الجزائر تسعى إلى فتح الأجواء لإنعاش الصادرات والسياحة

12 يناير 2020
تحديث المطارات من أجل زيادة استيعابها للمسافرين(فرانس برس)
+ الخط -

تعيش العديد من مطارات الجزائر حالة من الجمود، خاصة في بعض المحافظات الداخلية، ما دفع الحكومات السابقة إلى غلقها، بعدما صارت مصاريفها عبئا على خزينة الدولة، إلا أن بصيصا من الأمل ظهر أخيرا، بعد تعليمات الرئيس الجديد، عبد المجيد تبون، بفتح جميع المطارات غير المستغلة.

ويأتي ذلك رغم الأزمة المالية التي تمر بها البلاد، وذلك بهدف بعث حركة تنقل الأفراد والسلع خاصة للمحافظات الحدودية والمساهمة في إنعاش الصادرات.


وحسب تقارير رسمية، تحوز الجزائر على 29 مطارا، منها غير المستغل وخاصة منذ بداية سنوات "العشرية السوداء" (1991-2002)، ويبقى مطار العاصمة الأكبر والأكثر حركة تليه مطارات محافظتي وهران (كبرى مدن الغرب) وعنابة (كبرى مدن الشرق)، في حين تبقى مطارات الجنوب الأقل حركة بالنظر لبعدها وغلاء التذاكر ونقص الرحلات.

ويكشف تاج الدين طيفراوي، مدير التجهيز في شركة تسيير مصالح مطارات الجزائر، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "عدد المطارات المعتمدة في البلاد هو 29 منها 16 بها رحلات دولية، تتمركز أغلبها في الشمال، ويوجد في الجنوب 8 مطارات منها 3 دولية، وفي الغالب يتنقل عبرها عمال شركات النفط".


وفيما يتعلق بالمطارات غير المستغلة فيؤكد طيفراوي أن "عددها حاليا يبلغ 7 مطارات مستغلة جزئيا أو غير مستغلة كاملة، 2 في أقصى الجنوب و3 في الجهة الشرقية و2 في الغرب".

ويضيف: "في الحقيقة هذه المطارات غير المستغلة صغيرة، وتعود أسباب الغلق إلى غياب رحلات نحوها، وتكلف خزينة الشركة من 25 ألف دولار يوميا إلى 30 ألف دولار كمصاريف، رواتب عمال وتكلفة الكهرباء والإنترنت ووقود السيارات وصيانة وغيرها من المصاريف".


وحسب طيفراوي فإن "العديد من المطارات تكلف الخزينة أموالا طائلة بسبب وتيرة سيرها الضعيفة (رحلة كل 48 ساعة أو أكثر) إلا أن الإبقاء عليها مفتوحة يعود لأسباب اجتماعية وسياسية أكثر منها تجارية"، مضيفا أن "عمر المطار تحدده شركات الطيران وليس الحكومات، فالرحلات هي الدم الذي يغذي شريان أي مطار في العالم."

وكانت الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد منذ منتصف 2014، قد دفعت بالحكومات المتعاقبة، للتفكير في رفع القيود عن المستثمرين الذين يريدون دخول عالم التصدير وذلك عبر دعمهم وتوفير وسائل النقل خاصة المتجهة نحو دول شمال أفريقيا والساحل، وصولا إلى أدغال القارة السمراء.


وقررت الجزائر استحداث مناطق للتجارة الحرة في أقصى الجنوب بمحافظة "تمنراست" الحدودية مع دولتي النيجر ومالي، وأخرى في محافظة "تندوف" تمهيدا للتصدير لدول غرب القارة، بداية من موريتانيا وصولا إلى السنغال مرورا بغامبيا وغينيا الاستوائية وصولا إلى ساحل العاج ونيجيريا.

إلا أن إنعاش هذه المناطق يبقى مرهونا بمدى تدفق السلع إليها من الشمال الجزائري خاصة، عبر الطرق البرية التي تكلف المنتجين كثيرا لطولها الذي يتعدى 1500 كيلومتر، ما يجعل النقل الجوي الحل الأمثل ربحا للوقت والمال، ولن يتم ذلك إلا عبر فتح مطاري "إن قزام" (يبعد 12 كيلومترا عن دولة النيجر) و "تندوف" (على الحدود مع موريتانيا) أمام السلع الجزائرية، لتسهيل تسويقها في دول أفريقيا.


