الثورة اللبنانية تطلق صحيفتها: "زقاق في مشاع الشعب"

29 نوفمبر 2019
وزعت 3 آلاف نسخة من الصحيفة مجاناً (حسين بيضون)
+ الخط -
أطلقت مجموعة من الشابات والشبان في لبنان صحيفة ورقية عنوانها "17 تشرين"، تحت عنوان عريض "أنا الشعب لا أعرف المستحيل"، بعد مرور 43 يوماً على الانتفاضة الشعبية في البلاد، مساء أمس الخميس.

وكانت تظاهرات انطلقت في العاصمة بيروت والمناطق اللبنانية، من شمالها إلى جنوبها، يوم الخميس في 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، احتجاجاً على سعي الحكومة إلى فرض ضرائب جديدة على المواطنين شملت الاتصالات عبر الإنترنت، ثم بدأت المطالبات بإصلاح كامل للنظام السياسي. وتحت ضغط الشارع، قدّم رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري الذي يرأس "تيار المستقبل" استقالته، في 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وتعدّ "17 تشرين" الإصدار الأول من رحم الانتفاضة اللبنانية، علماً أن المبادرين إلى إطلاقها لم يحتكروا الكلام باسم الثوّار، بل شددوا على أن الصحيفة "زقاق صغير في مشاع الشعب"، داعين القرّاء إلى "المراسلة والانضمام إليهم، لبناء شرفة ينشرون على حبالها أفكارهم وغسيل من قهروهم".

ولفتت المجموعة، في افتتاحيتها الأولى، إلى أنها اختارت "17 تشرين" اسماً للصحيفة لأنه "تاريخ ميلاد لبنان الجديد"، مشددين على أنهم "اختاروا الكلمة، لأنهم (الأحزاب السياسية الحاكمة) ما تركوا لهم غيرها". وأشاروا إلى أن الصحيفة تسعى إلى "توثيق التجارب وإنجازات الشارع اللبناني".


(17 تشرين)


وفي حديثه لـ"العربي الجديد"، قال المخرج الشاب بشير أبو زيد، أحد المؤسسين، إن الصحيفة أسسها 5 أصدقاء جمعوا تبرعات مالية من المتظاهرين، وطبعوها في مطبعة تجارية، بعدما "استشعروا حاجة إلى إيصال صورة الانتفاضة بشفافية وإنصاف، خاصة وسط انتشار الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة".

وأضاف "لا يمكنني الآن حسم هوية صحيفة (17 تشرين)، لأنها كالثورة لا تزال تكوّن وتكتشف نفسها يومياً"، مشيراً إلى أن أحد أهداف الإصدار الورقي إعادة روح النقد إلى الكتابات الصحافية اللبنانية، وفسح مجال أمام حرية التعبير، والمساهمة في إطلاق منصات إعلامية بديلة تكون جزءاً من التنظيمات المعارضة لاحقاً.

وجاء العدد الأول في 16 صفحة، وطبعت منه 3 آلاف نسخة وزعت مجاناً في مناطق لبنانية عدة، على أن تصدر الأعداد المقبلة شهرياً. وكتب الصحافي اللبناني خالد صاغية مقالة في "17 تشرين" عنوانها "الشعب يستعيد البلد"، وكتب الأكاديمي إبراهيم حلاوي مقالة تحت عنوان "هل نحن طائفيون؟"، وكتب الصحافي جعفر العطّار مقالة "لا رب لهذا البيت"، كما كتب فنان الراب بو ناصر الطفّار مقالة عنوانها "كلنا مقاومة!"، إضافة إلى صحافيين وأكاديميين وناشطين وطلاب.

وفي حديث لـ"العربي الجديد"، وصف الطفّار الصحيفة الجديدة بـ"أجمل إنتاجات الثورة وأرقاها"، لأنها "مرتبطة بوعي جماعي حميم للثورات المحمّلة بوعي وتنظيم جمعي"، منوهاً إلى أن "صحافة الثورة تنافس كل بروباغندا النظام المضللة، وتشحذ همم الثوّار، وتستقطب تأييد الحياديين أو المتخوفين، وتسجّل الوقائع والأحداث بتفاصيلها قبل أن تأكلها الذاكرة المدارة من آلات النظام". وأضاف: "الصحافة الثورية رسالة مزدوجة للشعب والنظام، وتكسر هيمنة الأخير على كتابة التاريخ والأحداث والتواصل مع الناس".

