05 نوفمبر 2024
الحالة السورية واليوم العالمي للسلام
أحيا العالم في 21 من سبتمبر/ أيلول الحالي اليوم العالمي للسلام. وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد وضعت، في العام 2015، لائحة للتنمية المستدامة، تضمنت سبعة عشر هدفًا، انطلاقًا من فكرة أن بناء عالم ينعم بالسلام لا يمكن أن يقوم بدون القضاء على المشكلات الأساسية التي تعاني منها البشرية، كالفقر والجوع والصحة والتعليم والمشكلات البيئية وتوفر المياه والتمييز وغياب العدالة وغيرها الكثير. وقد اختير عنوان لهذا اليوم في العام الحالي هو: "الحق في السلام". تنص المادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن لكل فرد الحق في الحياة والحرية والأمان على شخصه، لكن الحق في السلام مصطلح لم يحظَ بأن يكون مادة منفصلة في الإعلان، وقد طرحت الأمم المتحدة وسمًا من أجل المشاركة في الآراء أو الرد على سؤال ماذا يعني لكم مصطلح "الحق في السلام"؟ شاركونا آراءكم من خلال الوسم #peaceday والوسم #standup4humanright، وندعو الجميع، قبل حلول هذه المناسبة في 21 أيلول/سبتمبر — إلى العمل. ويمكنكم دعم الهدف 16 المتعلق بالسلام والعدل والمؤسسات القوية من خلال السعي إلى حل الخلافات والنزاعات التي تنشأ في محيطكم سلميًا. باستطاعتكم أن تكونوا أجزاء من الحلول، من خلال اتخاذ خطوات صغيرة. وبإمكانكم وقف الظلم في مدرستكم أو في محيطكم من خلال انتهاج منهج سلمي في حل المشكلات، والإبلاغ عن الجرائم المحتملة، بما في ذلك التنمّر على الإنترنت.
أمام صيغ من هذا القبيل، يقف المرء مذهولاً، بسبب المفارقات الصارخة المؤلمة والمهينة لشعوب مظلومة منتهكة كثيرة، تمارس عليها التنمر أنظمة عديدة، معظمها عضو أو مؤسس في الجمعيات والمنظمات الدولية التي تطرح شعاراتٍ من هذا النوع، تبدو، في ظاهرها، تنحو نحو حماية المجتمع البشري، واحترام إنسانية أفراده، لكن الواقع مغاير بنسبة كبيرة.
أين حصة شعوب منطقتنا من السلام المنشود؟ أين الضمير العالمي مما يحدث منذ ثماني سنوات في سورية؟ سورية التي أنهكتها الحرب، وما زالت مرميةً في ساحات تقاطع النيران وتضارب المصالح وبازارات المساومة السياسية، تتقاسم أرضها وسماءها الدول الضالعة في الحرب، ضاربة عرض الحائط بكل الحقوق التي تتبجح بها، مدعية حماية الشعب، والشعب يموت ويشرد، وتُقنص أحلامه وأحلام أجياله القادمة.
لم يكن الشعب السوري، قبل محنته، حاصلاً على حقوقه الإنسانية، كانت حياته معاناة مستمرة، وحقوقه منقوصة أو مستلبة، في أبسط أشكالها، انتفض لأجل كرامته، ولأجل حقه في السلام، فاجتمعت عليه تلك القوى، وحرمته حلمه في الحرية قبل أي شيء، ثم أديرت الحرب بحجة محاربة الإرهاب، حتى صار الشعب يمارس الإرهاب بحق بعضه بعضا، مكرهًا ومدفوعًا إلى خيارات مفروضة عليه، يتطلع إلى الخلاص من مستنقع الدم في الدرجة الأولى.
تتجه كل الأنظار اليوم نحو إدلب، أو بالأحرى نحو الحراك السياسي والدبلوماسي النشط حول قضية إدلب، وكيفية حلها من دون إزهاق مزيد من أرواح السوريين، يلتمسون بارقة أمل تعد بأن المعركة الكبرى لن تحصل، أما ما بعدها فليس في الإمكان التفكير به، أو التكهن بما ستؤول إليه الأمور. تعب السوريون، وأوشكت حياتهم على أن تتساوى مع الموت، فقدوا القدرة على الأمل، أخمّن أن في صدر كل سوري كمًّا كبيرًا من الضغينة تجاه كل القوى المحتلة أرضه وأحلامه وسيادته، لكنه مجبرٌ ومكره على الاختيار، ليس رغبة في الاختيار، بل لكل فئةٍ من الشعب أسبابها، لترجّح كفة محتل على آخر، لأنهم بحاجةٍ إلى غطاء أو سند تجاه خطر محدقٍ لم يعودوا قادرين على تحديده، فالتضليل المسبوق والمواكب للعنف الجبار الذي يتعرّض له جعل منه كائناتٍ تبحث عن ملاذاتٍ فقط، لتحتمي من التغول الممارس عليها وبحقها.
