28 اغسطس 2024
الدولة الواحدة وإعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني
يزداد الجدل داخل الأوساط الفلسطينية الناقدة للأوضاع الفلسطينية السائدة، والباحثة عن طرق للخروج من الحالة الراهنة، بشأن البدائل والخيارات المناسبة. وهذه الأوساط التي تشمل مواطنين عاديين، نشطاء شبابا، أكاديميين، مثقفين، لجانا شعبية عديدة في الداخل والخارج، لم تتحول إلى تيار ثالث منظم بعد أو إلى قوة قائدة، لا على الأرض ولا مؤثرة في المؤسسات السياسية الرسمية، مع ذلك هي المرشحة وحدها لتشكيل البديل، حتى لو بعد حين. ما تقدمه من حراكات جماهيرية بين الحين والآخر، ومن اجتهادات نظرية جدية تصوب نحو طريق مختلف، وأُفق أرحب، وهو ما لا تخطئه العين، سيكون بمثابة بنية الأساس الثقافية للمشروع الوطني المتجدد. ويتأسس هذا الحراك على القناعة بأن بنى النظام السياسي الفلسطيني القائم، أو الطبقة السياسية التي تقوده، ما عادت تملك أي مقوم حقيقي لاجتراح مخرج قادر على تجنيد الناس حوله.
من نافل القول إن هذه الأوساط الشعبية الناقدة والمتحركة خارج الأطر التقليدية لا تدير حوارا مع القيادات التي استحوذت على القرار منذ عشرات السنين، إذ ترفض هذه القيادات الاعتراف بفشلها، وبالتالي ليست مستعدة للإصغاء والتفاعل مع توجهات مختلفة جذرية. وبالتالي، فإن جهدها العملي والنظري متركز في ما بينها، في محاوله لإنضاج البديل، على المستوى النظري، وعلى مستوى توليد النواة التنظيمية الجماهيرية الأولى.
جوهر الجدل القائم هو هل نركز على مسار إعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني، أي
تعزيز القاسم التاريخي بين جميع تجمعات الشعب الفلسطيني، باعتباره شعبا واحدا بدون تحديد شكل الحل؛ دولة واحدة أو دولتين، أو أي شكل آخر من الحلول، أم نحدد خياراتنا وبشكل قاطع رؤيتنا للحل، المتمثل بالعودة إلى خيار التحرير الشامل، عبر تطويره إلى دولة ديمقراطية واحدة في كل فلسطين، ونحمل هذا الخيار إلى شعبنا وإلى العالم، وندافع عنه بقناعة تامة، وبتصميم مطلق، أم ندمج بين الخيارين، أو الأدق المهمتين.
كاتب هذه السطور من أنصار الدمج بين الخيارين، وعدم الاكتفاء بمسار واحد، وبنظري كلاهما مكمل للآخر، ويمنح تكاملهما النضال الفلسطيني وضوحا وقوة. ويمكن أن يكتفي المدافعون عن إعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني، بعدم تبني أي شكل من أشكال الحل، مقتدين باستراتيجية حركة المقاطعة الفلسطينية التي لا تحدد حلا، مع أن النقاش داخلها يتطور أخيرا نحو المطالبة بتبني الدولة الواحدة. وأدرك أن من شأن هذه الصيغة، أي عدم تحديد شكل الحل، أن تجند غالبية المختلفين في الجهد، وهذا ما أفاد لجنة المقاطعة الوطنية حتى اللحظة. لكن هل تصمد هذه الصيغة، أو الاستراتيجية، بعد أن أجهز الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على ما تبقى من وهم خيار حل الدولتين الذي منح الشرعيه الأميركية لدولة الأبارتهايد الاستعمارية في كل فلسطين، وبات الناس يتساءلون عن البدائل، فضلا عن قيادة بديلة ترشدهم.
تجب الإشارة إلى، والتأكيد، أن كلا الخيارين يهدفان إلى إعادة تشكيل وعي جديد، وعيٍ بوحدة شعب فلسطين، وبجغرافية فلسطين، وهو المصل المضاد للوعي الزائف الذي ولّده اتفاق أوسلو، اتفاق التجزئة والتقسيم، وتشويه الوعي. ومن هذا الوعي الجديد، تُشتق الرؤية والخطاب، ومن ثم الاستراتيجية، والوسائل. وبالضرورة أن يكون خطابا تحرّريا وطنيا، وأخلاقيا إنسانيا، نُذوّته في صفوف شعبنا، ونأسر فيه خيال العالم الذي نحتاج إلى أحراره للوقوف معنا.
