الجامعات في اليمن.. مقاتلون على مقاعد بالدراسة

01 اغسطس 2017
+ الخط -

بنفسية مكسورة، وبعد عامين من متابعته نشرات أخبار قناة العربية "الحدث" في انتظار خبر سار يُخرجه من دائرة القلق والانتظار بتوقّف الحرب، قرّر الشاب علاء عبده مدهش، أن يحمل ملفه هذا العام، ويترك قريته في ريف شرعب السلام بمحافظة بتعزّ، ويتّجه نحو التنسيق مع جامعة تعز، رغم تفاقم الوضع، وبقاء الحرب مستمرّة وانقطاع راتب والده منذ أكثر من عشرة أشهر.

يقول علاء، إنه أثناء مغادرته قريته، ظلت ذاكرته تستعيد كثيرًا من المشاهد والصور، منها صور جامعة تعزّ وهي مدمرة تشبه الأطلال، وصورة والدته وهي تقول له "إلى أين أتجه، راتب الوالد منقطع منذ سنة، من سيصرف عليك وأنت في الجامعة ومن سيدفع لك تكاليف ومستلزمات الدراسة؟".

يقل علاء لـ"جيل": "يبدو أن الحرب لن تتوقّف في اليمن، وكل المؤشرات تقول إن الحرب ستطول، ولذا قرّرت أن ألتحق بالجامعة، ولو أنني سأتعب كثيرًا كما يبدو، وأنا أنصح كل الشباب بالالتحاق بالجامعة، وألا يتابعوا نشرات (الحدث) التي تجلب الإحباط والتوتر النفسي".

يتابع علاء حديثه، ويشرح جزءًا من أجواء التنسيق في جامعة تعز، ويؤكّد أن هناك إحباطًا عامًا لدى الجميع، وليس لدى والدتي فقط والتي ربّما تكون محقّة، وتفكّر بما يفكّر به أغلبية اليمنيين، ومنهم الطلّاب الراغبون في الالتحاق بالجامعة.

يضيف المتحدّث: "الطلاب المتقدّمون للتسجيل في جامعة تعز وجدتهم منكسرين جدًا ونفسيتهم متعبة، وأغلبية يستعدون لاختبارات القبول يبدون غير جادين، وغير متحمّسين للالتحاق بالجامعة وهناك من ذهب نحو هذه الخطوة تلبية لرغبة والده وآخر من باب إسقاط واجب، وثالث يجرّب حظه فإن صار من ضمن المقبولين سيتقبل الأمر ويحجز مقعدًا، وإن لم يحدث ذلك سيكون قد فعل ما يتوجب عليه ويعود إلى البيت".


إحباط من أوّل وهلة
الطالب أسامه قائد يعترف أن الإحباط تولّد لديه فعلًا، خلال الساعات الأولى التي استغرقها في العبور من خارج المدينة إلى حي عصيفرة القريب من الجامعة والقريب من مناطق المواجهات، فيقول: طريق وعر عبرناه على مدار ثماني ساعات، وتفتيش في أكثر من 50 نقطة أمنية تابعة للمتحاربين، وكان هذا في حد ذاته مشكلة، وعاملا كافيا لقتل الحماس فينا في الالتحاق بالجامعة".

ويتابع حديثه لـ"جيل": "ليس هناك إقبال كبير مقارنة بالأعوام السابقة، فهناك ما يقارب 8 آلاف طالب هم من تقدّموا للتسجيل في كليّات تعز، وهؤلاء الطلاب هم أنفسهم قاموا بالتسجيل والتنسيق في كلية الطبّ البشري وفي كلية الأسنان وفي الصيدلة، وهم يستعدون للتنسيق في كل الكليّات حتى يحالفهم حظ القبول".

يشير أسامة متسائلًا: "ثمانية آلاف طالب تقدّموا في كلية الطب في حين أن المقاعد المخصّصة للقبول عددها 50 مقعدًا، أليس هذا إحباط آخر أكبر من غيره؟". ويضيف: "مبنى الجامعة وأنت تقف أمامه من قريب، وتلاحظ حجم الدمار الذي طاوله يدعو للأسى".