وحسب عبد النور لعوافي، مسؤول الدراسات والتخطيط في الشركة الجزائرية لتأمين الصادرات (حكومية)، فإن "فتح المطارات غير المستعملة سيضخ دفعة جديدة من الأوكسجين في شريان "جسد الاستيراد"، فالجزائر تخطو أولى خطواتها في عالم التصدير، وبالتالي أي قرار تتخذه الدولة سيكون إيجابيا.

وأضاف: نحن نتحدث عن 7 مطارات غير مستغلة كلها في مناطق حدودية، فمطار تبسة مثلا على بعد ساعة فقط من الحدود التونسية، فالكرة الآن في ميدان الخطوط الجوية الجزائرية، فهي أمام فرصة لربح المال من خلال ضمان نقل السلع للمنتجين، تميهدا لتصديرها، كما يمكن للجزائر أن تستعين بشركات أجنبية متخصصة في هذا المجال.


وأضاف لعوافي لـ "العربي الجديد" أن "70 في المائة من المصدرين يتخوفون من النقل البري بسبب طول المسافة والمصاريف المرتفعة وتأثر السلع بظروف النقل، وبالتالي يمكن لنا كشركة تأمين أن نخفض التأمين على الأخطار باختيار النقل الجوي، لكي يستفيد الجميع".

وتستحوذ الخطوط الجوية الجزائرية على 95 في المائة من حركة الملاحة الجوية الداخلية. ومنذ سنوات، تعاني هذه الخطوط من متاعب مالية، رغم أن شركة الطيران استفادت من إعادة جدولة ديونها لدى البنوك عدة مرات، ضمن عملية لتجديد أسطولها انطلقت عام 2013، حيث تم تمديد آجال التسديد حتى 2021.


وتسيّر الخطوط الجزائرية، المملوكة كليا للدولة، رحلات إلى نحو 43 وجهة دولية، إضافة إلى 25 وجهة داخلية، وتمتلك أسطولا من 56 طائرة.

وفي سياق أخر، ظلت مظاهر مغادرة قرابة 3 ملايين جزائري البلاد لقضاء العطل في تونس وتركيا، ومصر والقارة الأوروبية، تؤرق الحكومات المتعاقبة، في السنوات الأخيرة، في وقت تعجز البلاد فيه والمتربعة على مساحة 2.2 مليون كيلومتر مربع، عن استقطابهم، ببحرها وسهولها وصحرائها التي تغري الأجانب إلا أن المواطنين يرفضون زيارتها لبعدها عن الشمال.


وفق مختصين، فإن النقل الجوي يبقى أحسن وسيلة للتنقل في بلد بحجم كبير، كما هو حال الجزائر، إلا أن الإشكال يبقى في خريطة المطارات التي تبقى غير منسجمة مع الوجهات السياحية الداخلية.

فحسب إلياس سنوسي، نائب رئيس اتحاد وكالات السفر الجزائرية (مستقلة)، فإن "فتح المطارات غير المستغلة سيرفع من عدد الخيارات بالنسبة للباحثين عن السياحة الداخلية، وسيقرب بعض الوجهات السياحية فمثلا "تبسة" تعرف بحماماتها الساخنة ويمكن لمطارها المغلق أن يبعث السياحة الصحية في هذه المنطقة، أيضا بالنسبة للجنوب"، مشيراً إلى أن كل منطقة لها خصوصياتها، ومع فتح مطارات "إن قزام" و"إن اميناس" سيكون هناك تنوع في الوجهات.


ووفقا لسنوسي في حديث مع "العربي الجديد"، يبقى إشكال أخر حسبه، يتعلق بسعر التذاكر والخدمات، "ففتح المطارات لا يكفي، ويجب تحديد أسعار تذاكر تنافسية، بالإضافة إلى خدمات فندقية وسياحية محترمة وبأسعار في متناول الجزائريين، حتى نقنع المواطن أن إحياء عطلة نهاية السنة تحت سماء الجنوب الصافية أفضل من الذهاب نحو تونس أو تركيا، فالقضية متكاملة وهي سلسلة لا يمكن أن نركز على حلقة ونهمل الأخرى".

المساهمون