يستطيع، كما ذكرنا، أن ينخرط أنصار مهمة استعادة هوية المشروع الوطني التحرري وخطابه في هذا المسار وحده، وبالتأكيد فإن هذا المسار، بطبيعة الحال، أكثر اتساعا، وأكثر قابلية للاستقطاب لغياب الحاجة، في نظرهم، لتحديد شكل الحل. وبالتالي عدم الحاجة للجدل بشأنه. وهو مسار ضروري، بل حاجة وجودية للكيان الجمعي الفلسطيني.
لكن، وفِي ظل موت ما كان ميتا منذ زمن طويل، أي خيار الدولتين، وتحول فلسطين كلها إلى مستعمرة، ومستوطنة، تحت سيطرة نظام كولونيالي وفصل عنصري، لا بد من طرح البديل السياسي الأخلاقي الذي واجه فيه المؤتمر الوطني الأفريقي العالم، محولا نظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا إلى نظام منبوذ أخلاقيا وسياسيا ودوليا، ومنته إلى مزبلة التاريخ.
هذا الخيار، خيار الدولة الواحدة، لا بد أن يكون الحامل له قوة سياسية منظمة، يقودها فلسطينيون، ويهود إسرائيليون مناهضون للصهيونية ومشروعها الاستعماري. ندرك أن الغالبية الساحقة من المجتمع الإسرائيلي معبأة ومشحونة ضد كل ما هو عربي وفلسطيني. مع ذلك، هناك أصوات متزايدة من بين المثقفين والنشطاء المناهضين للاحتلال بدأت تميل إلى قبول الحل الديمقراطي في فلسطين، وهذا أمر يستحق التشجيع. لا يهم، في المرحلة الأولى، كم عدد الإسرائيليين الذين يمكن أن ينخرطوا في هذا المسار، وهناك في الحقيقة شخصيات أكاديمية إسرائيلية وازنة تتبنّى هذا الخيار، وقد يكون الباحث الإسرائيلي المطرود من جامعة حيفا، والمحاضر في جامعة إكستر البريطانية والناشط الأبرز والأجرأ، إيلان بابيه، لكنه ليس الوحيد. وجودهم ونشاطهم وحضورهم في إطار العمل من أجل تفكيك النظام الاستعماري في فلسطين، والمضي نحو خيار الدولة الديمقراطية الواحدة، هو حاجة أخلاقية وشرط من شروط مصداقية هذا الطرح الإنساني.
هناك من يعتقد أن آلية العمل الأساسية لإطار الدولة الواحدة هو الإقناع، أي قصر الجهد على
إقناع الإسرائيليين، وهذا وهم قاتل، لأنه مضيعة للوقت، وأيضا من شأنه أن يجر إلى تنازلات مبدئية، بحجة تقريب أوساط من المركز أو الوسط. التوجه إلى الإسرائيليين، والعمل في أوساطهم، جزء من الرؤية، وجزء من الاستراتيجية، ولكن من خلال التمسك بهدف تفكيك منظومة الاستعمار الصهيونية. وبشرط أن يكون النضال هو الاستراتيجية الرئيسية.
حملة الدولة الواحدة هي حملة مقاومة شعبية، مدنية، تحررية، تشمل أهدافا عينية آنية، ومرحلية، واقعية، تمهد للوصول إلى الهدف الاستراتيجي، وتحتاج إلى جهد عملي وفكري كبير، وقدر عال من التصميم والمثابرة.
كما في خضم المعركة التنظيمية والجماهيرية والسياسية والميدانية، لأنصار الدولة الواحدة، يجري جهد فكري أكاديمي، ونقاش معمق ومنهجي، بشأن شكل الدولة ونظامها، ودستورها، وأجهزتها المختلفة، بل تقف أمامها مهمات عينية، مثل بناء مؤسسات متعددة المجالات، تكون في القلب منها طلائع الجيل الشاب صاحب المصلحة الأساسية في دحر نظام الاستعمار وتحقيق الدولة الديمقراطية الحرة. وربما هذا جزء من جوابٍ يرضي بعض المتسائلين ممن يميلون إلى الانتقال إلى خيار الدولة الواحدة، حول واقعية الطرح وإمكانية تحقيقه.
