13 نوفمبر 2024
الجزائر.. انتخابات رئاسية وألغاز سياسية
بعد الإعلان في الجزائر عن موعد إجراء الانتخابات الرئاسية، توجه السيّاسيون، ممثّلو المجتمع المدني و الإعلام، كلّ من موقع رؤية محدّدة، إلى تخمين ما ستؤول إليه على مستويين: طبيعة المرشحين والهدف من الانتخابات، هل هي الاستمرارية لوجود النظام أم الاتجاه نحو إحقاق التغيير؟
بالنسبة للمرشحين، شهدت السّاحة إعلان عسكري سابق الترشّح. وأُعلن، في الإعلام، أنّ سياسيين عديدين سحبوا استمارات الترشّح، كما رشحت أخبار عن سعي حثيث، لدى بعض الأحزاب، للبحث عن المرشّح التوافقي والاستعداد للسّباق الانتخابي في أبريل/ نيسان المقبل. إلى الآن، إذن، لدينا عسكري متقاعد، ستكون حملته محكومةً بواجب التحفظ الذي أكّدت عليه، بشدة، بيانات الجيش، عندما أدلى هذا الجنرال بتصريحاتٍ طالب فيها بتدخل الجيش في الحياة السياسية. أما السياسيون الآخرون فأغلبهم ممن أكثر، في السنوات الماضية، من التجمعات والتنقلات إلى المدن الداخلية، وبينهم شخصية واحدة خاضت الرئاسيات مرتين، زعيم حزب طلائع الحريات ورئيس الحكومة السابق، علي بن فليس. ومؤكّد أن شخصيات أخرى ستنضمّ إلى القائمة، من المستقلّين أو من زعماء الأحزاب، ومنها الشخصية التي تحدّث الإعلام على أنّ الحزب الإسلامي، حركة مجتمع السلم (حمس) يحضّرها لتكون الشّخصية التّوافقية، بما يعني أنها ستكون مرشّحة مجموعة من الأحزاب المتحالفة، ولعلّها تكون شخصيةً ممثلّة للتّيار الذي يسجّل حضوره، دوما، في الرئاسيات، كما كان في سجلّ الحضور نفسه في التحالف الرئاسي وفي الحكومات المتعاقبة منذ دخول البلاد عهد التعدّدية السياسية المتحكّم فيها.
إنها رئاسيات الاستمرارية، حقا، وفق ما كان يتحدّث به الأمين العام السابق للحزب الحاكم،
جبهة التحرير الوطني، جمال ولد عباس. والاستمرارية تعني، في الثقافة السياسية للمنظومة الحاكمة، الحفاظ على أسس النظام، وخصوصا مسلّمة الاستقرار فيه. ولذلك، فإنه يقبل جرعاتٍ من الإصلاح. ولكن من دون السّماح بالولوج إلى عمقه، لتغييره بأي وسيلة كانت، ولو بالانتخابات، ما يحدّد سقف المأمول منها، أي الانتخابات، بالمشاركة ضمانا للتعددية ولسماع نوتات من الموسيقى السياسية المختلفة. ولكن بكلماتٍ وألحانٍ هو من يضع أشعارها ويشجو بها.
إثباتا وتثبيتا لمعنى الاستمرارية المرادة، كان الجميع، قبل الانتخابات، يخمّن بشأن مسألة الانتخابات إن كانت ستجـري أم لا. وعلى أساسها، كانت فعاليات سيّاسية (شخصيّات وإعلام متخصّص) تظنّ أنّها ستؤول إمّا إلى تمديد أو إلى تأجيل، بل وصل الأمر ببعضهم (أحزاب الموالاة) إلى الدّعوة إلى ندوة وطنية، تعمل على تدعيم هذا الرّأي بحجج مختلفة، وفي مقدمتها رأسها، طبعا، ضمان الاستقرار. كما ذهب آخرون إلى تخمين أنّ ثمة اتجاها إلى حلّ البرلمان (الغرفة السّفلى) وتعديل الدستور، وبالتالي تكون الانتخابات البرلمانية أوْلى من الرئاسيات. ويتأسّس، على ذلك كلّه، الاتجاه نحو مرحلة انتقالية. وكانت الحجة، هنا أيضا، ضمان الاستقرار.
