تنتهي في الثالث والعشرين من شهر ديسمبر/ كانون الأوّل الحالي المهلة الأميركية التي منحتها واشنطن للعراق في الثامن من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، والتي تضمّنت السماح للأخير باستيراد الطاقة من إيران لمدة 45 يوماً، في استثناء من العقوبات الأميركية على طهران. إلا أنّ العراق لم يعلن موقفه بوضوح بشأن هذه المهلة، ما يعني أنّ بغداد ستجد نفسها بعد نحو ثلاثة أسابيع أمام أزمة سياسية حتمية، إمّا مع طهران، في حال امتثلت لعقوبات واشنطن، أو مع أميركا، في حال انحاز العراق للموقف الإيراني، وهي أزمة ستكون الاختبار الخارجي الأول لحكومة عادل عبد المهدي.
وفي السياق، قال عضو البرلمان العراقي عن تحالف "الفتح"، محمد كريم، إنه "لا يمكن للعراق أن يصطفّ إلى جانب واشنطن في ما يتعلّق بالعقوبات الأميركية المفروضة على إيران"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد" أنّ "العراق دولة ذات سيادة لا يمكن أن تخضع للإملاءات الخارجية". وتابع كريم أنّ "العراق لا يمكن أن يتخذ أي موقف سلبي من إيران مهما كانت النتائج"، متوقعاً أن يستمرّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب "بخلق الأزمات مع العراق والدول الأخرى".
واستبعد كريم استجابة بلاده لعقوبات واشنطن على طهران، والتوقّف عن استيراد الغاز والكهرباء من إيران بعد انتهاء مهلة الـ 45 يوماً، مؤكداً أنّ "السلطتين التشريعية والتنفيذية هما المخولتان اتخاذ القرار العراقي وليس ترامب". وأضاف "لسنا منضوين في المحور الأميركي، وتربطنا علاقات حسن جوار مع جميع الدول، سواء كانت إيران أم غيرها"، رافضاً السياسة الأميركية التي قال إنها "ترمي لتجويع الشعوب، وضمنها الشعب العراقي".
وتابع كريم بالقول "أعتقد أنّ الحكومة العراقية الجديدة، برئاسة عادل عبد المهدي، قادرة على اتخاذ القرار المناسب الذي لن يكون خاضعاً للموقف الأميركي"، مشيراً إلى وجود أصوات داخل الكونغرس الأميركي رافضة لعقلية ترامب التي وصفها بـ"المتهورة". وأوضح أنّ "تلويح واشنطن بفرض عقوبات على الدول التي لا تلتزم بقراراتها ضدّ طهران، أمر غير مهم بالنسبة إلينا كعراقيين"، لافتاً إلى أنّ "الشعب العراقي سبق أن ذاق ويلات الحصار الأميركي في تسعينيات القرن الماضي". وقال كريم إنّ أعضاء كتلته (الفتح) في البرلمان العراقي لديهم توجه نحو فتح القنوات الدبلوماسية من أجل إبعاد العراق عن المواجهة مع أميركا، مستدركاً بالقول "إلا أنّنا سنقف بوجه الأميركيين إذا تطلب الأمر ذلك".
ويؤكد برلمانيون عراقيون أنّ المواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية لن تقتصر على موقف العراق من العقوبات المفروضة على طهران. وفي هذا الإطار، أكّد عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان، مهدي تقي، في تصريح صحافي، أنّ "مجلس النواب بصدد فتح ملف شركة بلاك ووتر الأميركية التي قتلت 17 عراقياً في ساحة النسور وسط بغداد عام 2007"، موضحاً أنّ "البرلمان يعتزم فتح جميع ملفات الجرائم الأميركية التي ارتكبت بحق الشعب العراقي، ومطالبة واشنطن بدفع تعويضات مالية، ومحاكمة المتورطين بالجرائم"، مؤكداً أنّ بلاده ستستخدم جميع السبل التي تحفظ حقوق الضحايا.
وكان عام 2007 قد شهد مجزرة مروّعة راح ضحيتها 17 مدنياً عراقياً قتلوا بنيران شركة "بلاك ووتر" الأميركية التي أطلقت النار بشكل عشوائي على السيارات والمارة، فيما أعلن قاضي محكمة الجزاء الأميركية في واشنطن، رويس لاميرث، في سبتمبر/ أيلول الماضي، عن تأجيل الحكم بحق المتهم الرئيسي بالقضية الحارس السابق في "بلاك ووتر" نيكولاس سلاتن.
وجاءت إثارة الملفات القديمة والجديدة مع واشنطن، بعد زيارات متكرّرة قام بها مسؤولون إيرانيون إلى العراق خلال الأيام الماضية، للاطلاع على موقف بغداد النهائي من العقوبات الأميركية على إيران. وأكّد مصدر في وزارة الخارجية العراقية أنّ مسؤولين إيرانيين التقوا خلال زياراتهم سياسيين وموظفين حكوميين ناقشوا معهم موقف العراق بعد انتهاء مهلة الـ45 يوماً، موضحاً أنّ "الجانب العراقي لم يكشف إلى غاية الآن عن موقفه النهائي، إلا أنّ التوجّه العام يسير باتجاه عدم الانجرار وراء الرغبة الأميركية، وإبعاد العراق عن سياسة المحاور التي يريد ترامب فرضها في المنطقة". وأكّد المصدر أنّ العراق يبذل جهوداً مكثّفة للتخلّص من الحرج الذي وضعته فيه العقوبات الأميركية على إيران، مبيناً أنّ بغداد "ترتبط بعلاقات صداقة مع أميركا وإيران".
إلى ذلك، رأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، حسان العيداني، أنّ "الاختبار الخارجي الأوّل للحكومة العراقية صعب جداً"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد" أنّ "عبد المهدي سيجد نفسه بين خيارين أحلاهما مرّ، فعليه الاختيار بين أميركا أو إيران". وأوضح العيداني أنّ "ما سيزيد الطين بلّة هو عدم مرونة ترامب الذي يمكن أن يفعل أي شيء"، مبيناً أنّ الرئيس الأميركي "قد ينفّذ وعيده ويشمل العراق بالعقوبات في حال لم تلتزم بغداد بقرارات واشنطن ضدّ طهران".
وتابع العيداني بالقول إنّ "العراق مقبل على أزمة سياسية أكثر من كونها اقتصادية، كون العلاقات مع إحدى الدولتين الحليفتين ستتضرّر"، موضحاً أنّ "على عبد المهدي أن يبادر منذ الآن بمسألة البحث عن حلول، وعدم انتظار ما ستؤول إليه الأمور".
وأعلن مسؤولون في واشنطن وبغداد في الثامن من الشهر الماضي عن التوصّل إلى اتفاق يقضي باستثناء العراق من العقوبات الأميركية على طهران، من خلال السماح له بشراء الغاز والكهرباء من إيران لمدة 45 يوماً؟ واشترط الجانب الأميركي على العراق تقديم خطة بديلة تضمن التخلّص من مسألة الاعتماد على الطاقة الإيرانية.