ومن أجل التوضيح، ليس خيار الدولة الديمقراطية الواحدة حلا قريبا، لكنه لم يمت كما مات خيار الدولتين الذي طرح ترجمة لميزان القوى الظالم. أما خيار الدولة الواحدة فهو تعبير عن العدالة وحق تقرير المصير، والمساواة، على أنقاض التقسيم والعنصرية والأبارتهايد. هذا الخيار هو رؤية تحررية إنسانية في مواجهة نظام قاتل غير أخلاقي، لا يعترف بالقيم الكونية الإنسانية، قد يستغرق سنين طويلة، تسير فيه الأجيال الجديدة واثقة من وضوحه وأخلاقيته وقوته، وتنشأ على أفكار تحررية نهضوية تقدمية.
ولهذا كله، في نظري، ليس هناك تصادم بين المسارين، بل تكامل حيوي واستراتيجي.
من نافل القول إن هذه الأوساط الشعبية الناقدة والمتحركة خارج الأطر التقليدية لا تدير حوارا مع القيادات التي استحوذت على القرار منذ عشرات السنين، إذ ترفض هذه القيادات الاعتراف بفشلها، وبالتالي ليست مستعدة للإصغاء والتفاعل مع توجهات مختلفة جذرية. وبالتالي، فإن جهدها العملي والنظري متركز في ما بينها، في محاوله لإنضاج البديل، على المستوى النظري، وعلى مستوى توليد النواة التنظيمية الجماهيرية الأولى.
جوهر الجدل القائم هو هل نركز على مسار إعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني، أي
كاتب هذه السطور من أنصار الدمج بين الخيارين، وعدم الاكتفاء بمسار واحد، وبنظري كلاهما مكمل للآخر، ويمنح تكاملهما النضال الفلسطيني وضوحا وقوة. ويمكن أن يكتفي المدافعون عن إعادة الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني، بعدم تبني أي شكل من أشكال الحل، مقتدين باستراتيجية حركة المقاطعة الفلسطينية التي لا تحدد حلا، مع أن النقاش داخلها يتطور أخيرا نحو المطالبة بتبني الدولة الواحدة. وأدرك أن من شأن هذه الصيغة، أي عدم تحديد شكل الحل، أن تجند غالبية المختلفين في الجهد، وهذا ما أفاد لجنة المقاطعة الوطنية حتى اللحظة. لكن هل تصمد هذه الصيغة، أو الاستراتيجية، بعد أن أجهز الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على ما تبقى من وهم خيار حل الدولتين الذي منح الشرعيه الأميركية لدولة الأبارتهايد الاستعمارية في كل فلسطين، وبات الناس يتساءلون عن البدائل، فضلا عن قيادة بديلة ترشدهم.
تجب الإشارة إلى، والتأكيد، أن كلا الخيارين يهدفان إلى إعادة تشكيل وعي جديد، وعيٍ بوحدة شعب فلسطين، وبجغرافية فلسطين، وهو المصل المضاد للوعي الزائف الذي ولّده اتفاق أوسلو، اتفاق التجزئة والتقسيم، وتشويه الوعي. ومن هذا الوعي الجديد، تُشتق الرؤية والخطاب، ومن ثم الاستراتيجية، والوسائل. وبالضرورة أن يكون خطابا تحرّريا وطنيا، وأخلاقيا إنسانيا، نُذوّته في صفوف شعبنا، ونأسر فيه خيال العالم الذي نحتاج إلى أحراره للوقوف معنا.
يستطيع، كما ذكرنا، أن ينخرط أنصار مهمة استعادة هوية المشروع الوطني التحرري وخطابه في هذا المسار وحده، وبالتأكيد فإن هذا المسار، بطبيعة الحال، أكثر اتساعا، وأكثر قابلية للاستقطاب لغياب الحاجة، في نظرهم، لتحديد شكل الحل. وبالتالي عدم الحاجة للجدل بشأنه. وهو مسار ضروري، بل حاجة وجودية للكيان الجمعي الفلسطيني.