وسواء كان المخمّن سياسيا أو إعلاميا، فان ما دعا إلى كلّ هذا الخلط في إبداء الرّأي هو ظاهرة الصّمت والإغلاق المطبق لسراديب النّظام السياسي، في الجزائر. كتب صاحب هذه المقالة، في "العربي الجديد"، سابقا، عن الظاهرة، وها هي تبرز، مرّة أخرى، ليكون الجميع مخطئا، ليس بسبب القراءة الخاطئة لمؤشّرات سياسية ما محكمة، منتظمة وصادرة عن مؤسّسات. ولكن، بسبب أنّ المنظومة الحاكمة لا تمارس التواصل، درءا لتلك الممارسات المؤدّية إلى انتشار الشائعات والتّخمين والأخبار الكاذبة.
بالنتيجة، الانتخابات الرئاسية المقبلة ظاهرة عادية إجرائيا وفي مضمونها، فالمنتظر منها والمأمول، على حدّ سواء، هو ضمان أن تجري وفي موعدها. هذا هو المأمول بالنسبة للنظام، أمّا المأمول بالنسبة للناخبين فأمر آخر. السبب، هذه المرة، التأكيد أن ثمة ناخبين كبارا يتعاملون مع المسائل المحورية، والإشكالات الأساسية قبل اتخاذ القرار، وإكمال المشهد، سياسيا وإعلاميا، مع عموم الشعب. على مستوى المجتمع المدني، هناك من أشار إلى أن التعديلات الدستورية لسنتــي 2008 و2016 ليست دستورا جديدا، وبالتالي سيكون كل ما سيجري خارج إطار القانون، حتما.
قبل أيام، فقط، مرّت ذكرى توقيف المسار الانتخابي (11 يناير/ كانون الثاني 1991).
وهي الذكرى التي شكّلت محطّة للحديث، من المجتمع المدني، بشأن مسألة الحكم، الديمقراطية وفائدة الانتخابات في إطار عملية التحوّل الديمقراطي، برمتها. وعلى الرغم من مرور قرابة ثلاثة عهود على تلك الذكرى، فإن الشأن السياسي ما زال يُدار بمقاربةٍ فوقيةٍ خالصةٍ من هيئة قرار، أطلق عليها السياسي الجزائري، عبد الكريم طابو، تسمية "الناخبين الكبار" الذين يملكون، وحدهم، مسؤولية القرار، التفكير فيه، تمريره والإصرار على البقاء في مقاربته، من دون دور للمجتمع، أيا كان، مجتمعا مدنيا، أحزابا أو مواطنين.
بالنتيجة، كيف أن الانتخابات، سواء تحدّثنا عن المرّشحين أو الفائدة منها، بالنسبة لعملية التحول نحو الديمقراطية أو بهدف ضمان الاستقرار، بعيدة عن الاهتمام لدى الرأي العام الجزائري، إلى درجة أن الأفكار المنشورة، هنا وهناك، من بعض السياسيين، على غرار رئيس الحكومة السابق، مولود حمروش، ما زالت تتحدث عن مسائل فلسفية، ولا تريد الخوض في جوهر المسألة، وهي الدعوة إلى جمهوريةٍ ثانيةٍ بإجرائية التغيير الحقيقي لإرساء دولة المؤسسات. وحتى نكون واقعيين، ثمّة هذه المطالب وأخرى غيرها، يرفعها، منذ عقود، سياسيون وشخصيات من المجتمع المدني، وجميعهم ينتظرون أن يُصغى لها، تملك برنامجا للتغيير، تتحدث بشأنه، ونشرته، مرارا، على مرأى من المجتمع والطبقة السياسية.
إذا كان المشهد في الجزائر على هذه الصفة، وما تريده السلطة هو الانتخابات، فقط، فإنّ مصيرها سيكون كمثيلاتها التي جرت، من دون اهتمام من المجتمع، في إطار عزوف كبير، دليلا على عدم نجاعتها، فإن المأمول، حقا، هو الاستفادة من فترة الثلاثة أشهر التي تفصلنا عن هذا الموعد لرفع الصوت، مرّة أخرى، بفائدة التغيير، فلسفته، خطواته، ثم إقرار برنامج توافقي لتمريره، ولو بعد حين.