من جهته عبد الرقيب أحمد، أستاذ في قسم العلوم بجامعة تعز يقول لـ"جيل": "على الرغم من الصعوبات الكبيرة في عملية التنسيق، التي واجهها الآلاف من الطلّاب الذين قرروا الالتحاق بجامعة تعز بكل أقسامها العلمية، إلا أن هذا العام لم يكن أفضل من الأعوام السابقة، إن لم يكن أسوأها بفعل الحرب التي تشهدها تعز منذ قرابة عامين".

ويضيف المتحدّث، أن استمرار الحرب في تعز، أدخلت طلاب الجامعة في خط الصراع المحتدم بين فصائل "المقاومة الشعبية" من جهة، وبين قوّات الشرعية وجماعة الحوثيين من جهة أخرى، الأمر الذي حدّ من نسبة الالتحاق بالعملية التعليمية، وضاعف من معاناة الطلاب الذين التحقوا خلال العامين الماضيين بالجامعة، أي مع بداية اندلاع الحرب في تعز، وما زالوا يتجرّعون سلسلة من الإجراءات القمعية والحالة المعيشية الصعبة التي تسببت بها الحرب".

ويشير عبد الرقيب، إلى أن العملية التعليمية في جامعة تعز لم تعد كما كانت عليه قبل الحرب، كما أن الخوف والفقر والنزوح والانفلات الأمني، كلها عوامل منعت الكثير من خريجي الثانوية لهذا العام من الالتحاق بالجامعة على حدّ تعبيره.


إصرار اجتماعي
من جهة أخرى، هناك من يرى استمرار توافد الطلاب نحو الجامعات، في ظلّ الوضع الراهن أمرًا إيجابيًا، ولو أنه ليس بذلك الشكل الباعث للرضا، ولكن ذلك يؤكّد أن هناك إصرارًا اجتماعيًا كبيرًا لدى كثير من اليمنيين على مواجهة التحديّات ومواجهة الحرب.

يقول الناشط السياسي والإعلامي، ياسين العقلاني لـ"جيل": "بات وضع اليمنيين سيّئًا للغاية من كل النواحي، نتيجة الحرب المستمرة وانقطاع صرف الرواتب، ولكن ورغم هذا، إلا أن هناك إصرارًا اجتماعيًا على مواجهة هذه التحديّات، فلاحظنا أن الجامعات فتحت أبوابها لاستقبال الطلاب الجدد الذين تقدّموا بالآلاف في مختلف الكليات، وهذا انعكاس لمدى تمسك اليمنيين بالحياة مهما كانت العوائق، إضافة إلى أن الأكاديميين مستمرّون في تقديم رسالتهم التعليمية دون أن يستلموا رواتبهم، ولكن ذلك يتطلب سرعة صرف مستحقاتهم كي تستمرّ العملية التعليمية ولا تدمّر حياة هؤلاء الطلاب الذين هم أساس تقدّم الشعوب".

ربّما الظروف الاقتصادية والمعيشية، تقف على رأس العوامل التي أدّت إلى تراجع العملية التعليمية في اليمن، واضطرت الآلاف من الطلاب إلى عدم المواصلة وآخرين إلى الالتحاق، يقول أحد طلاب كلية الصيدلة في جامعة صنعاء، إنه عندما بدأ دراسة الصيدلة في العاصمة اليمنية قبل ثلاث سنوات، كان يخطّط لنيل درجة البكالوريوس بسرعة ومواصلة دراسته ليصبح أستاذًا جامعيًا، أو يصبح مندوبًا صيدلانيًا لدى إحدى الشركات الدوائية، ولكن، بدلًا من ذلك، كانت دراسته بطيئة وسببت له الكثير من الحرج، إذ اضطرت والدته لبيع أساورها الذهبية لدفع رسوم جامعته، يقول بنبرة ألم وحسرة "الظروف المعيشية قاسية جدًا في ظل الحرب على الرغم من أننا لسنا قريبين من مناطق الاشتباك".


جامعة صنعاء.. مقاتلون في كلية الطب
وفي جامعة صنعاء، سلسلة طويلة من التعقيدات والصعوبات تقف أمام المتقدمين، منها تضييق الطاقة الاستيعابية للمتقدّمين من ناحية، ومن ناحية ثانية هناك محسوبية في أغلب الكليات، حيث أن هناك مساعي تتمّ من قبل رئاسة الجامعة وبالتنسيق مع الحوثيين إلى اعتماد متقدّمين يقاتلون مع الحوثي في الجبهات.