لكن، وفِي ظل موت ما كان ميتا منذ زمن طويل، أي خيار الدولتين، وتحول فلسطين كلها إلى مستعمرة، ومستوطنة، تحت سيطرة نظام كولونيالي وفصل عنصري، لا بد من طرح البديل السياسي الأخلاقي الذي واجه فيه المؤتمر الوطني الأفريقي العالم، محولا نظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا إلى نظام منبوذ أخلاقيا وسياسيا ودوليا، ومنته إلى مزبلة التاريخ.
هذا الخيار، خيار الدولة الواحدة، لا بد أن يكون الحامل له قوة سياسية منظمة، يقودها فلسطينيون، ويهود إسرائيليون مناهضون للصهيونية ومشروعها الاستعماري. ندرك أن الغالبية الساحقة من المجتمع الإسرائيلي معبأة ومشحونة ضد كل ما هو عربي وفلسطيني. مع ذلك، هناك أصوات متزايدة من بين المثقفين والنشطاء المناهضين للاحتلال بدأت تميل إلى قبول الحل الديمقراطي في فلسطين، وهذا أمر يستحق التشجيع. لا يهم، في المرحلة الأولى، كم عدد الإسرائيليين الذين يمكن أن ينخرطوا في هذا المسار، وهناك في الحقيقة شخصيات أكاديمية إسرائيلية وازنة تتبنّى هذا الخيار، وقد يكون الباحث الإسرائيلي المطرود من جامعة حيفا، والمحاضر في جامعة إكستر البريطانية والناشط الأبرز والأجرأ، إيلان بابيه، لكنه ليس الوحيد. وجودهم ونشاطهم وحضورهم في إطار العمل من أجل تفكيك النظام الاستعماري في فلسطين، والمضي نحو خيار الدولة الديمقراطية الواحدة، هو حاجة أخلاقية وشرط من شروط مصداقية هذا الطرح الإنساني.
هناك من يعتقد أن آلية العمل الأساسية لإطار الدولة الواحدة هو الإقناع، أي قصر الجهد على
حملة الدولة الواحدة هي حملة مقاومة شعبية، مدنية، تحررية، تشمل أهدافا عينية آنية، ومرحلية، واقعية، تمهد للوصول إلى الهدف الاستراتيجي، وتحتاج إلى جهد عملي وفكري كبير، وقدر عال من التصميم والمثابرة.
كما في خضم المعركة التنظيمية والجماهيرية والسياسية والميدانية، لأنصار الدولة الواحدة، يجري جهد فكري أكاديمي، ونقاش معمق ومنهجي، بشأن شكل الدولة ونظامها، ودستورها، وأجهزتها المختلفة، بل تقف أمامها مهمات عينية، مثل بناء مؤسسات متعددة المجالات، تكون في القلب منها طلائع الجيل الشاب صاحب المصلحة الأساسية في دحر نظام الاستعمار وتحقيق الدولة الديمقراطية الحرة. وربما هذا جزء من جوابٍ يرضي بعض المتسائلين ممن يميلون إلى الانتقال إلى خيار الدولة الواحدة، حول واقعية الطرح وإمكانية تحقيقه.
ومن أجل التوضيح، ليس خيار الدولة الديمقراطية الواحدة حلا قريبا، لكنه لم يمت كما مات خيار الدولتين الذي طرح ترجمة لميزان القوى الظالم. أما خيار الدولة الواحدة فهو تعبير عن العدالة وحق تقرير المصير، والمساواة، على أنقاض التقسيم والعنصرية والأبارتهايد. هذا الخيار هو رؤية تحررية إنسانية في مواجهة نظام قاتل غير أخلاقي، لا يعترف بالقيم الكونية الإنسانية، قد يستغرق سنين طويلة، تسير فيه الأجيال الجديدة واثقة من وضوحه وأخلاقيته وقوته، وتنشأ على أفكار تحررية نهضوية تقدمية.
ولهذا كله، في نظري، ليس هناك تصادم بين المسارين، بل تكامل حيوي واستراتيجي.
دلالات
مقالات أخرى
02 سبتمبر 2019
17 يوليو 2019
07 ابريل 2019