لكن من يتابع مواقع التواصل الاجتماعي، تلك التي تشكل الفضاء الوحيد الذي يستطيع السوريون التنفيس عن صدورهم، وإفلات غضبهم، من خلاله، يلمس حالة الاستنكار والأسئلة التي تضع الجميع في موقع الاتهام وتحمّل المسؤولية، فبعد السيطرة على العمليات العسكرية وإدارتها، اتجهت روسيا إلى العمل على القرار السياسي، وفرضت على القيادة السورية الموافقة على عقد مؤتمر سوتشي الذي تأجل أكثر من مرة، وتدخلت في تشكيل الوفود المشاركة وإرسال الدعوات، إذ كان عقد المؤتمر، أحد الأهداف الأساسية لروسيا، باعتباره رسالة إشهارية إلى العالم أن في مقدورها، بوصفها قوة عالمية، جمع كل المكونات السورية ومن جميع الأطياف والأعراق، وأن غالبية مكونات المجتمع السوري تثق بروسيا قوةً للحل. وقد حمل العام الحالي أنواعًا جديدة من الخطاب السياسي، مثل نهاية الحرب السورية، الحل السياسي، المصالحة الوطنية، إعادة الإعمار، ملف النازحين، فهل ستتجه الأمور إلى حل سياسي عام يرضي جميع الأطراف، مع ضغط روسي على إيران وتركيا، وتفاهم مع الولايات المتحدة الأميركية بشكل عام في سورية؟ لا يبدو الأمر يتجه إلى الحل، بل إلى مزيد من التعقيد، خصوصًا بعد الأحداث المتسارعة في الأيام القليلة الفائتة، ففي السابع من سبتمبر/ أيلول الحالي، عقدت قمة ثلاثية في طهران، للرؤساء، التركي أردوغان والروسي بوتين والإيراني حسن روحاني، والأخيران أبرز حليفين للنظام السوري. وقد كرّس فشل القمة تخوفات من اقتراب موعد الحملة العسكرية ضد إدلب التي يقطنها نحو ثلاثة ملايين نسمة. لكن ما حدث أن الرئيس الروسي مال إلى كفة التحالف والتفاهم مع تركيا، بعد أن كان يشدّد على ضرورة التدخل العسكري من أجل القضاء على الإرهاب، أعقب الاتفاق مباشرة إعلان موسكو أن طائرة تابعة لها أسقطتها ليل 18 سبتمبر/ أيلول في غرب سورية الدفاعات السورية، متبوعًا بتصريحاتٍ متباينةٍ بشأن الجهة التي أطلقت الصواريخ، أو التي أسقطت الطائرة، في خطوةٍ تؤكد على مدى تعقيدات المشهد السوري.
ضمِنت موسكو لإسرائيل أن الأعمال الروسية في سورية لن تشكل تهديداً لها، وجرى الاتفاق على التنسيق المشترك في العمليات العسكرية، لكن سقوط الطائرة مؤشّر مقلق، وضع روسيا في دائرة الضوء أمام الرأي العام السوري، وتدفقت الأسئلة الاستنكارية عن دور روسيا في الدفاع عن السيادة السورية، بعد أن فرضت وصايتها وأمسكت بالقرار السياسي، وعن حمايتها من العدوان الإسرائيلي.