يقول عصام أحمد، أحد طلاب جامعة صنعاء لـ"جيل": "هناك كارثة حقيقية على التعليم الجامعي التخصصي مثل الطب، والهندسة، لأن جماعة الحوثي، تقدّم سنويًا حسب معلومات قائمة بأسماء طلاب مشاركين معها في جبهات القتال، وتريد إدراجهم كطلاب في العملية التعليمية من بعد، وأنا شخصيا التقيت أحد الأشخاص قبل أيام وسألني عن طريقة التنسيق ليكمل إجراءات تسجيل شقيقه الغائب، الحاضر في جبهات الحرب في كلية الطب".

ويشير عصام إلى أن هناك تراجعًا ملحوظًا في أعداد المتقدّمين مقارنة بالأعوام الماضية، فعلى سبيل المثال كان يتقدّم في كلية الطب البشري بجامعة صنعاء سبعة آلاف إلى عشرة آلاف، لكن هذا العام بلغ عدد المتقدّمين قرابة الأربعة آلاف طالب، ما يعني أن هناك تراجعًا في التعليم الجامعي بسبب الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يخضع لها اليمنيون، والتي تتفاقم مع استمرار الحرب.


صعوبات العودة إلى الجامعة
تسبّبت الحرب الدائرة في اليمن بتوقّف شبه تام لمنظومة التعليم العالي في البلاد؛ حيث تضرّرت المنشآت التعليمية والمرافق الخدمية، بالإضافة إلى الأضرار التي تعرّضت لها بعض مساكن أعضاء هيئة التدريس في الحرم الجامعي، والمساكن الطلّابية.

وكانت أرقام قد تحدثت عن حرمان ما يقارب ثلاثمائة ألف طالب جامعي من التعليم، بسبب الحرب، وبسبب الظروف الاقتصادية والدمار الذي طاول الكثير من الجامعات، إلى جانب أسباب أخرى. وعلى الرغم من الأضرار المادية التي تعرّضت لها مؤسّسات التعليم العالي، إلا أن ذلك لم يكن السبب الرئيس في شلّ منظومة التعليم الجامعي، "فالتردّي الأمني المتفاقم ولّد مخاوف كبيرة من سقوط ضحايا في صفوف الطلّاب أو هيئات التدريس"، وفق كثيرين.

"الحرب لم تعد المشكلة الوحيدة رغم الدمار، فتفاقم أزمة المشتقات النفطية، وانقطاع الرواتب وتدهور الوضع الاقتصادي، جعل من عودة الطلاب للجامعات أمرًا في غاية الصعوبة" بحسب الأستاذ الجامعي عبد الرقيب أحمد، فمَن نزحوا إلى الأرياف تقطّعت سبل عودتهم.


الانخراط في التطرّف
بقاء الطلاب خارج الحرم الجامعي، أمرٌ خطير حسب كثيرين، فالفراغ والفقر سيحوّل هؤلاء الشباب إلى متطرّفين أو إلى محاربين مع أطراف الحرب، خصوصًا في ظلّ بقاء الصراع وبقاء الحرب مستمرّة في بلد يعتبر من أفقر البلدان في الشرق الأوسط.

يقول البروفيسور صالح باصرة، وزير التعليم العالي الأسبق، وأستاذ التاريخ اليمني، أن ضعف التعليم العام، وتسرّب الطلبة عن الدراسة، وعدم تمكّن بعضهم من الالتحاق بالتعليم الجامعي، إلى جانب عدم توفّر فرص عمل لخريجي التعليم الجامعي، والفقر، والبطالة المتفشية في اليمن، هي أحد أسباب استقطاب الجماعات المتطرّفة للشباب، وانخراطهم فيها، وتحويلهم إلى محاربين، يحملون معاول هدم للوطن، بدلًا عن معاول البناء القائمة على العلم وحب الوطن.

وأكّد المتحدّث، بأن الكارثة هي تحويل مؤسّسات التعليم العام والجامعي في اليمن إلى معتركات سياسية تضرّ بالوطن والتعليم ومخرجاته، موضّحًا في ندوة نظمها اتحاد الطلبة اليمنيين في ماليزيا: "الجامعات ومؤسّسات التعليم هي مكان لتعليم السياسة وليست مكانًا للمعترك والصراع السياسي".

 

المساهمون