغير حول تركيبة الاقتصادات العربية، وأبرز المؤشرات التي توضح الصورة، الميزان التجاري للدول العربية.

الميزان التجاري، لمن لا يحب المصطلحات الاقتصادية، ليس معقد التعريف.
هو حصيلة التبادل التجاري الذي تقوم به دولة ما، من حيث الصادرات والواردات.
ما يعني أنه إذا كانت الواردات أكثر من الصادرات، فهذا يعني أن الدولة عاجزة في الإنتاج والتصدير، ويقوم مجتمعها على استيراد حاجاته من الخارج.

 أما اذا كان حجم الصادرات أكبر، فهذا يعني أن الميزان التجاري يحقق "فائضاً"، لأن الدولة منتجة، أي قادرة على إنتاج ما يسد جزءاً أساسياً من حاجات مواطنيها، وقادرة على تصدير سلع معينة تفيض عن حاجة مجتمعها.

مؤشرات الميزان التجاري العربي تشير إلى وجود فائض. إذ إن بحث "العربي الجديد" بيّن أن مجموع فائض الميزان التجاري لـ 16 دولة عربية، يساوي حوالى 244 مليار دولار في العام 2013.

إلا أن الدخول إلى تفاصيل نوع الصادرات التي تخرج من الدول العربية، ونوع الواردات، يُظهر أن هذا الفائض ليس ناتجاً من إنتاج صناعي وزراعي وتكنولوجي، وإنما نتيجة تصدير النفط إلى دول العالم فقط.

النتيجة الأكثر سوءاً، أن سبع دول (السعودية، الإمارات، قطر، الكويت، سلطنة عمان، ليبيا، الجزائر) من أصل 16 دولة، حققت فائضا في ميزانها التجاري، في حين أن تسع دول (مصر، السودان، فلسطين، الأردن المغرب، سورية، تونس، لبنان، موريتانيا) تعيش تحت عجز يراوح بين 291 مليون دولار و46 مليار دولار.

وحين الدخول في تفاصيل التفاصيل، يتبيّن أنه هذه الدول السبع لا تنتج إلا النفط، إذ إن قيمة الصادرات النفطية تصل نسبتها إلى ما بين 70% وصولاً إلى 98% من قيمة صادراتها الإجمالية.
مثلاً، قيمة واردات الجزائر 55 مليار دولار تقريباً، في حين أن قيمة صادراتها حوالى 66 مليار دولار.
الجزائر حققت فائضا في ميزانها التجاري بقيمة 11 مليار دولار، إلا أنه عند التدقيق في الأرقام يتبين أن 97 % من صادرات الجزائر من المحروقات.

أما السعودية مثلاً، فقد وصلت قيمة صادراتها إلى 314 مليار دولار، بينها 52 مليار دولار فقط صادرات غير نفطية.

أرقام لا تدل إلا على قضية واحدة، نحن بلاد بليدة لا تنتج ولا تقدم أي قيمة مضافة للبشرية. قد يرد قائل بأن عدداً من الدول العربية أنتج سيارات وأجهزة كهربائية وغيرها، إلا أن الواقع في مكان آخر. إذ إن غالبية المواد الأولية المستخدمة في هذه الصناعات النادرة وغير المنظورة في الناتج المحلي الإجمالي العربي، غالبيتها مواد مستوردة من الدول الغربية... لا، بل إن الأعلام العربية نسيجها مستورد، وغالباً من الصين.

بديهياً، هذا الميل الاستهلاكي الجارف في الدول العربية، مدفوع بالكامل من مراكز الإنتاج في الغرب.
منظمة التجارة العالمية خُلقت لتكوين أسواق جديدة لمنتجات الدول الصناعية، البنك وصندوق النقد الدوليين ولدا كي يهندسا الاقتصادات النامية بما يتلاءم مع حاجات تصريف إنتاج الدول الكبرى.
أما الدول العربية التي تعصف بشوارعها نسائم الربيع، فلم تستطع حتى اللحظة تغيير نمطها الاقتصادي، برغم معرفة الأنظمة، كما المعارضات، أن لا استقلال سياسياً بلا تحقيق الاستقلال الاقتصادي.

 


ملاحظة: أرقام العجز والفائض في الميزان التجاري للدول العربية، مأخوذة من عدد من المصادر الرسمية في كل دولة، منها وزارات الاقتصاد والتجارة ومراكز الإحصاء الرسمية، إضافة إلى تقارير المنظمات العربية والدولية حول حجم التبادل التجاري في الدول العربية.
الرقم المتعلق بفائض الميزان التجاري في ليبيا مأخوذ من تقرير للبنك الدولي في العام 2012، يقدر فيه حجم الفائض للعام 2013. كذلك، العجز في موريتانيا يعود إلى العام 2012.
المساهمون