وتضمن العدد الأول صفحة عنوانها "رسالة من تجارب الثورات العربية"، فيها مقالة للمصري آدم حلمي، والسورية فرات حمّود. وضمت إحدى صفحاتها توثيقاً ساخراً لأهم الأحداث اليومية منذ انطلاق الانتفاضة الشعبية، فضلاً عن صور شهيدي الثورة حسين العطار الذي سقط في 19 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وعلاء أبو فخر الذي قُتل في 13 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي.

(17 تشرين)


وتُرك 51 في المائة من إحدى صفحات العدد الأول سوداء ووسطها علامة استفهام، وأرفقت بتعليق "اقتطعت نسبة مئوية من هذه الصفحة لأسباب قانونية نمتنع عن مناقشتها"، في إشارة ساخرة إلى حصول زوجة رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، رندة بري، على 51 في المائة من أي مشروع تجاري يُقام جنوب البلاد. 

وحجزت الشعارات والهتافات الأكثر شعبية مكاناً في الصحيفة الجديدة، وتضمنت خريطة عنوانها "هرّب ثائر"، لمساعدة المتظاهرين على الهروب من ساحة رياض الصلح، وسط العاصمة بيروت، في حال شنّت عليهم القوى الأمنية أو بلطجية الأحزاب الحاكمة أي اعتداء مفاجئ.


(17 تشرين)


وقد لاقت "17 تشرين" ترحيباً واسعاً وسط اللبنانيين المشاركين في الانتفاضة، إذ سارعوا إلى حجز نسخهم، مما أدى إلى نفادها في ساعات قليلة. وتوجهوا إلى مواقع التواصل الاجتماعي، مشيدين بالمبادرة.

تجدر الإشارة إلى أن العلاقة بين اللبنانيين والمؤسسات الصحافية والإعلامية في البلاد يسيطر عليها الشك، خاصة أن الشارع لا يستطيع إلى الآن حسم موقفه نهائياً من القنوات التلفزيونية التي تغطي الانتفاضة الشعبية. في الأيام الأولى للانتفاضة، حرصت القنوات التلفزيونية على استمرار البث المباشر لكل ما يحصل، ثم دخلت مرحلة من التعتيم في ما بدا قراراً سياسياً، قبل عودتها أخيراً إلى بثّ مسلسلات واستضافة شخصيات مثيرة للجدل سعياً إلى جذب المشاهدين من دون تقديم محتوى صحافي قيّم. وتستثنى من هذه المعادلة كل من قناتي "أو تي في" و"الميادين" وصحيفة "الأخبار" اللبنانية التي تواظب على التحريض ضد المتظاهرين وشيطنتهم إلى درجة وصفهم بـ"مجرمي الحرب" (إبراهيم الأمين، الأخبار، 26 نوفمبر/تشرين الثاني).

ولا يمكن لوم اللبنانيين على توجسهم من الإعلام التقليدي، لارتهانه لأيدي جماعات سياسية وبعض العائلات الثرية وجهات تحكمها المصالح السياسية المحلية أو الخارجية. وقد كشفت دراسة لـ"مراسلون بلا حدود" مع منظمة "سكايز"، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أن "الأحزاب السياسية والعائلات الثرية حاضرة كلياً في المشهد الإعلامي، إذ تسجل وسائل الإعلام اللبنانية أعلى معدل في التبعية السياسية: 78.4 في المائة من المنابر الإعلامية المحللة تنتمي مباشرة إلى الدولة أو الأحزاب أو شخصيات سياسية (من مرشحين للرئاسة ونواب حاليين أو سابقين)"، مقارنة بمراصد ملكية وسائل الإعلام في البلدان الـ16 المشمولة في المشروع (ألبانيا والبرازيل وكولومبيا وكمبوديا وغانا والمكسيك ومنغوليا والمغرب والبيرو والفيليبين وصربيا وسريلانكا وتنزانيا وتونس وتركيا وأوكرانيا).