17 نوفمبر 2024
الرئاسيات الجزائرية بين السلطة والحراك
أصرّت قيادة الجيش الجزائري على إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، اليوم الخميس 12 ديسمبر/كانون الأول الجاري، على الرغم من الاعتراضات الشعبية الواسعة التي عبّرت عن رفضها هذه الانتخابات، في مختلف ساحات المدن والبلدات الجزائرية وشوارعها، ودعوات الحراك الاحتجاجي إلى مقاطعتها، وذلك في ظل استمرار القيادة العسكرية الجزائرية في المضي في نهج إرغام الحراك على قبول الإجراءات والإصلاحات التي قامت بها، بهدف الحفاظ على بنية النظام الجزائري وتركيبته الممتدة إلى أبعد من خمسة عقود خلت.
ويبدو أن عسكر الجزائر أرادوا الالتفاف على مطالب الحراك الاحتجاجي الشعبي الذي أطاح العهدة الخامسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، من خلال التضحية ببعض شخصيات ممن عُرفوا بـ"العصابة السوداء"، المكونة من رموز شبكة الفساد والنهب في النظام، وتضم شخصيات عائلية ورجال أعمال وقادة أجهزة استخباراتية ومسؤولين سابقين، وإحالتهم إلى المحاكم، وشمل ذلك سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس السابق، والجنرال محمد مدين قائد المخابرات العسكرية السابق، المعروف بالجنرال توفيق، ورئيسي حكومة سابقين، عبد الملك سلال وأحمد أويحيى.
واتُّخذت هذه الإجراءات، عندما أدرك قادة المؤسسة العسكرية الجزائرية جذرية مطالب الحراك
الاحتجاجي الذي بات واسعاً وممتداً وعصياً على الكسر بالقوة والإكراه، فحاولوا احتواء مطالبه، والالتفاف على طموحاته، ووضعوا خريطة طريق تظهرهم بمظهر المنفذ لمطالب قوى الحراك، لكنهم في حقيقة الأمر قاموا بتوجيه الأوضاع في الجزائر، بما يمكّنهم من الحفاظ على مواقعهم في قيادة السلطة، واستبدال رموز من النظام بآخرين من بطانته، وتنظيم انتخاباتٍ رئاسية، تجري بين خمسة مرشحين، ينتمون إلى تركيبة النظام القائم نفسها، هدفها المجيء برئيس جديد، لن يكون سوى واجهة مدنية لسيطرتهم على النظام ومقدّرات الدولة وأجهزتها. والمرشحون هم رئيس الحكومة الأسبق، علي بن فليس، والذي سبق أن تولى أيضاً منصب الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، الحاكم التاريخي للجزائر، وعبد المجيد تبون رئيس الحكومة الأسبق، وقد شغل مناصب وزارية عديدة، وعز الدين ميهوبي وزير الثقافة السابق، وعبد العزيز بلعيد وهو أحد كوادر حزب جبهة التحرير الوطني، وعبد القادر بن قرينة مرشح مقرب من التيارات الإسلامية. وتفيد تقارير بأن دعم جنرالات الجزائر يتركز على المرشح عبد المجيد تبون، ابن النظام الجزائري بامتياز، وكان مقرّباً جداً من بوتفليقة والعسكر المتنفذين.
ومثلما عوّدتنا الأنظمة العربية في كل مهزلةٍ، مثل الانتخابات التي تحاول تسويقها وتصويرها على أنها "ديمقراطية" و"شفافة" و"نزيهة"، سارع عسكر الجزائر وقوى الثورة المضادة إلى التغني بالانتخابات الرئاسية، بوصفها مفتاح خلاص الجزائر، وأنها تتوّج نهاية نظام بوتفليقة، وتمنع الجزائر من الدخول في نفق الفوضى المظلم، فنظموا مسيراتٍ مؤيدةً للانتخابات، وراحوا يكيلون تهم التخوين والارتزاق والعمالة للمستعمر ضد كل من يرفضها، فيما ارتفعت أصوات المحتجين تطالب بكف يدّ العسكر عن تسيير المرحلة الانتقالية، ومطالبتهم الجيش بأن يكون في مكانه الطبيعي في الثكنات، مع الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات، وإلى إضراب عام في الجزائر. غير أن رئيس أركان الجيش الجزائري، الفريق قايد صالح، لم يجد سوى العزف على وتر
المشاعر الوطنية، وذلك للرد على منتقدي حملة الاعتقالات التي طاولت ناشطين في الحراك الجزائري، وبغية حثّ الناخبين الجزائريين على المشاركة في مهزلة الانتخابات الرئاسية، معتبراً أن الشعب الجزائري سيعرف "كيف يَرُدُّ على هؤلاء المتربصين به والمتآمرين على وطنه، من خلال إقباله بقوة على صناديق الاقتراع لاختيار رئيس للجمهورية بكل نزاهة وحرية وديمقراطية". ولم يجد حرجاً في إطلاق هذه التوصيفات الخادعة على انتخاباتٍ ليست أكثر من تنويعٍ لمهزلةٍ اعتادت عليها الأنظمة التسلطية العربية.