يحتاج هذا السيناريو إلى توافق مجتمعي، وأظن أنّ الظروف لإقراره مهيأة، الآن، ذلك أن كل هذا البطء في الإعلان عن الذهاب إلى موعد أبريل/ نيسان المقبل، والتململ الذي شابه دليل على أن ثمّة تفكيرا في أعلى هرم السلطة بوجوب التّغيير، طال الزمن أم قصُر، وأنّ طريق الجمهورية الثانية التي تحدث عنها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من قبل، عندما أشار إلى تسليم المشعل للشباب، في 2005، أصبح مفتوحا، ولا يحتاج إلّا للانطلاق في تعبيده في سبيل بناء جزائر قوية.. وإنّ غدا لناظره لقريب.
بالنسبة للمرشحين، شهدت السّاحة إعلان عسكري سابق الترشّح. وأُعلن، في الإعلام، أنّ سياسيين عديدين سحبوا استمارات الترشّح، كما رشحت أخبار عن سعي حثيث، لدى بعض الأحزاب، للبحث عن المرشّح التوافقي والاستعداد للسّباق الانتخابي في أبريل/ نيسان المقبل. إلى الآن، إذن، لدينا عسكري متقاعد، ستكون حملته محكومةً بواجب التحفظ الذي أكّدت عليه، بشدة، بيانات الجيش، عندما أدلى هذا الجنرال بتصريحاتٍ طالب فيها بتدخل الجيش في الحياة السياسية. أما السياسيون الآخرون فأغلبهم ممن أكثر، في السنوات الماضية، من التجمعات والتنقلات إلى المدن الداخلية، وبينهم شخصية واحدة خاضت الرئاسيات مرتين، زعيم حزب طلائع الحريات ورئيس الحكومة السابق، علي بن فليس. ومؤكّد أن شخصيات أخرى ستنضمّ إلى القائمة، من المستقلّين أو من زعماء الأحزاب، ومنها الشخصية التي تحدّث الإعلام على أنّ الحزب الإسلامي، حركة مجتمع السلم (حمس) يحضّرها لتكون الشّخصية التّوافقية، بما يعني أنها ستكون مرشّحة مجموعة من الأحزاب المتحالفة، ولعلّها تكون شخصيةً ممثلّة للتّيار الذي يسجّل حضوره، دوما، في الرئاسيات، كما كان في سجلّ الحضور نفسه في التحالف الرئاسي وفي الحكومات المتعاقبة منذ دخول البلاد عهد التعدّدية السياسية المتحكّم فيها.
إنها رئاسيات الاستمرارية، حقا، وفق ما كان يتحدّث به الأمين العام السابق للحزب الحاكم،
إثباتا وتثبيتا لمعنى الاستمرارية المرادة، كان الجميع، قبل الانتخابات، يخمّن بشأن مسألة الانتخابات إن كانت ستجـري أم لا. وعلى أساسها، كانت فعاليات سيّاسية (شخصيّات وإعلام متخصّص) تظنّ أنّها ستؤول إمّا إلى تمديد أو إلى تأجيل، بل وصل الأمر ببعضهم (أحزاب الموالاة) إلى الدّعوة إلى ندوة وطنية، تعمل على تدعيم هذا الرّأي بحجج مختلفة، وفي مقدمتها رأسها، طبعا، ضمان الاستقرار. كما ذهب آخرون إلى تخمين أنّ ثمة اتجاها إلى حلّ البرلمان (الغرفة السّفلى) وتعديل الدستور، وبالتالي تكون الانتخابات البرلمانية أوْلى من الرئاسيات. ويتأسّس، على ذلك كلّه، الاتجاه نحو مرحلة انتقالية. وكانت الحجة، هنا أيضا، ضمان الاستقرار.
