في هذا الإطار، درجت العادة ابتداء من رئاسة نيكسون، في أواخر ستينيات القرن الماضي، على أن يعلن الرئيس الأميركي عن كشفه الضريبي السنوي وتفاصيله، بما يظهر مصادر دخله، خاصة لناحية مشروعيتها وحجمها.
كذلك، عليه قبل دخوله معركة الانتخابات، رفع بيان إلى اللجنة الفيدرالية الانتخابية يبيّن وضعه المالي العام من غير معلومات تفصيلية عن منشأ دخله أو شبكة أعماله.
وحسب مراقبين، فإن الإجراء الأول يعد عرفا غير مطالب به المرشح للانتخابات، لكن الثاني إلزامي. والغاية من الكشفين، أن يعطي المرشح للرئاسة الأميركية أو الرئيس صورة عن مدى الشفافية في تعاملاته المالية والضريبية، وبما يعزز من الثقة في قيادته وبصدقيته.
وحسب هؤلاء، فإن ترامب التزم بالإجراء الثاني المتعلق بشبكة أعماله، لأنه إجباري. لكنه تملّص من الأول المتعلق بمصادر دخله، بزعم أنه عُرف غير مُلزم، وبقي يماطل حتى اللحظة بشأنه، مع أنه الأهم كمقياس وكأداة كاشفة لحقيقة وضعه المالي.
ورسم هذا الأمر علامات استفهام منذ البداية، وعزز الشكوك والريبة حول صفقات ترامب والجهات التي اعتاد التعامل معها، لاسيما أن هناك إشاعات وكثيرا من الارتياب حول مشروعية بعضها، خاصة تلك التي أجراها مع أطراف في دول تحوم حولها شبهات في مجال تبييض الأموال، منها جهات روسية وأذربيجانية وغيرها.
في بدايات حملته الانتخابية، كرر ترامب الوعد بالإعلان عن الإقرار الضريبي فور انتهاء المحاسبين المختصين في شركاته من إعداده. ثم تعهّد بالكشف عنه عندما تنتهي الجهات الضريبية الرسمية من التدقيق فيه. ومرت الأيام من دون تقديم أي شيء من هذا القبيل.
وبعد فوزه، زعم ترامب أن الشعب الأميركي لا يهمه الأمر وقد انتخبه من دون تقديم هذا الكشف؛ وفي كل حال أصبح رئيساً ولا داعي لمثل هذا الإجراء.
قبل يومين، وعشية الموعد النهائي، انطلقت تظاهرات في واشنطن وعدة مدن أميركية، تطالب الرئيس بالإعلان عن كشفه الضريبي لعام 2016 المفترض أن يقدمه أمس.
الناطق الرسمي في البيت الأبيض قال إن الضرائب المستحقة على الرئيس ما زالت تحت التدقيق، وإنه لا يعرف ما إذا كان ترامب قد خوّل دائرة ضريبة الدخل بتأكيد ذلك. وعاد أمس بالرد على سؤال في هذا الخصوص.
وحسب المألوف، يكشف الرئيس الأميركي عن الضرائب المستحقة في آخر يوم من المهلة. لكن لا يبدو أن ترامب يعتزم مغادرة موقفه الرافض للعمل بهذه القاعدة. الأمر الذي يزيد من تعميم الظنّ بأنه يتهرّب من الاستجابة، ربما لأن في الأمر "ما يُحرج"، إذا لم يكن فيه "ما يفضح".
ويصب في ترسيخ هذا الظن أن فريق ترامب عمد، أواسط مارس/آذار الماضي، إلى تسريب نسخة عن إيراداته في عام 2005 والتي بلغت 150 مليون دولار، دفع ضريبة عليها مبلغ 38 مليون دولار، أي بمعدل 24.5%، في حين تصل النسبة إلى 27.4% على الدخل الذي يتجاوز المليون دولار سنوياً، كانت محاولة لوقف مطالبته بالمزيد من الكشوفات. لكنها زادت من التساؤل عن المانع من فتح صفحات ضريبة السنوات التالية.
والمعروف أن ترامب أعلن، في عام 1995، عن تكبده خسائر بقيمة 900 مليون دولار نتيجة إخفاقات مشاريع كازينوهات في منتجع أتلانتك سيتي، وبما يعفيه من الضرائب لأكثر من عشر سنوات.
والمفارقة، أن الرئيس الأميركي قال مرة، في مقابلة أثناء الحملة الانتخابية، إنه "كسب أموالاً جمة في اتلنتك سيتي"، كذلك أفصح مرة خلال تلك الفترة، أنه رجل "ثري يبلغ دخله السنوي 400 مليون دولار"، لكن عندما تجري مطالبته بالإفصاح عن هذه الأموال التي أوضح تفاصيلها لدائرة ضريبة الدخل، يبدأ بنسج الذرائع لحجبها.
كل ذلك وما ينطوي عليه من تساؤلات توحي بها الأرقام والتضاربات، زاد من الشبهات الضريبية حول ترامب، بل إن الكثير يعتبرونه جريمة، خاصة أن التهرب من الضريبة في أميركا ليس فقط كسرا للقانون، بل انكسار للسمعة والصورة.
وتأتي تلك التطورات المتعلقة بالضرائب المستحقة على ثروة ترامب في وقت تتحدث فيه إدارته عن مشروع لخفض الضريبة وإصلاح نظامها، حيث يصعب على الكونغرس في ظل هذه الشكوك، تمرير مثل هذه المشاريع بالصيغة التي يبتغيها هو والجمهوريون، خاصة في لحظة يتراجع فيها رصيده، الذي شهد بعض الانتعاش بعد ضرب قاعدة الشعيرات ليعود إلى هبوطه من جديد.
وحسب المراقبين، فإنه ليس من المتوقع أن يقوى ترامب على تعويم وضعه طالما بقي اللغز الضريبي قائما، خاصة أن اللغز المتعلق بالضريبة يتصل بصورة أو بأخرى بإشكالية احتفاظه بإمبراطورية أعماله ولو تحت إدارة ولديه، مع ما يثيره ذلك من توجّس حول التأثير غير المباشر لموقع الرئاسة على أعماله التي تحمل اسمه، وما قد يؤدي إليه ذلك من انتفاع يحظره القانون.
وإذا كانت الإثباتات على وجود مخالفات ضريبية صارحة لترامب غير متوفرة حتى الآن، إلا أن غيوم الشبهات تتجمع وقد تتحول إلى سحب ركامية تنذر بإعصار ما في وقت ما؛ لو بقي الغموض على حاله واستمرت التسريبات حول خفايا هذه الملفات التي تضعها الدوائر المعنية، وعلى رأسها الإعلام، تحت مجهر المراقبة اليومية.