كما تتزامن هذه الرسالة مع تصريحات مستشار رئيس الوزراء الباكستاني في الشؤون الخارجية، سرتاج عزيز، الذي أكّد أنّ "باكستان غير مستعدة للعمل ضد طالبان أفغانستان المتواجدة على أراضيها". ويُتوقع أن تكون تلك التصريحات بمثابة القشة التي ستقوّض عملية السلام الأفغانية والعلاقات الأفغانية ـ الباكستانية، لا سيما أنّ الدولتين اتفقتا، خلال الاجتماعات الرباعية، على العمل الميداني ضد من يرفض عملية السلام، من دون استثناء.
وشدّد الملا هيبة الله أخوندزاده، في رسالته الأولى، منذ توليه منصبه، في مايو/أيار الماضي، على مواصلة درب مؤسس "الحركة" الملا عمر، وخليفته الملا أختر منصور الذي قُتل في غارة أميركية في شهر مايو/أيار الماضي. الحرب على الأميركيين وجميع القوات التي وصفها زعيم الحركة بـ"الغازية" متواصلة. هكذا يتحدث الرجل عن استراتيجيته المستقبلية، مشدداً، في الوقت نفسه، على أن الحركة لا تؤمن فقط باستراتيجية الحرب، بل هي رسمت خطوطاً واضحة للعمل السياسي من خلال مكتبها في العاصمة القطرية الدوحة. إلا أن الأساس لحلحلة الأزمة الأفغانية هو إنهاء الاحتلال، وفق بيان الزعيم.
وفي ما يتعلق بالحكومة الأفغانية وأجهزة أمن الدولة، بدت رسالة الملا أخوندزاده المهنّئة الشعب الأفغاني بعيد الفطر، أقل حدة من رسائل أسلافها، إذ وصفها بـ"الإمارة الإسلامية الحاضنة لجميع الأفغان". ولفت الرجل إلى أن حرب أميركا وحلفائها ليست مع حركة بعينها، "إنّما أمة تقف في وجه المحتلين".
وفي خضم موجة من الاغتيالات والخطف في صفوف عامة المواطنين وشيوخ القبائل وعلماء الدين، التي تزايدت وتيرتها بعد تولي الرجل زعامة الحركة، يوضح في رسالته أنّ "طالبان" تحترم جميع شرائح المجتمع الأفغاني، وليست بمعزل عن الشعب، مطالباً القادة الميدانيين بالتعامل الأمثل مع المواطن الأفغاني ومع كل ما يتعلق بالشعب.
وتزامن إصدار "طالبان" بيان زعيمها الداعي إلى التعامل الأمثل مع الشعب، أول من أمس السبت، مع تنفيذ عملية انتحارية تستهدف زعيماً قبلياً يُدعى ملك حيات الله في مدينة جلال آباد، والتي أدت إلى مقتل وإصابة 17 مدنياً، من دون أن يصاب الزعيم المستهدف بأي أذى. كما قُتل زعيم قبلي آخر وقيادي في حزب الإسلام، رحمت شاه، قرب المدينة نفسها. وفي اليوم ذاته، قتل مسلحون ستة أفراد من أسرة واحدة بمدينة قندهار جنوبي البلاد. ثمة تقارير تؤكد أن من ضمن سياسات "طالبان" الحربية الجديدة تصفية كل من يتعاون مع الحكومة أو يعمل فيها.
ويشير مراقبون إلى أنّ تلك الخطوة إن استمر تنفيذها ستوقف القبائل في وجه "طالبان" التي تستمد قوتها من الشعب والقبائل. ويشكك هؤلاء في أن تكون الحركة هي الجهة الوحيدة التي تنفذ هذه العمليات، لكن جزءاً كبيراً منها هي تبنّتها، منها الاغتيالات وعمليات الخطف الأخيرة، في إقليم قندوز، شمالي البلاد.
ويطرح متابعون سؤالاً عمّا إذا كان التنظيم الأفغاني سيقف في وجه هذه الاغتيالات إذا ثبت أنّ هناك جهة ثالثة تقوم بتنفيذها لأغراض غير معروفة أو لإثارة قطاعات شعبية ضد "طالبان"، أو إذا كانت الحركة هي نفسها تنفذ مثل هذه العمليات أو بعضها، فهل تغيّرت سياستها، كما تلمّح إليه رسالة زعيمها، أم أن الكلام الأخير مجرد حبر على ورق؟ لكن يدرك الأفغان أن تصفية رموز القبائل وأبنائها ستعجّل، لا محالة، بتحريك تلك القبائل لمواجهة "طالبان"، وهو أمر لا تحتمله بأية حال.
الجديد في رسالة زعيم "طالبان" مطالبته دول الجوار والمنطقة بالتعاون مع الحركة لإنهاء الاحتلال الأميركي، وذلك على خلاف رسائل أسلافه. والغريب أن الرجل في الرسالة ذاتها، ينفي جميع التقارير التي تؤكد أن باكستان وإيران تدعمان الحركة، في حين أن الملا أختر منصور قُتل وهو في طريقه من إيران إلى باكستان، وفقاً لما كشفته التقارير.
وتزامنت رسالة الرجل مع تطورات عدة شهدتها المنطقة، أهمها التغيير في استراتيجية الولايات المتحدة إزاء "طالبان"، والتوتر غير المسبوق في العلاقات بين باكستان وأفغانستان. ويرى خبراء سياسيون أن التقارب بين إيران وروسيا من جهة وبين "طالبان" والدولتين من جهة ثانية، أدى إلى تغيير الولايات المتحدة سياستها ونتج عنها مقتل الملا منصور، اللاعب الرئيسي في تطور علاقات الحركة بموسكو وطهران، وإعلان الولايات المتحدة استعادة نشاطها العسكري في أفغانستان، والمساهمة في العمليات المسلحة ضد "طالبان".
الأهم من ذلك، هو التوتر غير المسبوق في العلاقات بين باكستان وأفغانستان، كما أثار سكوت "طالبان"، خلال الأزمة الحدودية بين الدولتين، قبل أسبوعين، غضب الكثير من الأفغان. إلا أن الحركة لن تتحمل، في الوقت الراهن، أي نوع من التوتر في علاقاتها مع باكستان أو أية دولة في المنطقة، لا سيما أنها تواجه أكثر من طرف (الحكومة الأفغانية، والقوات الأميركية، وتنظيم الدولة الإسلامية).
وفي حال استمرار التوتر على الحدود الباكستانية ـ الأفغانية ستكون "طالبان" على مفترق طرق، إذ إنّ الشعب الأفغاني وقبائل المنطقة تطلب منها، مقابل تعاونهم معها، الوقوف إلى جانبهم إزاء أية أزمة حدودية. هذا ويبدو أن العلاقات الباكستانية ـ الأفغانية قد تتوتر أكثر بعد تصريحات مستشار رئيس الوزراء الباكستاني الخارجية، سرتاج عزيز، الأخيرة، ومفادها أن باكستان لن تتحرك ضد جميع المسلحين، في إشارة إلى "طالبان أفغانستان". ومع توتر العلاقات، وفقاً لمتابعين، ثمة خشية من إثارة الأزمة الحدودية من جديد.