وسواء كان المخمّن سياسيا أو إعلاميا، فان ما دعا إلى كلّ هذا الخلط في إبداء الرّأي هو ظاهرة الصّمت والإغلاق المطبق لسراديب النّظام السياسي، في الجزائر. كتب صاحب هذه المقالة، في "العربي الجديد"، سابقا، عن الظاهرة، وها هي تبرز، مرّة أخرى، ليكون الجميع مخطئا، ليس بسبب القراءة الخاطئة لمؤشّرات سياسية ما محكمة، منتظمة وصادرة عن مؤسّسات. ولكن، بسبب أنّ المنظومة الحاكمة لا تمارس التواصل، درءا لتلك الممارسات المؤدّية إلى انتشار الشائعات والتّخمين والأخبار الكاذبة.
بالنتيجة، الانتخابات الرئاسية المقبلة ظاهرة عادية إجرائيا وفي مضمونها، فالمنتظر منها والمأمول، على حدّ سواء، هو ضمان أن تجري وفي موعدها. هذا هو المأمول بالنسبة للنظام، أمّا المأمول بالنسبة للناخبين فأمر آخر. السبب، هذه المرة، التأكيد أن ثمة ناخبين كبارا يتعاملون مع المسائل المحورية، والإشكالات الأساسية قبل اتخاذ القرار، وإكمال المشهد، سياسيا وإعلاميا، مع عموم الشعب. على مستوى المجتمع المدني، هناك من أشار إلى أن التعديلات الدستورية لسنتــي 2008 و2016 ليست دستورا جديدا، وبالتالي سيكون كل ما سيجري خارج إطار القانون، حتما.
قبل أيام، فقط، مرّت ذكرى توقيف المسار الانتخابي (11 يناير/ كانون الثاني 1991).
بالنتيجة، كيف أن الانتخابات، سواء تحدّثنا عن المرّشحين أو الفائدة منها، بالنسبة لعملية التحول نحو الديمقراطية أو بهدف ضمان الاستقرار، بعيدة عن الاهتمام لدى الرأي العام الجزائري، إلى درجة أن الأفكار المنشورة، هنا وهناك، من بعض السياسيين، على غرار رئيس الحكومة السابق، مولود حمروش، ما زالت تتحدث عن مسائل فلسفية، ولا تريد الخوض في جوهر المسألة، وهي الدعوة إلى جمهوريةٍ ثانيةٍ بإجرائية التغيير الحقيقي لإرساء دولة المؤسسات. وحتى نكون واقعيين، ثمّة هذه المطالب وأخرى غيرها، يرفعها، منذ عقود، سياسيون وشخصيات من المجتمع المدني، وجميعهم ينتظرون أن يُصغى لها، تملك برنامجا للتغيير، تتحدث بشأنه، ونشرته، مرارا، على مرأى من المجتمع والطبقة السياسية.
إذا كان المشهد في الجزائر على هذه الصفة، وما تريده السلطة هو الانتخابات، فقط، فإنّ مصيرها سيكون كمثيلاتها التي جرت، من دون اهتمام من المجتمع، في إطار عزوف كبير، دليلا على عدم نجاعتها، فإن المأمول، حقا، هو الاستفادة من فترة الثلاثة أشهر التي تفصلنا عن هذا الموعد لرفع الصوت، مرّة أخرى، بفائدة التغيير، فلسفته، خطواته، ثم إقرار برنامج توافقي لتمريره، ولو بعد حين.
يحتاج هذا السيناريو إلى توافق مجتمعي، وأظن أنّ الظروف لإقراره مهيأة، الآن، ذلك أن كل هذا البطء في الإعلان عن الذهاب إلى موعد أبريل/ نيسان المقبل، والتململ الذي شابه دليل على أن ثمّة تفكيرا في أعلى هرم السلطة بوجوب التّغيير، طال الزمن أم قصُر، وأنّ طريق الجمهورية الثانية التي تحدث عنها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من قبل، عندما أشار إلى تسليم المشعل للشباب، في 2005، أصبح مفتوحا، ولا يحتاج إلّا للانطلاق في تعبيده في سبيل بناء جزائر قوية.. وإنّ غدا لناظره لقريب.