ويبقى الرهان على الحراك الاحتجاجي الجزائري الذي يعي ناشطوه أن عسكر النظام سيفعلون أي شيء من أجل المحافظة على كرسي الحكم، من خلال المجيء برئيس، يستخدمونه واجهة لحكمهم وتسلطهم. لذلك تجد قوى الحراك نفسها مطالبةً بالقيام بخطواتٍ نوعيةٍ من أجل تحقيق طموحاته في تغيير النظام الذي يتطلب تغييراً في الأساليب، وتغييراً في القواعد التي تنتج ممكنات تغيير النظام، بالانتقال من مرحلة الاحتجاج وطرح المطالب إلى مرحلة الفعل والتأثير، لأن خطى التغيير الفاعل والمبتكر هي مسؤولية الحراك الاحتجاجي نفسه، بوصفها أهم أولوياته، من خلال ابتكار خطواتٍ على مستوى التنظيم والتحشيد أكثر فاعلية، ويمكنها إحداث نقلاتٍ سياسيةٍ، تفضي إلى خلخلة أسس قوى الثورة المضادة وركائزها، أو ما يُعرف بالدولة العميقة.
وفيما يراهن عسكر الجزائر وقوى الثورة المضادّة على تشتت الحراك، فإن على ناشطيه تطوير حراكهم بعد الانتخابات، وفق أسس وخطط جديدة من التنظيم والفاعلية والزخم، ذلك أن استمراره بقوة وعزم لا يلينان لا يستوي مع عدم وجود إطار تنظيمي، يجمع قواه على أهداف محدّدة، ويضع خطة انتقال ديمقراطي واضحة، يجعل من الصعوبة بمكان توقع تحقق تلك الأهداف من دون تشكيل جسم تنظيمي، يُحدّد مطالب الحراك، ويقود عملية الانتقال الديمقراطي التي ينشدها الشعب الجزائري إلى خاتمته. وهذا يفرض نقلة نوعية في بنية وأشكال المظاهرات والتجمعات الاحتجاجية، وتغيير في أنماطها وأشكالها، وفي أداء المحتجين وخطابهم الاجتماعي والسياسي. إضافة إلى توليد آليات اجتماعية، واستراتيجيات ضغط وتعبئة وتحشيد، تتحدّد فيها الأولويات، ومنطلقات التغيير المطلوبة التي تجسد تطلعات الجزائريين وطموحاتهم وآمالهم.
واتُّخذت هذه الإجراءات، عندما أدرك قادة المؤسسة العسكرية الجزائرية جذرية مطالب الحراك
ومثلما عوّدتنا الأنظمة العربية في كل مهزلةٍ، مثل الانتخابات التي تحاول تسويقها وتصويرها على أنها "ديمقراطية" و"شفافة" و"نزيهة"، سارع عسكر الجزائر وقوى الثورة المضادة إلى التغني بالانتخابات الرئاسية، بوصفها مفتاح خلاص الجزائر، وأنها تتوّج نهاية نظام بوتفليقة، وتمنع الجزائر من الدخول في نفق الفوضى المظلم، فنظموا مسيراتٍ مؤيدةً للانتخابات، وراحوا يكيلون تهم التخوين والارتزاق والعمالة للمستعمر ضد كل من يرفضها، فيما ارتفعت أصوات المحتجين تطالب بكف يدّ العسكر عن تسيير المرحلة الانتقالية، ومطالبتهم الجيش بأن يكون في مكانه الطبيعي في الثكنات، مع الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات، وإلى إضراب عام في الجزائر. غير أن رئيس أركان الجيش الجزائري، الفريق قايد صالح، لم يجد سوى العزف على وتر
ويبقى الرهان على الحراك الاحتجاجي الجزائري الذي يعي ناشطوه أن عسكر النظام سيفعلون أي شيء من أجل المحافظة على كرسي الحكم، من خلال المجيء برئيس، يستخدمونه واجهة لحكمهم وتسلطهم. لذلك تجد قوى الحراك نفسها مطالبةً بالقيام بخطواتٍ نوعيةٍ من أجل تحقيق طموحاته في تغيير النظام الذي يتطلب تغييراً في الأساليب، وتغييراً في القواعد التي تنتج ممكنات تغيير النظام، بالانتقال من مرحلة الاحتجاج وطرح المطالب إلى مرحلة الفعل والتأثير، لأن خطى التغيير الفاعل والمبتكر هي مسؤولية الحراك الاحتجاجي نفسه، بوصفها أهم أولوياته، من خلال ابتكار خطواتٍ على مستوى التنظيم والتحشيد أكثر فاعلية، ويمكنها إحداث نقلاتٍ سياسيةٍ، تفضي إلى خلخلة أسس قوى الثورة المضادة وركائزها، أو ما يُعرف بالدولة العميقة.
وفيما يراهن عسكر الجزائر وقوى الثورة المضادّة على تشتت الحراك، فإن على ناشطيه تطوير حراكهم بعد الانتخابات، وفق أسس وخطط جديدة من التنظيم والفاعلية والزخم، ذلك أن استمراره بقوة وعزم لا يلينان لا يستوي مع عدم وجود إطار تنظيمي، يجمع قواه على أهداف محدّدة، ويضع خطة انتقال ديمقراطي واضحة، يجعل من الصعوبة بمكان توقع تحقق تلك الأهداف من دون تشكيل جسم تنظيمي، يُحدّد مطالب الحراك، ويقود عملية الانتقال الديمقراطي التي ينشدها الشعب الجزائري إلى خاتمته. وهذا يفرض نقلة نوعية في بنية وأشكال المظاهرات والتجمعات الاحتجاجية، وتغيير في أنماطها وأشكالها، وفي أداء المحتجين وخطابهم الاجتماعي والسياسي. إضافة إلى توليد آليات اجتماعية، واستراتيجيات ضغط وتعبئة وتحشيد، تتحدّد فيها الأولويات، ومنطلقات التغيير المطلوبة التي تجسد تطلعات الجزائريين وطموحاتهم وآمالهم.