بعد الاتفاق في سوتشي، أسندت روسيا إلى تركيا مسؤولة طي صفحة هيئة "تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقا) وأخواتها التي تسيطر على الجزء الأكبر من الشمال السوري. وجرى توزيع مسؤولية الفصل بين القوات النظامية والمعارضة في إدلب على الجيش التركي والشرطة العسكرية الروسية، بينما تصريحات النظام السوري ما زالت تصر على استعادة إدلب وآخر شبر من سورية، وهناك إيران ومناطق نفوذها وحصتها من الكعكة السورية، وأميركا التي بسطت سيطرتها على المنطقة الشرقية، وإسرائيل التي تصر على حماية (حدودها)، وتحقيق شرط يضمن أمنها، وما زالت القضية السورية في مرجلٍ يغلي، على الرغم من كل ما قيل ويُقال عن انتهاء الحرب. فأي سلام وأي يوم عالمي يُحتفى به، وأي وسم ودعوة إلى ترويج ثقافة السلام والحق به تقوم بها الأمم المتحدة؟ أم إن هذا الشعب خارج دائرة التصنيفات، وليس له حق في السلام، مثلما ليس له حق في الحرية والعيش الكريم؟ كل هذا التضليل والعالم يحتفي باليوم العالمي للسلام، فأي فصام تدفع الشعوب ضريبته؟
أمام صيغ من هذا القبيل، يقف المرء مذهولاً، بسبب المفارقات الصارخة المؤلمة والمهينة لشعوب مظلومة منتهكة كثيرة، تمارس عليها التنمر أنظمة عديدة، معظمها عضو أو مؤسس في الجمعيات والمنظمات الدولية التي تطرح شعاراتٍ من هذا النوع، تبدو، في ظاهرها، تنحو نحو حماية المجتمع البشري، واحترام إنسانية أفراده، لكن الواقع مغاير بنسبة كبيرة.
أين حصة شعوب منطقتنا من السلام المنشود؟ أين الضمير العالمي مما يحدث منذ ثماني سنوات في سورية؟ سورية التي أنهكتها الحرب، وما زالت مرميةً في ساحات تقاطع النيران وتضارب المصالح وبازارات المساومة السياسية، تتقاسم أرضها وسماءها الدول الضالعة في الحرب، ضاربة عرض الحائط بكل الحقوق التي تتبجح بها، مدعية حماية الشعب، والشعب يموت ويشرد، وتُقنص أحلامه وأحلام أجياله القادمة.
لم يكن الشعب السوري، قبل محنته، حاصلاً على حقوقه الإنسانية، كانت حياته معاناة مستمرة، وحقوقه منقوصة أو مستلبة، في أبسط أشكالها، انتفض لأجل كرامته، ولأجل حقه في السلام، فاجتمعت عليه تلك القوى، وحرمته حلمه في الحرية قبل أي شيء، ثم أديرت الحرب بحجة محاربة الإرهاب، حتى صار الشعب يمارس الإرهاب بحق بعضه بعضا، مكرهًا ومدفوعًا إلى خيارات مفروضة عليه، يتطلع إلى الخلاص من مستنقع الدم في الدرجة الأولى.
تتجه كل الأنظار اليوم نحو إدلب، أو بالأحرى نحو الحراك السياسي والدبلوماسي النشط حول قضية إدلب، وكيفية حلها من دون إزهاق مزيد من أرواح السوريين، يلتمسون بارقة أمل تعد بأن المعركة الكبرى لن تحصل، أما ما بعدها فليس في الإمكان التفكير به، أو التكهن بما ستؤول إليه الأمور. تعب السوريون، وأوشكت حياتهم على أن تتساوى مع الموت، فقدوا القدرة على الأمل، أخمّن أن في صدر كل سوري كمًّا كبيرًا من الضغينة تجاه كل القوى المحتلة أرضه وأحلامه وسيادته، لكنه مجبرٌ ومكره على الاختيار، ليس رغبة في الاختيار، بل لكل فئةٍ من الشعب أسبابها، لترجّح كفة محتل على آخر، لأنهم بحاجةٍ إلى غطاء أو سند تجاه خطر محدقٍ لم يعودوا قادرين على تحديده، فالتضليل المسبوق والمواكب للعنف الجبار الذي يتعرّض له جعل منه كائناتٍ تبحث عن ملاذاتٍ فقط، لتحتمي من التغول الممارس عليها وبحقها.
لكن من يتابع مواقع التواصل الاجتماعي، تلك التي تشكل الفضاء الوحيد الذي يستطيع السوريون التنفيس عن صدورهم، وإفلات غضبهم، من خلاله، يلمس حالة الاستنكار والأسئلة التي تضع الجميع في موقع الاتهام وتحمّل المسؤولية، فبعد السيطرة على العمليات العسكرية وإدارتها، اتجهت روسيا إلى العمل على القرار السياسي، وفرضت على القيادة السورية الموافقة على عقد مؤتمر سوتشي الذي تأجل أكثر من مرة، وتدخلت في تشكيل الوفود المشاركة وإرسال الدعوات، إذ كان عقد المؤتمر، أحد الأهداف الأساسية لروسيا، باعتباره رسالة إشهارية إلى العالم أن في مقدورها، بوصفها قوة عالمية، جمع كل المكونات السورية ومن جميع الأطياف والأعراق، وأن غالبية مكونات المجتمع السوري تثق بروسيا قوةً للحل. وقد حمل العام الحالي أنواعًا جديدة من الخطاب السياسي، مثل نهاية الحرب السورية، الحل السياسي، المصالحة الوطنية، إعادة الإعمار، ملف النازحين، فهل ستتجه الأمور إلى حل سياسي عام يرضي جميع الأطراف، مع ضغط روسي على إيران وتركيا، وتفاهم مع الولايات المتحدة الأميركية بشكل عام في سورية؟ لا يبدو الأمر يتجه إلى الحل، بل إلى مزيد من التعقيد، خصوصًا بعد الأحداث المتسارعة في الأيام القليلة الفائتة، ففي السابع من سبتمبر/ أيلول الحالي، عقدت قمة ثلاثية في طهران، للرؤساء، التركي أردوغان والروسي بوتين والإيراني حسن روحاني، والأخيران أبرز حليفين للنظام السوري. وقد كرّس فشل القمة تخوفات من اقتراب موعد الحملة العسكرية ضد إدلب التي يقطنها نحو ثلاثة ملايين نسمة. لكن ما حدث أن الرئيس الروسي مال إلى كفة التحالف والتفاهم مع تركيا، بعد أن كان يشدّد على ضرورة التدخل العسكري من أجل القضاء على الإرهاب، أعقب الاتفاق مباشرة إعلان موسكو أن طائرة تابعة لها أسقطتها ليل 18 سبتمبر/ أيلول في غرب سورية الدفاعات السورية، متبوعًا بتصريحاتٍ متباينةٍ بشأن الجهة التي أطلقت الصواريخ، أو التي أسقطت الطائرة، في خطوةٍ تؤكد على مدى تعقيدات المشهد السوري.
ضمِنت موسكو لإسرائيل أن الأعمال الروسية في سورية لن تشكل تهديداً لها، وجرى الاتفاق على التنسيق المشترك في العمليات العسكرية، لكن سقوط الطائرة مؤشّر مقلق، وضع روسيا في دائرة الضوء أمام الرأي العام السوري، وتدفقت الأسئلة الاستنكارية عن دور روسيا في الدفاع عن السيادة السورية، بعد أن فرضت وصايتها وأمسكت بالقرار السياسي، وعن حمايتها من العدوان الإسرائيلي.
بعد الاتفاق في سوتشي، أسندت روسيا إلى تركيا مسؤولة طي صفحة هيئة "تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقا) وأخواتها التي تسيطر على الجزء الأكبر من الشمال السوري. وجرى توزيع مسؤولية الفصل بين القوات النظامية والمعارضة في إدلب على الجيش التركي والشرطة العسكرية الروسية، بينما تصريحات النظام السوري ما زالت تصر على استعادة إدلب وآخر شبر من سورية، وهناك إيران ومناطق نفوذها وحصتها من الكعكة السورية، وأميركا التي بسطت سيطرتها على المنطقة الشرقية، وإسرائيل التي تصر على حماية (حدودها)، وتحقيق شرط يضمن أمنها، وما زالت القضية السورية في مرجلٍ يغلي، على الرغم من كل ما قيل ويُقال عن انتهاء الحرب. فأي سلام وأي يوم عالمي يُحتفى به، وأي وسم ودعوة إلى ترويج ثقافة السلام والحق به تقوم بها الأمم المتحدة؟ أم إن هذا الشعب خارج دائرة التصنيفات، وليس له حق في السلام، مثلما ليس له حق في الحرية والعيش الكريم؟ كل هذا التضليل والعالم يحتفي باليوم العالمي للسلام، فأي فصام تدفع الشعوب ضريبته؟
دلالات
مقالات أخرى
27 أكتوبر 2024
19 أكتوبر 2024
05 أكتوبر 2024